جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
149424 مشاهدة print word pdf
line-top
الحج والعمرة ينفيان الفقر

وكذلك أيضا من فوائد الحج أنه ينفي الفقر. الذي يقول مثلا: إنني إذا حججت خسرت ألفا، أو ألفين، أو ثلاثة. نقول: إن هذا في سبيل الله، وإن الله سيخلف عليك ما أنفقته، ولو كان كثيرا؛ فالحج والعمرة ينفيان الفقر، وكذلك ينفيان الذنوب. أي المعاصي. أي يمحو الله تعالى بهما المعاصي والسيئات؛ يمحو الله تعالى بهما الذنوب والفقر، كما ينفي الكير خبث الحديد والفضة؛ يعني كير الحداد الذي يدخل فيه الحديد، ثم يحمي عليه إلى أن يذوب الحديد، ثم يطفو ما كان حديدا، ويزيل ما كان خبثا وترابا.
وجاء أيضا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة العمرة إلى العمرة. إذا اعتمرت مثلا في كل سنة مرة، أو مرتين فإنهما يكفران ما بينهما من السيئات. والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وهذا فضل كبير، وخير عظيم؛ أن الإنسان يحظى بهذا الثواب، ولكن اشترط أن يكون الحج مبرورا.
الحج المبرور
ما هو الحج المبرور؟ روي أنه -صلى الله عليه وسلم- سئل عن بر الحج، فقال: إطعام الطعام، وصلة الأرحام، ورد أو إفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام يعني أن هذه آثار الحج المبرور. إذا رجع الحاج حجا مبرورا؛ وجدته يفشي السلام، ووجدته يطعم الطعام؛ يعني الصدقات، ووجدته يصل أقاربه وأرحامه، ووجدته يصلي بالليل والناس نيام، فكل هذه من الأعمال الصالحة التي يكون الحج بها مبرورا.
وكذلك أيضا من بر الحج أن يكون زاد الإنسان الحاج من الكسب الحلال، أن يتزود كسبا حلالا، ونفقة حلالا ليس فيها حرام، وليس فيها شبهة؛ ولذلك كان الصحابة -رضي الله عنهم- يتحرجون أن يكون في نفقتهم شيء من المشتبه، أو من المحرم؛ لأن الحرام يكون سببا في رد الدعاء، وقد يكون سببا في عدم قبول الحج. روي في حديث ذكره الشيخ ابن باز -رحمه الله- في رسالته “ التحقيق والإيضاح” يقول: إذا خرج الرجل حاجا بالنفقة الحلال، ثم وضع رجله في الغرز؛ يعني في الرحل، ثم نادى: لبيك اللهم لبيك. ناداه منادٍ: لبيك وسعديك؛ زادك حلال، ونفقتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بنفقة حرام، ووضع رجله في الغرز، ونادى: لبيك اللهم لبيك. ناداه منادي: لا لبيك، ولا سعديك؛ زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مبرور وذهب بعضهم. أي: بعض العلماء إلى أن الحج بالمال الحرام لا يسقط فريضة الحج، وأنشد ابن رجب في ذلك شعرا:
إذا حججـت بمـال أصلــه سـحت
فمـا حججـت ولكـن حجت العـير
لا يقبــل اللــه إلا كـل صالحـة
ما كل من حـج بيت اللـه مـبرور
فنقول: هذا من بر الحج. الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة .
كذلك أيضا من فضله الحديث المشهور قول النبي -صلى الله عليه وسلم- من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه يعني: كفرت عنه خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر. كفرها الله تعالى وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وهذا فضل كبير؛ يعني أن الحج يكفر الذنوب، ولكن بهذا الشرط: أن يكون حجه كاملا، وأن يتجنب الرفث، وأن يتجنب الفسوق، ويتجنب أيضا الجدال؛ فإن الله تعالى نهى عن ذلك، قال تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ أي فيتجنب الرفث.
الرفث: هو الكلام السيئ الذي يتعلق بالعورات، ويتعلق بالنساء، كل ما يتعلق بالنساء؛ يعني الجماع، ومقدمات الجماع، والتقبيل، والضم، وكذلك الكلام في العورات، والكلام في الوطء، وصفة النساء، وما أشبه ذلك. يتجنب هذا؛ فإنه من الرفث، وذلك لأنه مأمور بأن يصون لسانه.
كذلك أيضا يتجنب المعاصي. معاصي اللسان، ومعاصي العين، ومعاصي الأذن، ومعاصي القلب، ومعاصي اليدين، ومعاصي الرجلين، ومعاصي الفرج، ومعاصي البطن، ومعاصي المال. يتجنب المعاصي كلها؛ وذلك لأنه يعمل عملا صالحا، وإذا كان يعمل عملا صالحا فكيف مع ذلك يجمع الصالح والسيئ، يجمع الطاعة والمعصية، يجمع الإيمان والفسوق؟!
فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ هذه الآية تقرءونها وتسمعونها دائما، فاعرفوا ما هو الرفث؟ ما هو الفسوق؟ ما هو الجدال في الحج؟ تجنبوا ذلك كله كما أمركم الله: فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ .

line-bottom