جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
107380 مشاهدة
اجتناب المال الحرام

تذكرون الحديث الذي ذكره الشيخ ابن باز رحمه الله في أول رسالته التي هي التحقيق والإيضاح لكثير من مناسك الحج والعمرة والزيارة، على ضوء الكتاب والسنة هذا الحديث يقول فيه: إذا خرج الرجل بالنفقة الحلال حاجا، ووضع رجله في الغرز، وقال: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد: لبيك وسعديك، زادك حلال، ونفقتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الحرام، ووضع رجله في الغرز، ونادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد، وقال: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مبرور ؛ ولأجل ذلك كان الأولون رحمهم الله يتفقدون الزاد الذي يحجون به، يتفقد أحدهم الزاد، فلا يحج إلا بنفقة حلال من عرق جبينه، ومن كد يمينه، ليس فيها أية شبهة، وليس فيها أية طرف من أطراف الحرام أو المشتبه، كل ذلك لأجل ألا يكون الحج مأزورا.
وقد ذهب بعض العلماء كالإمام أحمد رحمه الله إلى أن من حج بمال حرام؛ فإنه لا يقبل حجه، ولا يسقط عنه الفرض، ونظم ذلك بعضهم فقال:
إذا حججت بمـال أصلـه سـحت
فما حججت ولكن حجـت العـير
لا يقبل اللـه إلا كــل صالحـة
ما كل من حج بيـت الله مـبرور
يعني: أنك ما حججت؛ وذلك لأن زادك غير حلال. السحت هو المال الحرام الذي ذم الله من يأكله في قوله تعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ؛ يعني للحرام كالمسروق، والمختلس، والكسب الحرام من أي جهة كالذي يؤخذ بغش، أو يؤخذ بمخادعة، أو ما يؤخذ بغصب أو بظلم من صاحبه، أو ما أشبه ذلك، وكالربا، والرشوة، والنهب، والسلب بغير حق، وما أشبه ذلك من الأموال المحرمة.
وقد ورد في الحديث أن أكل المال الحرام سبب لرد الدعاء، وسبب لعدم قبول العبادة، وذكر أن سعدا رضي الله عنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون مستجاب الدعوة، فقال: أطب مطعمك، تكن مستجاب الدعوة ؛ يعني أنك إذا أطبت طعامك وشرابك؛ أجاب الله تعالى دعوتك، وقبل عبادتك، وثبت الحديث المشهور قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله طيب، لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ؟! .
الطيب هو الحلال، الكسب الحلال، الله تعالى طيب، لا يقبل من الأعمال ولا من المكاسب إلا الطيب، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بهذا بأن الرجل إذا كان هكذا فإن الله لا يقبل دعوته، ولا يقبل أعماله؛ إذا كان زاده حرام؛ ولذلك وصف هذا الرجل بأربع صفات تدل على إجابة الدعوة، الأمر الأول: أنه يطيل السفر، والإنسان إذا أطال السفر كثر فضله وثوابه.
الثاني: أنه أشعث أغبر، إذا كان كذلك فإن هذا أقرب إلى أن يكون من المتمسكنين ومن الضعفاء المتضعفين لله تعالى، كما جاء في الحديث: رب أشعث أغبر، مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره .
الوصف الثالث: أنه يمد يديه إلى السماء، وهذا المد وهذا الرفع أيضا من أسباب قبول الدعاء، كما قال صلى الله عليه وسلم: إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا .
والأمر الرابع: التوسل إلى الله تعالى بالربوبية: يا رب، يا رب.
ومع ذلك ما قبلت دعوته، لماذا؟ لأن أكله حرام، ولباسه حرام، وغذاءه حرام، فلو كان ذلك سببا في رد دعوته؛ فلذلك نقول: إن الإنسان عليه إذا عمل عملا كالحج أو العمرة أن يتفقد طعامه، وشرابه، وزاده، وصدقاته؛ حتى تكون من كسب طيب، ليس فيها شبهة، ولا شبيه بالشبهة.
فهذه كلمات حول أعمالنا التي عملناها، نرجو أن الله تعالى لا يؤاخذنا إذا كان فيها شيء من الخلل، أو النقص أولها: السفر، الذي هو مفارقة الأهل، وثانيها: النفقة والتعب، الذي أنفقناه من أموالنا، وثالثها: الإحرام الذي هو التجرد من اللباس طواعية لله، ورابعها: ترك المحظورات التي حرمت على الإنسان في حالة إحرامه تقربا إلى الله تعالى، وطلبا للأجر منه، وخامسها: -الإتيان- القصد إلى البيت العتيق والطواف به تعظيما لرب البيت سبحانه وتعالى؛ وامتثالا لأمره في قوله: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ .
وسادسها: السعي بين الصفا والمروة التي هما من شعائر الله تعالى، والذي يكون السعي فيها عبادة لله، ليس تعظيما للصفا ولا للمروة ولا للبقعة وإنما هو طواعية لله.
وسابعها: الوقوف بعرفة في حالة خشوع واستكانة، وكثرة الدعاء والابتهال، وكثرة التضرع، وكثرة الذكر، وثامنها: الذكر في المشعر الحرام الذي أمرنا الله به في قوله تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وتاسعها: الإفاضة إلى منى الذي المبيت فيه والإقامة فيه أيضا عبادة، وأيامه التي هي أيام التشريق أيام ذكر وشكر، وأيام أكل وشرب، وأيام عبادة، وعاشرها: التقرب إلى الله تعالى بالذكر الذي أمرنا به، ومن الذكر: الذكر عند ذبح الهدايا، والذكر عند الأكل وعند الشرب، وكذلك الذكر عند رمي الجمار، والذكر عند الطواف وعند السعي، طواف الإفاضة وما أشبهها.
فهذه الأفعال التي يتقرب الحجاج بها؛ يرجون بها الأجر والثواب، إذا كانوا فيها مخلصين صادقين، فالله سبحانه وتعالى أكرم من أن يردهم، وأكرم من أن يبطل عملهم، فعليهم أن يحققوا الإخلاص، وعليهم أيضا أن يظهروا الافتقار إلى الله سبحانه وتعالى، ويعترفوا بأنه هو: الغني، وهم: الفقراء، كما قال الله تعالى: وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ فمتى كانوا كذلك رجي إن شاء الله أن يقبل الله عملهم، وأن يضاعف أجرهم، وأن لا يردهم خائبين.
نسأل الله، ونتضرع إليه، نسأله ألا يحرمنا من واسع فضله، نسأله ألا يحرمنا من واسع رحمته، نسأله أن يعمنا بفضله، وأن يعمنا بعطائه، وأن يتقبل سعينا، وأن يجعل عملنا؛ أي يجعل حجنا مبرورا، وسعينا مشكورا، وذنبنا مغفورا، وعملنا صالحا مبرورا، ونقول: اللهم لا تؤاخذنا بما يقولون، واغفر لنا ما لا يعلمون، اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئا، رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .
ولا تردنا بعد الدعاء خائبين، ولا تجعلنا من رحمتك محرومين، ولا عن بابك رجائك مطرودين.
ولا تجعلنا من الخاسرين يا رب العالمين، ونقول: اللهم مكن لنا ديننا الذي ارتضيته لنا، وبدلنا بعد الخوف أمنا، وبعد الذل عزا، وبعد الفقر غنى، ونقول: اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين، ونقول: اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح أئمة المسلمين وقادتهم، واجعلهم هداة مهتدين، يقولون بالحق وبه يعدلون، جازهم بالإحسان إحسانا، وبالإساءة عفوا وغفرانا، ولا تحرمنا من واسع فضلك، ولا تحرمنا من عطائك وجودك يا رب العالمين، ولا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا، وتقبل منا أعمالنا وسعينا، يا واسع الفضل والعطاء، يا من يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ قد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا، فهذا الدعاء، ومنك الإجابة، وهذا الجهد، وعليك التكلان، صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أسئـلة
أجزل الله الأجر والمثوبة فضيلة الشيخ عبد الله على ما قدم، ونسأله الله عز وجل أن يكتبه له في ميزان حسناته، وينفعنا بما سمعنا، وهذه هي بعض أسئلة السامعين.
س: يقول أحدهم: فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إن امرأة حجت مع والدها، وبينها وبين زوجها قطيعة منذ أكثر من خمسة عشر عاما؛ وذلك أن الزوج متزوج زوجتين، وهي الأولى؛ فهجرها، فربت أبناءها، وبارك الله لها في أبنائها فبروا بها، هل حجتها صحيحة مع هجرها لزوجها؟
صحيحة، والإثم على الزوج، إذا كان هو الذي هجرها؛ فإنه آثم إثما كبيرا، فحيث إنها حجت مع أولادها، أو مع والدها فأجرها تام إن شاء الله، ونرى: لا ولاية لزوجها ولا يجوز له أن يمنعها وقد هجرها.
س: سائل يقول: بعض السنن والمستحبات في الحج قد تكون في هذا الزمان فيها مشقة عظيمة، وربما فيها أذية لبعض الحجاج، فهل يؤجر من أراد السنة، ولكن حيل بينه وبينها في هذا الزمان؟
يؤجر على قدر نيته، فنقول مثلا: الصلاة خلف المقام من السنن، ولكن قد لا يستطيع، فقد لا يصليها إلا في المصابيح، أو لا يصليها إلا في السطح فيكون بذلك معذورا، وكذلك أيضا الدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى، وبعد رمي الجمرة الكبرى، هذا أيضا من السنن، وقد لا يستطيعه؛ وذلك إذا كان مرهقا ومتعبا، أو قد كان هناك زحام شديد في الطريق، ونحوه، فيكون معذورا، وكذلك ما عجز عنه من السنن والمستحبات في المناسك.
س: وهذا سائل يقول: هل يجوز لأهالي جدة تأخير طواف الوداع إلى أيام بعد نزوله إلى جدة ثم الرجوع وعمل هذا الطواف؟
يجوز ذلك لقرب المسافة، قد كان الصحابة يردون من ترك طواف الوداع بعد مسيرة يومين؛ بمعنى أن أحدهم يسير يومين، ثم يرجع يومين؛ لأجل طواف الوداع، فيكون ذلك أربعة أيام، فإذا خرج أهل جدة وبقوا أربعة أيام حتى يخف الزحام، ثم رجعوا ووادعوا، كفاهم ذلك إن شاء الله.
س: يقول: ما حكم من تأخر في رمي الجمرة الكبرى غدا، أو في رمي الجمار غدا إلى بعد الغروب والخروج من منى ؛ وذلك لشدة الزحام ؟
إذا كان يتعجل فلا بد أن يرمي قبل الغروب، ويخرج قبل الغروب، يتحين إلى بعد العصر في الساعة الرابعة أو الخامسة؛ فلعله يجد سعة في ذلك الوقت؛ فيرمي.
أما إذا كان لا يتعجل بل سوف يبيت، ويصبح يوم الثالث عشر ويرمي؛ فله أن يرمي في الليل، ولا حرج عليه إذا خاف من الزحام.
الأولى والأفضل: الرمي في النهار قبل الغروب، ولكن إذا اضطر إلى الرمي في الليل، وكان غير متعجل؛ أجزأه ذلك، وهذا اليوم أيضا يجوز فيه الرمي بعد الغروب ولو في الساعة الثالثة ليلا، أو إلى آخر الليل، فذلك من باب التوسعة.
س: يقول: ما حكم ذبح الأضحية ليلا ؛ أي بعد غروب الشمس؟
لا بأس بذلك، كانوا يكرهون الذبح في الليل؛ مخافة أن يسرها عن الفقراء، يقولون: إنه إذا ذبحها في الليل، أخفاها عن الفقراء والمساكين.
فنقول: إنه إذا التزم بأن يتصدق منها، فسواء ذبحها ليلا، أو نهارا.
س: يقول: ما علامة قبول الحج وهل ينقص ثواب من يستعجل؛ أي في يومين؟ وهل هو أقل فضلا ممن تأخر إلى الثالث عشر؟
علامة القبول المواصلة للأعمال الصالحة؛ أن يرجع أحسن مما كان عليه، فيرجع وقد تاب وأناب، وقد أحب العبادات وأكثر منها، وكره المعاصي وما أشبهها.
كذلك لا شك أن العمل كلما كان أكثر كان الأجر عليه أعظم، فالذي يقيم في منى ثلاثة أيام بعد يوم العيد يعمل مبيت، ويعمل رمي، ويعمل ذكر؛ فيكون أجره أكثر من الذي يتعجل في يومين، ولكن كل منهم على أجر.
س: يقول: ما الحكم فيمن شك في عدد الحصيات بالزيادة أو النقصان ؟
يغتفر إذا نقصت حصاة، سبق القول بأن بعض الصحابة قال: رميت بست، فلم يعنف عليه لو كان الساقط حصاة واحدة؛ النقص حصاة واحدة.
خلاف الأمر إلى أنه إذا ترك حصاتين، أو ثلاث حصيات؛ يتصدق عن كل حصاة بطعام مسكين، إذا لم يتدارك لعل هذه ما إذا فات الأوان، وأما ما دام في الوقت فإنه يتدارك ذلك ويرمي.
س: يقول أو تقول سائلة: عن امرأة حائض، ونوت الحج متمتعة، ولم تطهر إلى هذا اليوم، فما الحكم في القذف بعد رمي الجمرات، أم بعد الطواف والرمي، جزاكم الله خيرا؟
إذا كانت متمتعة، وحاضت قبل أن تتم العمرة أحرمت بالحج، كما فعلت عائشة رضي الله عنها وأدخلت الحج على العمرة فأصبحت قارنة، وتبقى مع الحجاج، وتقف معهم بعرفة وكذلك بمزدلفة وكذلك بمنى وترمي الجمار كما يرميها غيرها،‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌ أو توكل إذا كانت عاجزة، وتذبح هديها، أو توكل من يذبحه، ويبقى عليها الطواف، لا تطوف حتى تطهر.
فالتحلل إذا رمت، وقصرت من شعرها؛ جاز لها أن تتحلل؛ بمعنى أنها تتطيب، وتلبس ما تشاء، وتلبس القفازين، وتلبس النقاب؛ النقاب الشرعي، الذي ليس فيه كراهية، إلا إنها تكون محرمة عليه زوجها حتى تطهر وتطوف، فإذا طهرت؛ طافت الطواف الذي هو النسك.
فإن نفر قومها قبل أن تطهر، فنقول لوليها: لك أن تتأخر يومين أو ثلاثة أيام؛ حتى تطهر، فإذا طهرت تطوف وتسعى، ترجع إلى بلدك، ولا يكلفك أن تستأجر سيارة بنحو مائة أو مائتين، توصلك إلى بلدك.
فإن كان مضطرا إلى أن يذهب معها؛ فإنها تذهب إذا طهرت لبلدها، لم تحل لزوجها حتى ترجع، يرجع بها أحد محارمها؛ لتطوف وتسعى.
س: تقول سائلة: ما حكم الاستحمام بشامبو معطر، وكذلك استعمال معجون الأسنان، أو كريم الأيدي؟ أفتونا مأجورين، وذلك قبل أداء أي عمل من أعمال الحج، أو بعد الانتهاء من أعمال الحج؟
أما في حالة الإحرام، فنرى كراهية ذلك الشامبو وكذلك الصابون الممسك، وكذلك ما يسمى بالكريم أو ما أشبهه، هذه فيها روائح عطرة، يغلب أنها معطرة وأنها ممسكة؛ فلا يستعملها المحرم، لا ذكر ولا أنثى، يجد ما يقوم غيرها، فيجد الصابون التايد والذي ليس فيه مسك، وكذلك أيضا غيره من المزيلات، كذلك أيضا معجون الأسنان فيه رائحة يعدل بدله استعمال السواك الذي ينظف الفم، والمضمضة وتنظيف الفم.
أما بعد التحلل الأول بعدما يرمي ويحلق؛ يحل استعمال هذه الأشياء؛ لأنها من جملة الطيب.
س: قبل التحريمة.. هل تمتشط أم لا؟
إذا احتاجت إلى ذلك فلا بأس عليها. أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة لما أن أرادت أن تدخل الحج على العمرة قال لها: انقضي رأسك وامتشطي، وأهلي بالحج فالامتشاط هو تجديل ومشطه بالمشط، وقد يتساقط منه بعض الشعرات، ولكن ذلك لا يضر، وليس عليه فدية.
أما إذا لم يكن هناك حاجة، فنرى أنها لا تمشط إذا لم يكن هناك حاجة كالطول في المدة، كذلك الرجل لو احتلم وهو محرم وغسل رأسه ودلكه لأجل رفع الجنابة فإنه يتساقط منه شعر؛ لا يضره.
س: يقول: فضيلة الشيخ، هل يجوز أن ألتقط حجارة الرمي من فوق الكبري؛ أي كبري الجمرات وما يكون في الطريق، أم لا بد أن يكون التقاطها من المخيم؟
يجوز من كل مكان سواء من منى أو من مزدلفة أو من العزيزية أو من سائر البقاع إنما هي إلا حجارة يأخذها ويرجم بها من أي مكان ...
س: يقول: ما صحة حج من رمى الجمرة الكبرى مرة ثم أخر، ولم يتأكد من الحصى، ثم أعاد مرة أخرى فرماها؟
إذا كمل ما رماه؛ كفاه ذلك؛ ... فلو رمى مثلا ثلاث حصيات، ثم تساقط منه ما معه وذهب وجمع الحصيات الباقية ولو بعد نصف ساعة، وجاء، ورمى ما بقي؛ لعل ذلك جائز.
س: يقول: هل يجوز التعامل مع البنوك الربوية ولو لم آخذ الفوائد، ولكن لتسهيل التعامل هناك، والاستفادة من الصرافات الآلية؟
يجوز الإيداع عندهم إذا احتاج إلى ذلك؛ يعني يودع عندهم مجرد وديعة، يأخذ ماله الذي أودعه بدون زيادة، وأما إذا وجد غيرها فننصحه بألا يودع إلا عند المصارف الإسلامية.
س: هل يجوز أن توكل المرأة أحد أقاربها عنها في رمي الجمرات؟
إذا كانت عاجزة؛ كثيرا ما يكون النساء عليهن مشقة وصعوبة؛ فلها أن توكل سيما إذا كانوا يتعجلون في اليوم الثاني عشر، ينفرون بعد الظهر، فإن الزحام يكون شديدا.
وأما إذا كان هناك وسعة لأن ترمي في الليل كهذه الليلة؛ فالأفضل مباشرة الأعمال، وعدم التوكيل فيها إلا للضرورة.
س: يقول: ما رأي فضيلتكم في تجمع الأقارب في العزاء والاجتماع ثلاثة أيام لموت قريب لنا؛ حيث إنهم أتوا .. البلد لمكان بعيد، ولا يستطيعون العودة في نفس الوقت؟
الذي يجوز اجتماعهم هم أهل الميت؛ أولاده وإخوانه هم الذين يجلسون على التعزية، فأما أعمامه وأبناء أعمامه ونحوهم، فنرى أنهم لا يجلسون لكن إذا كانوا وافدين من مكان بعيد؛ فإنهم أيضا ممن يعزون في المصيبة؛ فلعل ذلك جائز.
س: يقول: فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأما بعد: عندنا في بعض القبائل الزواجات يبدأ فيها الحفل، والرقص، والغناء، والذي يعطى عليها الأموال، فما رأي فضيلتكم فيمن يفعل ذلك؟ وهل يصح لنا حضور تلك الحفلات فيما يسمى بالعرة.. التي تكثر عند بعض القبائل في حفل وغيره؟
المشروع في حفلات الزواج ضرب الدف شيئا يسيرا بين النساء، فأما استجلاب طباقات كما يسمونها ضرابات ودفافات وإعطاؤهن أموالا طائلة، أو كذلك طبالين، وإحضار الطبول، وإحضار المغنيين، وإعطاء المغنين أموالا لا موجب لها؛ فذلك لا يجوز؛ أولا: أنه لهو وغناء وطبول محرمة.
وثانيا: أنها نفقات لا حاجة إليها؛ فيكون الذين أخذوها أخذوا حراما، وأكلوا حراما، والذين أعطوهم ساعدوهم على ذلك، فيجب الاقتصار على شيء يسير من ضرب الدف لإظهار الأفراح، وكذلك .. تقديم التحية، فإذا كان كذلك شيئا يسيرا كساعة، أو ساعتين؛ جاز ذلك، وما زاد فلا يجوز.
س: وهذا سائل يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
والدي لا يصلي حتى الجمعة، ثم لما نصحته تعذر، وقال: إنني مريض، فماذا تنصحني في هذا الأمر؟ وإذا قيل له تعال إلى بعض الحفل؛ جاء بسرعة وذهب إلى الحفل، ولا يذهب إلى المسجد، فماذا تنصحني في التعامل معه، وجزاكم الله خيرا؟
دعواه أنه مريض؛ إن كان مريضا فالصلاة لا تسقط عن المريض؛ يصلي ولو جالسا أو على جنبه إذا كان صادقا في أنه مريض.
وأما إذا كان يأتي إلى الحفلات، وإلى أماكن اللهو؛ فهو دليل على أنه نشيط وليس بمريض.
فننصحك بتكرار وعظه وإرشاده، والإتيان بمن ينصحه من الإخوة العارفين وأهل الخير؛ لعله أن يتوب، وعليك والحال هذه أن لا تساعده على شيء من الخدمة ما دام مصرا على ترك الصلاة؛ فلا تعطه، ولا تخدمه، إلى أن يتوب ويستغفر الله.
س: يقول: فضيلة الشيخ، أنا شاب ملتزم ومنَّ الله علي بالهداية والحمد لله، ولكنني أسمع للعلماء والمشائخ وطلبة العلم، فماذا تنصحونني، أو أرجو أن توجهونني إلى الطريقة الصحيحة لطلب العلم؟ وكيف تكون قراءة الكتب، والمنهج الصحيح الذي أنتهجه لطلب العلم، وبأي علم أبدأ؟
عليك أن تلتحق بالدراسات النظامية، فتبدأ تقرأ في المعاهد العلمية، ثم في الجامعات الإسلامية، هذه دراسات تفيدك كثيرا، وعليك بعد ذلك أن تتزود بدراستك عند المشائخ الذين لهم حلقات، ولهم دروس، وتسترشد أيضا بإرشاداتهم، وتعرف ما أهم العلوم التي تبدأ بها؛ يرشدك أحدهم أن تبدأ مثلا: بكتب الفقه، أو بكتب العقيدة، أو بكتب الآداب، أو بكتب النحو بحسب ما يعرفون من حاجتك إليه من العلوم.
س: يقول بعض الناس إذا سافر إلى أمريكا وبريطانيا يقول: لا أغطي وجه زوجتي حتى لا يضحك الناس علي هناك، حسب زعمه، فما رأيكم في هذا؟
لا يجوز ذلك، ولو ضحكوا فلا يضره ضحكهم، ولو تابعوها مثلا واستغربوا أمرها، ولو التقطوا لها صورا، كل ذلك لا ينبغي أن يصده عن إلزامها؛ فعليه أن يظهر شعار الإسلام في تلك البلاد التي المسلمون فيها غرباء، والمتمسكون فيها غرباء، ولا يضره ضحكهم، ولا استغرابهم لذلك.
س: يقول: أخرت طواف الإفاضة، وسوف أؤديه مع طواف الوداع إن شاء الله، فهل أنوي بطواف الإفاضة، أم طواف الوداع ؟
تنويهما جميعا؛ تنوي طواف الإفاضة، أنه يكفيك عن طواف الوداع، وتسافر بعده، وإذا كنت لم تسع سعي الحج فلا يضرك لو سعيت بعد الطواف.
س: يقول: رميت جمرة العقبة عكس الحوض أسفل الجسر، ووجدت كومة من الحصى ووضعتها فوقها، فهل الرمي صحيح أم لا؟
الوضع لا يسمى رميا؛ إذا كان الإنسان يأخذ الحصاة ويضعها بيده في الحوض ما يسمى رمي، لا بد أن الرمي وهو: القذف بها بقوة؛ يعني تحريك اليد والرمي به، سواء كان في الدور الأعلى، أو الدور الأرضي، فإذا رمى بالسبع كاملة أجزأه ذلك، وإن نقص فعليه أن يتلافى ذلك هذا اليوم، أو بعد هذا اليوم.
س: يقول: هل يجوز لي المبيت بمكة خارج منى ليلة الثالث عشر إذا وجدت مانع يمنعني من الطواف، والسعي، أو زحام يمنعني من الطواف والسعي؟
إذا تعجل وخرج من منى بعد غروب الشمس، ولم يتمكن من الوداع في ذلك اليوم فله أن يقيم بمكة ولو يوما أو يومين، ولا يلزمه أن يعود إلى منى ويرجع.. أو يرمي جمرات الثالث عشر؛ لأنه قد تعجل، التعجل هو خروجه من منى فإذا خرج من منى صدق عليه أنه قد تعجل سواء قد سافر في يومه، أو تأخر يوم أو‌‌ يومين، ولكن طواف الوداع يكون آخر أعماله.
س: يقول: إذا تأخرت بعد أداء طواف الوداع .. مثل عدم وجود سيارة أو مرض، فماذا يترتب علي؟
هذا السؤال الذي قبله نقول: لا حرج عليك، إذا تأخرت في مكة يوم أو يومين بعد أن خرجت من منى فلا حرج في ذلك.
س: يقول: قدمت للعمل بمنى ولم يكن لي نية سابقة للحج، ثم أديت الحج بنيتي بمنى فهل صح حجي أم لا؟
يصح إن شاء الله إذا كنت قدمت للعمل، ولم يكن في نيتك الحج؛ فلا يلزمك أن تحرم من الميقات، بل تحرم من مكانك الذي عزمك عليه؛ الذي عزمت ‌‌‌فيه على الحج، وإذا تمت مناسك الحج؛ إذا فحجك مأجور إن شاء الله؛ وتكون بذلك مفردا ولا دم عليك.
س: يقول: بجمرة العقبة هناك حجارة تبقى بالمكان المسدود في الطابق العلوي، فهل تجزئ هذه الحجارة إذا أخذها العمال؟
تجزي إذا ما رميتها مع هذا الفارق الذي كشبه الحوض في الأعلى، إذا رميتها سواء تدحرجت وسقطت في الحوض، أو بقيت في ذلك المكان؛ مجزئة لأنك حصل أن رميتها، وذكرت اسم الله.
س: يقول: أنا جاهل، ورميت جمرة العقبة باتجاه الجبل، فهل علي شيء، والله يحفظكم؟
أي نعم، لو كانت الحجارة وقعت في الأرض، لم تقع في الحوض، أن أطراف الحوض خاوية من الجهتين؛ فإنك تعيد؛ تعيده اليوم؛ سوف تبدأ برمي جمرة العقبة قبل رمي جمرات اليوم الحادي عشر.
أما إذا كانت قد وقعت في المرمى في الحوض، فإن ذلك مجزئ؛ لأن أطراف خرجت عن يمين الشاخص وعن وعن يساره.
س: يقول: وحججت على نفقة فاعلي خير، هل حجي صحيح أم لا؟
صحيح إن شاء الله، ويسقط عنك الواجب إذا كنت عاجزا. أما إذا كنت قادرا مستطيعا، والحج حج فرض؛ فنرى أنك تحج من مالك حتى يكون حجك أجزأك. أما إذا كان حجك تطوعا فلعل ذلك أن يكفيك ولو كنت واجدا ...
س: إذا لم تجد المرأة محرما لها، هل يجوز لها أن تحج أم لا؟
نرى أنها تنوب إذا لم تجد محرما، ومن العلماء من يقول: إنها تحج مع نسوة ثقات، وهذا إذا كانت الفتنة مأمونة، وليس هناك اختلاط، وتحج مع نسوة لا ترى الرجال ولا تختلط بهم، وتقوم بإكمال المناسك سيما في هذه الأزمنة التي خفت فيها أسباب الاختلاط؛ فنرى أن ذلك جائز، وأنه يكفي عن الإنابة.
س: تقول: إذا حجت وليس لها محرم، فهل عليها شيء؟
حجها مسقط للفرض كما ذكرنا، سيما إذا كانت لم تختلط بالرجال، ولم يكن هناك خطر أو نحوه.
س: يقول: لقد أديت صلاة الفجر لهذا اليوم في المسعى وقد كان المكان ضيقا، بحيث لم أستطع أن أسجد إلا بعد ما رفع الإمام، وبدأ بالركعة الثانية، وكذلك في السجود في الركعة الثانية، حيث لم أسجد إلا بعد ما رفع الإمام لقراءة التشهد، فهل صلاتي صحيحة؟
نرى والحال هذه إذا فاتك السجدتان؛ يعني ما سجدت سجدتين إلا بعدما قام الإمام؛ أن صلاتك غير صحيحة. كان الأولى لك أن تسجد ولو على ظهر الذي قدامك؛ بأن تسجد على ظهره هذا أولى من تركك سجدتين.
أما إذا كان يعني سجدة واحدة كلما رفع سجدت؛ فلعل ذلك يجزي.
س: يقول: شخص حج وعليه خمسة وعشرون ألف ريال دينا، ولم يستأذن صاحب الدين، فما حكم حجه؟ وهل عليه إثم؟ وما كفارة ذلك؟
حجه صحيح، ولا كفارة عليه، سيما إذا كان صاحب الدين يعرف أنه يسافر، ويقطع المسافات ولا يرده عن إسفاره؛ فإن كثيرا من الناس يسافرون مثلا إلى الأطراف المملكة ولا يستأذنون أصحاب الدين، ويعرفون أنهم لا يردونه، فالسفر إلى مكة مثلها كتلك الأسفار.
س: وهذه سائلة تقول: كيف يكون التقصير من شعر المرأة بعد تحللها من الإحرام إذا كان شعرها ليس على مستوى واحد؛ أي متدرج؟
هذه من البدع؛ يعني جعل المرأة رأسها أدراج؛ يعني مدرجات هذا من المحدثات الجديدة. كان النساء على عهد الجاهلية، وعهد الصحابة، إلى عهد قريب تجعل المرأة رأسها جدائل فتفتله قرونا، وتأخذ من كل ضفيرة قدر أنملة أي قدر رأس أصبع الأنملة العليا، .. ثم تأخذ منه.
فأما في هذه الأزمنة فابتلي النساء بهذا التقليد، وكونها تقص من شعرها وتجعل بعض أطرافه إلى مقدمة الناصية، وبعضه إلى وسط الهامة، وبعضه إلى مؤخر الرأس، وبعضه إلى نهاية الرأس ووسطه، وبعضه إلى نهاية الرقبة؛ فيكون مدرجا؛ ففي هذه الحال لا بد أنها تقص من أطراف كل درجة حتى تستحقق أنها قصت منه كله.
س: يقول: ما حكم رفع اليدين أثناء الطواف ؟
لا بأس إذا كان يدعو أن يرفع يديه إلى صدره، وأن يدعو، وكذلك في السعي، وكذلك بعد رمي الجمرات.