مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
بحث في: وجوب التمسك بهدي النبي في الحج والبعد عن البدع ومحدثات الأمور
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا، أما بعد:
فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم – كان يقول في خطبه: رسم> إن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعه وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة في النار متن_ح> رسم> وفي هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم يحث الأمة على أن يعملوا بالقرآن الذي هو النور والهدى، ويحذرهم عن الإعراض عنه وعن التكذيب به، وقد توعد الله من أعرض عنه قال الله تعالى: رسم> فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قرآن> رسم> .
والهدى الذي من اتبعه لا يضل هو كتاب الله وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم - والذكر الذي يضل من أعرض عنه هو كتاب الله تعالى، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
وحيث إن كل مسلم يفتخر أن يكون من أهل الإسلام الحقيقي ومن أتباع النبي -صلى الله عليه وسلم - ويحب أن يحشر في زمرة أمته، وأن يكون من المحبين له فإن على المسلمين جميعًا أن يحرصوا على اتباع هذا القرآن، وعلى الاقتداء به، وعلى اتباع النبي محمد اسم> -صلى الله عليه وسلم- والتقيد بسنته وبشريعته، وعدم الابتداع؛ حيث أخبر أن كل محدثة بدعة. أي كل ما أحدث في الشرع فإنه يعتبر بدعة مضافة إلى الشرع، مردودة على من جاء بها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم - رسم> من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ متن_ح> رسم> أي مردود عليه.
ولا شك أن من ذلك أمور العبادات التي شرعها الله تعالى على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- وحث أمته على أن يعلموا بها. أمور الحج من العبادات، فكل مسلم يحب أن يقتدي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الشريعة، يحب أن يقتدي به في هذه الشعائر، وفي هذه المناسك، وأن يكون من المقتدين به والمتبعين له والمتمسكين بسنته التي أوصى بالتمسك بها في آخر حياته. ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه: رسم> أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد؛ فإنه من يعش منكم فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعه متن_ح> رسم> فهكذا أمر بأن نتمسك بسنته.
تمسكوا بها يعني: اقبضوا عليها بالأيدي، وإذا خفتم أن تتفلت فعضوا عليها بالنواجذ وهي أقاصي الأسنان؛ ذلك كله حث على التمسك بالسنة؛ وذلك لأنه عرف بأن هناك مبتدعة، هناك ضلال ومبتدعة يحدثون في الشرع ما ليس منه، ويضيفون إليه أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، ويشرعون للأمة شرعا لم يأذن به الله، يدخلون في قول الله تعالى: رسم> أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ قرآن> رسم> وشرع الله تعالى كامل.
أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في يوم عرفة اسم> قول الله تعالى: رسم> الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا قرآن> رسم> .
فأخبر بأنه قد أكمل دين الإسلام والكامل لا يحتاج إلى زيادة ولا إضافة شيء .
فعلى هذا المسلم يحرص على أن يسأل عن السنة النبوية في هذه الأعمال ويتبعها، ويحرص على التقيد بها بدون زيادة وبدون نقصان أو خلل.
ولقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأن هناك بدع ومحدثات، وإنها زيادة على شرع الله تعالى؛ فذلك لا يجوز لأحد أن يبتدع أو يفعل تلك الزيادات التي ليست في دين الله من شيء، ونذكر لذلك أمثلة؛ ليكون المسلم على بصيرة من دينه. فمن ذلك أمور تفعل في الطواف بالبيت اسم> وفي الصفا اسم> والمروة اسم> كالذين يتعلقون بأستار الكعبة اسم> ويدعون أنها تعصمهم أو تنفعهم مبتدعه، والذين يتمسحون بجدران الكعبة اسم> مبتدعة أيضا، والذين يتمسحون بجدار الحجر حجر إسماعيل اسم> مبتدعة أيضا، وكذلك الذين يتمسحون بزجاج المقام مقام إبراهيم اسم> كلما مروا عليه مسحوه بأيديهم، ومسحوا بها وجوههم، لا شك أن هذه لم يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا شك أنهم على خطأ في ذلك؛ حيث إنهم يعتقدون أنها تنفعهم، أن هذه الكسوة تنفعهم، وأنها تشفيهم أو أن هذا الزجاج أو هذه الحجارة تشفي مرضاهم، أو تشفع لهم، أو تدفع عنهم الأذى، أو تجلب لهم الخير؛ فيتعلقون بها وهذا تعلق بغير الله.
وقد أبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- التعلق بالمخلوقات، وأمر المسلمين أن يكون تعلقهم بربهم، وأن يعتمدوا على الله تعالى في نفعهم، وفي جلب الخير لهم؛ فإنه الذي يمرض ويشفي، كما حكي الله تعالى عن إبراهيم اسم> أنه قال: رسم> فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ قرآن> رسم> فهذا خبر من الله عن إبراهيم اسم> أن المسلم الموحد يتعلق بربه، ولا يتعلق بهذه الأحجار ولا بهذا الزجاج أن ولا بغير ذلك.
وهكذا أيضًا الذين يصعدون الجبال يعتقدون أن صعودها فيه بركات. صعودهم من جبل الرحمة اسم> واعتقادهم أن حجارته، أو أن الجبل نفسه ينفعهم، أو يتبركون بصعوده، أو أن العمل في سطحه أفضل منه في غيره، وكذلك الذين يصعدون إلى غار حراء اسم> الذي كان يتعبد به النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن ينزل عليه الوحي، أو يصعدون إلى غار ثور اسم> الذي اختفى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما خرج.
ولا شك أن هذا ليس من الشرع؛ ولو كان من الشرع لفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أوحى إليه، وفعله بعد أن حج حجة الوداع أو اعتمر عمرة، لا ... صعود مثل هذه الجبال؛ فذلك الذين يتبركون بالمكان، هناك مواقع، ويقولون: هذا مولد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو هذا مولد علي بن أبي طالب اسم> وما أشبه ذلك، وكل هذه لا حقيقة لها، ولا يتعلق المسلم بها وليس لها فائدة.
كذلك أيضًا ننبه على أن الذين يعتقدون أن الحج لا يكون إلا بزيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم - وقبور الشهداء وقبور أهل مكة اسم> والمدينة اسم> ويرون أن رجوعه دون أن يزوروه يعتبر نقصا في عبادتهم، وهذا أيضًا اعتقاد خاطئ؛ وذلك لأن الأحاديث التي يتعلقون بها مكذوبة موضوعة، مثل الحديث الذي يقول فيه: (من حج ولم يزرني فقد جفاني) هذا كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقولهم: (من زارني بعد مماتي فكأنما زاني في حياتي) هذا أيضًا مكذوب، وكذلك قولهم: (من زارني في دار أبي إبراهيم اسم> في سنة واحدة وجبت له شفاعتي ). وأشباه ذلك؛ فهذه لا يصح منها شيء ولو رواها أمثال الدارقطني اسم> وأمثال الطيالسي اسم> فلا عبرة بها؛ فأسانيدها واهية ضعيفية.
فإذا أراد الإنسان أن يزور المدينة اسم> أن يكون قصده المسجد النبوي اسم> أن يزور المسجد؛ وذلك لأنه الذي تضاعف الصلاة فيه بألف: رسم> الصلاة في المسجد النبوي تعدل ألف صلاة فيما سواه متن_ح> رسم> فإذا كان الإنسان يتطلع إلى زيارة المدينة اسم> جعل زيارته للمسجد، ومتي وصل إلى المسجد فصلي فيه ركعتين لا بأس بعد ذلك أن يزور القبر النبوي وقبر الخليفتين، ويأتي القبر ويسلم: السلام عليك يا رسول الله، أشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته، اللهم إنا نسألك أن ترفع مكانه وأن تؤتيه المقام المحمود والدرجة والوسيلة والدرجة الرفيعة.
وكذلك تسلم على أبي بكر اسم> السلام عليك يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسأل الله أن يجزيك ما جزى خليفة عن هذه الأمة.
ثم يسلم أيضًا على عمر بن الخطاب اسم> -رضي الله عنه- فيشهد له بأنه قد قام بالخلافة أحسن قيام، وأنه جاهد في الله حق جهاده، وهكذا يزور البقيع اسم> التي فيه قبور كثير من الصحابة وإن كانت غير محددة.
القبور المحددة ليست صحيحة، الذين يقولون هذا قبر عثمان اسم> أو هذا قبر فاطمة اسم> ليس لهم علم لأن القبور هذه اشتبه بعضها ببعض ولا يظهر شيء منها.
كذلك أيضًا إذا زار قبور الشهداء في أحد اسم> زارهم وسلم عليهم جميعا ودعا لهم بالمغفرة والرحمة، ولا يخص أحدا لا حمزة اسم> ولا غيره؛ وذلك لأنهم جميعًا اختلفت قبورهم ولم يتميز منها قبر عن قبر، وهم سبعون من الصحابة . لا شك أن هذا مشروعًا.
وزيارة القبور مشروعة، حتى في كل بلد أن يزور الإنسان قبور بلده كلما أحس بقسوة في قلبه؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تذكركم بالآخرة متن_ح> رسم> .
فزيارة القبور فيها فائدتان:
الأولى: تذكر الآخرة وتذكر الاستعداد للموت، ولما بعد الموت .
والثاني: الدعاء للأموات. كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: رسم> السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، أنتم لنا سلف ونحن في الآخر متن_ح> رسم> .
رسم> اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم رسم> ، فهذا هو المشروع في زيارة القبور. الدعاء لهم، والسلام دعاء..، ولا يدعون مع الله.
وكذلك يترحم عليهم يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، وكذلك أيضًا يدع لهم: اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم. فهذا هو المشروع في زيارة القبور، سواء قبور أهل المدينة أو غيرهم، ولا يجوز شد الرحال لزيارة القبور؛ بل يزورها من قريب؛ فإن كل بلدة لا تخلو أن يكون فيها قبور فيزورها من قريب دون أن يرحل إليها.
هذا هو المشروع، فيتمسك المسلمون بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويبتعدوا عن البدع؛ حتى يكونوا من أهل السنة الذين أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنهم: رسم> أهل الفرقة الناجية .. إلى قيام الساعة رسم> .
مسألة>