إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
106841 مشاهدة
وصف عام لمجمل أعمال الحج والعمرة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نحن في موسم الحج الذي هذه أيامه ولياليه وهذا وقت أدائه؛ فلأجل ذلك يهتم المسلمون بتعلم المناسك التي يعملونها في هذه الأيام حتى يكون حجهم مقبولا ومبرورا.
فنقول: إن الحج ركن من أركان الإسلام فرضه الله -تعالى- كما في قوله: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ أي: يجب على الناس حج هذا البيت.
ثم بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الحج مرة واحدة في العمر، وما زاد فهو تطوع. ثبت عنه أنه قال لما فرض الحج: أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا. فقال رجل: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: الحج مرة فما زاد فهو تطوع ومع كونه تطوعا فإن فيه أجرا كبيرا، وثوابا عظيما. قال النبي -صلى الله عليه وسلم- العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة .
هكذا الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. ومعلوم أن الجنة هي أعلى المطالب، أعلى كل شيء يطلبه المسلم في دعائه أن يدخل الجنة، وأن يعاذ من النار.
كذلك ورد قوله -صلى الله عليه وسلم- من حج فلم يفسق ولم يرفث رجع كيوم ولدته أمه أي رجع مكفرة عنه سيئاته. وقال أيضا -صلى الله عليه وسلم-: تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والفضة .
فائدة عظيمة وهي أن من فوائد متابعة الحج والعمرة: مغفرة الذنوب؛ أنه ينفي الفقر يغني الله –تعالى- الذي يتابع الحج والعمرة؛ يغنيه من فضله. وينفي الذنوب يعني يمحوها.
ثم اشترط العلماء للحج المبرور شروطا، أهمها: أن يكون من نفقة حلال؛ أن ينفق في حجه من كسب حلال، ويبتعد عن المشتبه، ويبتعد عن الحرام؛ حتى يكون حجه مقبولا ومبرورا. روي في حديث: إذا خرج الرجل حاجا بنفقة حلال فوضع رجله في الغرز، وقال: لبيك اللهم لبيك؛ ناداه مناد: لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور. وإذا خرج بنفقة حرام فوضع رجله في الغرز، وقال: لبيك اللهم لبيك؛ ناداه مناد: لا لبيك ولا سعديك؛ زادك حرام، ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مبرور مأزور. يعني أنك عليك وزر؛ لأن زادك حرام.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يقبل الحج إذا كانت النفقة من كسب حرام. ويقول أحدهم:
إذا حججـت بمـال أصلـه سحتٌ
فمـا حججـت ولكـن حجت العير
لا يقبـل اللـه إلا كـل صالحـة
ما كـل من حـج بيت الله مـبرور
فالحج المبرور هو الذي يكون النفقة فيه من كسب حلال. من رحمة الله أنه ما أوجبه إلا على المستطيع: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فإذا لم يقدر -عجز عن دفع نفقة الحج- سقط عنه الحج، وأُجِرَ أجْر الحاج؛ لأنه معذور. ولقد كان سلف الأمة – وكانوا في سابق الزمان- إذا عجزوا عن الحج يتمنون أن يحصلوا على الحج، ولكن يعجزون؛ وذلك لبعد المسافة، وللمشقة التي تحصل لهم في الطريق.
فهناك من يكونون فقراء لا يقدرون على نفقة الحج التي هي الزاد والراحلة التي تكفي ذهابا وإيابا. وكذلك أيضا في كثير من الأحيان يكون عليهم خسارة؛ وهي ضريبة يأخذها بعض قطاع الطريق عليهم؛ يقفون لهم في الطريق ثم يضربون عليهم ضرائب. وقد يعجزون عنها فيتركون الحج؛ ومع ذلك فإن قلوبهم ترجف شوقا إلى الحج، وتمنيا له؛ حتى قال بعضهم:
أتـراكم فـي النقــا والمنحـنى
أهــل سـبـع تذكـرون ذكرنـا
إن قطعنـا ووصلتـم فـاعلـموا
واشكـروا المنعـم يا أهـل مـنى
مـا قطعتــم واديــا إلا وقـد
جئتـه أسـعى بـأقــدام المُنـى
سـار قلبـي خــلف أظعـانكم
غـير أن العـذر عــاق البـدن
الذين عجزوا وهم يتمنون، هؤلاء لهم أجرهم؛ يعطون أجرهم على قدر نيتهم. وأما الذين يقدرون؛ فإنهم لا يعذرون. إذا قدروا على الحج؛ ولم يحجوا وهم قادرون؛ فإن عليهم إثم كبير. روي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: لقد هممت أن أبعث إلى هذه البلاد، فأنظر إلى من قدر على الحج فلم يحج فأضع عليهم الجزية؛ ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين. يعني: شبههم باليهود والنصارى.
الذين يتركون الحج، وهم يقدرون يعتبرون كأنهم من أهل الجزية. وكذلك روي عن علي أنه قال: من قدر على الحج فلم يحج فليمت إن شاء يهوديا، وإن شاء نصرانيا.
وإذا وفق الله -تعالى- في هذه الأزمنة خفت المئونة وقلت الكلفة، وقربت المسافة، ودقت عقبات التعويق، وقطع دابر قطاع الطريق، وأمنت السبل؛ فما لأحد عذر في أن يتأخر عن الحج؛ ولو كل خمس سنوات مرة أو كل ست أو نحو ذلك. إذا كان ذلك متيسرا.
فالنفقة والحمد الله موجودة، والكسب الحلال موجود. وكذلك المسافة قريبة بدل ما كانت مثلا عشرة أيام أو نحوها؛ أصبحت بضع ساعات؛ أصبحت ثلاث أو أربع ساعات وإذا هو قد وصل. لا شك أن هذا من فضل الله تعالى. بدل ما كانوا يمشون على الأرجل، أو يركبون على ظهور الإبل تهزهم يتعرضون للشمس في وجوههم وفي ظهورهم. أصبحوا في مأمن؛ يركب أحدهم على شبه سرير أو كرسي مظلل. إذا كان في حر فعنده تكييف، أو في برد فعنده تدفئة. ولا يجد مشقة ولا تعبا؛ فليس له عذر في أن يتأخر.
أما العمرة فإنها فريضة؛ كما أن الحج فرض فكذلك العمرة. دليل ذلك قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فالعمرة قرينة الحج. وقال تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا فقرنهما. وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بوجوبهما على النساء؛ لما سئل هل على النساء جهاد؟ فقال: عليهن جهادٌ لا قتال فيه الحج والعمرة فجعلها عليهن، وجعل الحج والعمرة فرضا على النساء فكذا على الرجال.
وجاء رجل فسأل -أو امرأة- قال: إن أبي شيخ كبير لا يثبت على الراحلة -كان الحج على الرواحل يعني على الإبل- أفأحجّ عنه؟ قال: حج عن أبيك واعتمر وغير ذلك من الأدلة الدالة على أن العمرة فرضٌ كما أن الحج فرض. هذا هو الذي يؤيده الدليل.
العمرة تصح في كل السنة. تصح في شهر محرم أو صفر أو ربيع أو جمادى أو رجب أو شعبان أو رمضان، أو أشهر الحج. إذا أداها فقد سقط عنه الفرض. وقد ذكرنا فضلها. العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما أي أن العمرة تكفر ما بينها وبين العمرة السابقة من الخطايا والسيئات. وهذا فضل كبير وأجر عظيم. وتفضل العمرة في رمضان. ورد: أن العمرة في رمضان تعدل حجة أي في أجرها، وإن كانت لا تجزئ عن حجة الإسلام.
وصفة العمرة معروفة، وهو أن يحرم بها من الميقات. وإذا أحرم دخل مكة وطاف بالبيت سبعا وصلى ركعتين خلف المقام ثم سعى بين الصفا والمروة سبعا، ثم بعد ذلك حلق أو قصر وانتهت عمرته وتم أجره.
وأما الحج فإنه يختص بأيامه وبأشهره. قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فلا ينعقد الحج إلا في أشهره؛ شهر شوال وشهر ذي القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة. هذه هي التي يصح فيها الحج ويتم. فإذا فاتت فلا ينعقد الإحرام بالحج؛ وذلك لأنه لا يتم إلا بالوقوف بعرفة ؛ فإن الوقوف بها ركن من أركان الحج؛ فلا يتم إلا به. ومعلوم أن وقت الوقوف محدد، فإذا فات فات الحج؛ فلذلك لا بد أن يحرم به في أحد الأشهر.
إن أحرم في شوال مُفردًا؛ بقي على إحرامه شهر شوال وشهر ذي القعدة إلى العاشر من ذي الحجة، ووقف بعرفة التاسع وتحلل في اليوم العاشر الذي هو يوم العيد.
وكذلك إن أحرم بالحج في شهر ذي القعدة؛ يبقى على إحرامه إلى أن يقف بعرفة وهكذا لو أحرم بالحج في يوم عرفة ووقف فيها؛ فإن إحرامه يتم وإن حجه يتم؛ إذا أتى ببقية الأنساك. ثم الحج كما عرفنا محدد وقته، وله مواقيت زمانية ومواقيت مكانية. فالميقات الزماني هو شوال وذو القعدة وذو الحجة؛ عشر من ذي الحجة.
وأما الميقات المكاني فهي الأماكن التي يحرم منها الحجاج أو المعتمرون. وميقات أهل نجد وأهل الطائف وأهل هذه البلاد قرن المنازل ويسمى الآن السيل وإذا نزلوا من الطائف مع طريق الهدى فميقاتهم وادي محرم ؛ فإنه فرع قرن المنازل وبقية البلاد لها مواقيت معروفة.
الحج لا بد فيه من الإحرام. إذا جاء إلى الميقات فإنه يحرم. يسن أن يتنظف؛ وإن تنظف واغتسل في بيته فإن الميقات قريب. إذا اغتسل وتنظف في بيته وجاء إلى الميقات بعد ساعة أو ساعتين، لا يكون قد اتسخ. يكتفي بالإحرام. كذلك أيضا يسن أن يصلي ركعتين؛ إذا كان في غير وقت النهي، أو يحرم بعد فريضة إن كان هناك وقت فريضة. كما لو صلى ظهرا أحرم بعدها أو عصرا أو مغربا أو عشاء أو فجرا، وإلا فيتوضأ ويصلي ركعتين ويحرم بعدهما.
الإحرام هو النية؛ أن يعقد قلبه على أنه دخل في النسك. وإذا أحرم حرمت عليه محظورات الإحرام وهي تسعة:
الأول: لبس المخيط؛ الذي هو مخيط على قدر جزء من البدن، ولو مثلا شراب الرجلين أو اليدين، أو كذلك اللباس القصير كالهاف أو السراويل أو الفانيلة أو البالطو؛ يعني الألبسة التي تفصل على جزء من البدن لا يلبسها.
الثاني: ستر الرأس لا يلبسه، لا يستره بعمامة ولا بالقلنسوة؛ التي هي الطاقية. يعني لا يستر رأسه بشيء يلاصق. أما لو ركب في السيارة فاستظل بها فلا يضر، أو استظل بخيمه أو تحت شجرة أو حمل على رأسه صندوقا أو نحوه؛ فإنه يعتبر غير محظور.
الثالث: لا يقص من شعره. من شعر بدنه.
الرابع: لا يقلم أظفاره.
الخامس: لا يتطيب. فإذا فعل واحدا من هذه الخمسة متعمدا؛ فإن عليه فدية. إما أن يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين من مساكين الحرم أو يذبح شاة واحدة من الغنم.
السادس: قتل الصيد؛ الصيد البري المتوحش بخلاف صيد البحر، وبخلاف بهيمة الأنعام.
السابع: عقد النكاح؛ إذا عقد النكاح فإنه يبطل.
الثامن: المباشرة والتقبيل، ومن فعل فإن عليه فدية.
التاسع: الجماع؛ ومن جامع قبل التحلل الأول فسد نسكه، ولكن عليه أن يتمه ويقضيه من العام القابل، وعليه أيضا بدنة.
وأما إذا كان بعد التحلل الأول؛ فإنه يكون قد تم حجه، لكن عليه بدنة تذبح لمساكين الحرم .
إذا دخل في الإحرام رفع صوته بالتلبية. التلبية هي شعار الحاج والمعتمر؛ يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك. وإن زاد بقوله: لبيك وسعديك، والخير بيديك والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، نحن عبادك الوافدون إليك، الراغبون فيما لديك. أو قال: لبيك حقا حقا، تعبدا ورقا؛ أو غير ذلك مما روي عن الصحابة فإنه جائز.
فإن الصحابة يلبون بمثل هذه التلبية، ولا ينكر عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم-. كذلك أيضا هذه التلبية سنة مؤكدة؛ قد جعلها بعضهم ركنا من أركان الحج أو العمرة؛ وذلك دليل على أهميتها. وهذه التلبية تلبية نداء الله تعالى. قال تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ذكروا أن إبراهيم وقف على جبل أبي قبيس ثم قال: أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج فحجوا. فالحجاج والمعتمرون إذا جاءوا يقولون: لبيك لبيك؛ أي: إجابة لذلك النداء.
إذا دعاك أبوك أو أخوك؛ فإنك تقول: لبيك أي: أجبت دعوتك. فكذلك أيضا الحجاج والمعتمرون مجيبون لدعوة الله. ولا شك أن لها معنى مفيدا؛ فإن معنى لبيك أي إجابة بعد إجابة. أنا مجيب لك يا ربِّ، وأنا مقيم على طاعتك. واشتقاقها من لب بالمكان إذا لصق به؛ فمعناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، لا أتحول عنها. يكثر الحاج والمعتمر من هذه التلبية. يقطعها المعتمر إذا رأى البيت وبدأ في الطواف؛ لأنه يسن إذا رأى البيت أن يقول: اللهم إن البيت بيتك، و الحرم حرمك، والأمن أمنك، والعبد عبدك. وأنا عبدك وابن عبدك؛ جئتك من بلاد بعيدة بذنوب كثيرة إلى آخر ما ورد.
وكذلك إذا قال: اللهم إن بيتك عظيم، ووجهك كريم، وأنت يا ربِّ عزيز كريم، تحب العفو فاعف عنا أو ما أشبه ذلك؛ فإن هذا أيضا من الدعاء المأثور.
إذا بدأ في الطواف فإنه إذا كان طوافه للقدوم أو طوافه للعمرة يضطبع؛ أي: يظهر كتفه الأيمن ويستر كتفه الأيسر. يجعل الرداء الذي على ظهره يجعله تحت إبطه الأيمن وسطه. هذا الاضطباع سنة. وكذلك يسرع، يرمل أي: يسرع المشي ثلاثة أشواط في سعيه. الثلاثة الأولى يسعاها يسعى ثلاثة أشِواط؛ سعيا ليس شديدا؛ ولكنه يسرع مع مقاربة الخطى؛ إن تيسر له ذلك.
أما إذا كان هناك زحام فلا حرج عليه لو مشى، أو كان لا يستطيع ذلك فلا حرج عليه.
الطواف بالبيت عبادة لله تعالى ليس عبادة للبيت؛ عبادة لرب البيت امتثالا لقول الله –تعالى- فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ يبدأ الطائف من الحجر الأسود فيحاذي الحجر بكله. إن قدر على أن يقبله بأن يضع شفتيه عليه؛ فإن لم يقدر مسه بيده وقبلها، فإن لم يقدر لمسه بعصا أو بمحجن وقبله، فإن لم يقدر فلا يزاحم؛ بل يكتفي بالإشارة. كلما حاذى الحجر الأسود أشار إليه، ثم قال: الله أكبر، ثم مشى.
يكثر في طوافه من الدعاء؛ دعاء الله –تعالى- بما تيسر. إن حفظ شيئًا من الأدعية القرآنية، أو من أدعية السنة، أو من الأدعية المفيدة أكثر. فإن لم يحفظ شيئا اجتهد في الذكر؛ ولو أن يكرر لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، أو سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، أو الحمد الله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه؛ كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، أو ما أشبه ذلك من الأذكار. أو يقرأ ما تيسر من القرآن؛ ولو سورة الفاتحة والمعوذتين وسورة الإخلاص وما يحفظ.
هذا الدعاء أو الذكر أو القراءة يعمر بها طوافه، ولا يتكلم إلا بخير إذا احتاج إلى كلام؛ بل يشغل وقته بالذكر والدعاء. وليس شرطا أن يدعو بدعاء معين؛ بل أية دعاء يتيسر فإنه يكفي.
كذلك أيضا عليه في هذا الطواف أن يكون خاشعا متذللا. الطواف سبعة أشواط كما هو معروف. يطوف من وراء الحِجْر ؛ أي حِجْر إسماعيل الذي هو نصف الدائرة من شمال الكعبة فيطوف من ورائه، ولا يطوف من دونه. إذا حاذى الركن اليماني ؛ الذي هو الركن الغربي الجنوبي. إن استطاع أن يستلمه؛ يضع يده اليمنى عليه فإنه سنة، ولا يقبله ولا يمسحه، ولا يقبل يده إذا لمسه، ولا يشير ولا يكبر إذا حاذاه؛ وإنما يستلمه باليمنى. فإن زُحم فلا يزاحم.
هناك من يتمسحون بكسوة البيت ؛ وهذا لا يجوز. أو يتمسحون بجدران الكعبة أو يتمسحون بجدار الحجر أو يتمسحون بباب الكعبة هؤلاء مبتدعة. كذلك أيضا هناك من يتمسحون بالزجاج الذي على مقام إبراهيم وهذا أيضا لا أصل له.
إذا انتهى من الطواف فإنه يصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر؛ ولو بعيدا؛ أي في جهة الشرق؛ شرق الكعبة إن تيسر له. وإن صلاهما ولو في المصابيح أجزأ ذلك. يصليهما كلما انتهى من سبعة أشواط .
بعد الطواف السعي. إن كان معتمرا سعى للعمرة. وإن كان حاجا وطوافه طواف قدوم فإنه يسعى بعده، وإن لم يتيسر له السعي أخره حتى يسعى بعد طواف الإفاضة.
إذا سعى بعد طواف القدوم سقط عنه السعي؛ الذي هو ركن. السعي هو ما بين الصفا والمروة يبدأ من بعد الصفا ؛ لأن الله بدأ به في قوله: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ وإذا بدأ به رقى على الصفا ؛ حتى يرى البيت ورفع يديه وكبر الله وهلله. ودعا بما تيسر كأن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شرك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، ولا شيء قبله ولا بعده. يكرر ذلك ثلاثا، ويقرأ في أول مرة آية: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ يقرأها حتى يكملها، ثم يقول: نبدأ بما بدأ الله به، ثم ينزل متوجها إلى المروة .
وإذا كان بين العلمين الأخضرين ؛ فإنه يسعى سعيا شديدا في حق الرجال دون النساء. فإذا تجاوز العلم الثاني مشى؛ حتى يصل إلى المروة ؛ فيرقى عليها ويستقبل البيت ويهلل ويكبر التهليل والتكبير الذي ذكرنا في صعوده على الصفا .
بعد ذلك يكون قد تم عمرته إن كان معتمرا، ويبقى عليه الحلق أو التقصير. وإن كان حاجا مفردًا أو قارنا فإنه يبقى على إحرامه إلى اليوم الثامن. إذا كان معتمرا أحرم بالحج في اليوم الثامن، وإذا كان قارنا أو مفردا بقي على إحرامه. وفي اليوم الثامن يكون الحجاج في منى ؛ إذا تيسر لهم ذلك. يبقون فيها ذلك النهار. يصلون فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. في هذه المدة يقصرون الصلاة؛ وذلك لأنهم مسافرون. يصلون كل وقت في وقته. يكثرون من التلبية ومن الذكر ومن الدعاء ومن القراءة.
بعدما تطلع الشمس في اليوم التاسع يتوجهون إلى عرفة عرفة كلها موقف إلا الوادي الذي هو بطن عرنة وما سوى ذلك فإنه موقف، وهي واسعة. عرفة واسعة جدا؛ تتسع للحجاج، ولو كانوا عشرة ملايين؛ لأنها ممتدة من الشمال وممتدة من الجنوب، وممتدة من الشرق ومن الغرب. والحدود التي حددت الآن أنها حدود عرفة ؛ هذه فيها شيء من الضيق. وإلا فإنها ممتدة من الجنوب وممتدة من الغرب؛ يعني وراء ذلك الوادي. الوادي المنخفض لا يوقف فيه، ولكن الذي بعده يكون موقفا. وكذلك الذي شرقيه والمسجد الذي هو مسجد نمرة .
نمرة أيضا من عرفة ؛ والدليل؛ يقول في حديث جابر أنه -صلى الله عليه وسلم- ركب القصواء لما أصبح وطلعت الشمس، وتوجه من منى حتى أتى عرفة فوجد القبة قد بنيت بنمرة دل على أن نمرة جزء من عرفة ولكن وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- عند الصخرات الكبار ؛ عند جبل الرحمة وقف الحجاج هناك على رواحلهم، ولكنه قال: وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف .
يوم عرفة هو أفضل الأيام. قيل: إنه يوم الحج الأكبر في قوله تعالى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وقيل: إنه يوم النحر. أو كل أيام الحج هي يوم الحج الأكبر. هذا اليوم؛ يوم عرفة فيه فضل كبير؛ يسن صيامه لغير الحجاج. ورد في الحديث أن: صيام يوم عرفة يكفر السنة التي قبله والتي بعده .
وأما الحجاج فإنهم يفطرون؛ حتى يتقووا على الدعاء، وعلى الأعمال الصالحة؛ وذلك لأنهم يقفون على رواحلهم، أو على أرجلهم بعد الظهر إلى الغروب. وهم مشتغلون بالدعاء وبالذكر، وخاشعون وخاضعون ومتواضعون؛ فيكون ذلك أدعى إلى أن يقبل الله تعالى أعمالهم.
يجوز صيامه لمن لم يجد الهدي. إذا كان الإنسان متمتعا أو قارنا ولم يجد الهدي صام اليوم السابع والثامن والتاسع. فإن لم يتيسر وهو صام الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر. وإن تيسر أنه يصوم السادس والسابع والثامن؛ حتى يكون يوم التاسع مفطرا فهو أولى.
الناس في عرفة يقفون خاشعين خاضعين متواضعين، يستقبلون القبلة. يؤدون الصلاة صلاة الظهر والعصر في وقت الظهر؛ يجمعون بينها جمع تقديم. ويقصرون لأنهم مسافرون. فإذا صلوهما اشتغلوا بعد ذلك بالدعاء. كل يدعو لنفسه إما الذكر وإما الدعاء. ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: -عشية عرفة - لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير .
لو اشتغل بهذا الذكر ولو مائة مرة أو مائتين؛ فإن ذلك من الدعاء. يشتغل بالذكر بالتهليل بالتكبير؛ يقول: الله أكبر كبيرا والحمد الله كثير وسبحان الله بكرة وأصيلا، وتعالى الله جبارا قديرا، وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أو يقول: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. أو يقول: سبحان ربنا الأعلى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى يسبح الله تعالى، ويذكره بأسمائه، ويحمده؛ الحمد الله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. يأتي بما تيسر من الأذكار ومن الأدعية.
كذلك أيضا يكثر من الأدعية، وبالأخص أدعية القرآن؛ مثل قوله: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ - أو مُسْلمِين لك - وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ أو يقول: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً إلى آخره. رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا إلى آخر الآية. رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا أدعية القرآن كثيرة، وكذلك أدعية السنة.
يحرص على أن يشتغل بالأدعية المأثورة، أو ما تيسر من الأدعية؛ حتى يرحمه ربه. يظهر الحجاج في هذا اليوم التواضع، يظهرون الخشوع والخضوع، يظهرون الرغبة والرهبة، يظهرون التواضع لربهم؛ خاضعين خاشعين. فإن الله –تعالى- يباهي بهم ملائكته، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين، من كل فج عميق، يرجون رحمتي ويخافون عذابي، أشهدكم أني قد غفرت لهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم. انصرفوا مغفورا لكم ؛ لذلك الحجاج في ذلك اليوم يظهرون الذل والخضوع لله تعالى؛ رجاء أن يرحمهم. فإن ربنا -ورد في الحديث أن الله- يقول: وجبت رحمتي، أو إن رحمتي سبقت غضبي ويقول: أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي. المنكسرة قلوبهم يعني: الخاشعون الخاضعون.
يستمرون هكذا حتى تغرب الشمس. فإذا غربت توجهوا إلى مزدلفة ويسيرون في سكينة وهدوء، ولا يزاحمون ولا يضرون غيرهم، ولا يضايقون أحدا. كل يسير في طريقه. إن وقف الطريق وقفوا، وإن سار ساروا. يحرصون على أن يكونوا في الطرق الخفيفة التي لا يكون فيها زحام شديد؛ حتى يصلوا إلى المشاعر. المشعر الحرام هو مزدلفة قال الله تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ المشعر الحرام هو مزدلفة .
إذا وصلوا إليها فإنهم يؤدون الصلاتين؛ صلاة المغرب والعشاء جمعا؛ سواء وصلوها مبكرين أو متأخرين. مِن الناس مَن يصلها بعد الغروب بخمس دقائق أو عشر دقائق؛ يصلى ساعة ما يصل. ومنهم من لا يصل إلا في الساعة الثانية عشر، وربما في الساعة الواحدة ليلا؛ يصلُّون ساعة ما يصلِون.
أما إذا خافوا أنهم لا يصلون إلا بعد أن يطلع الفجر؛ فإنهم يصلون في الطريق. إذا عرفوا شدة الزحام، وقلة السير فإنهم يصلون في الطريق. ينزلون أو يتركون في السيارة قائدا يقودها؛ فيصلون رجالا ونساء في الطريق صلاة المغرب والعشاء؛ المغرب تامة والعشاء مقصورة ركعتين. ثم يواصلون سيرهم.
مزدلفة المبيت بها واجب من واجبات الحج. من تركه فعليه دم. يصبح بها ويصلى فيها الفجر. وإذا صلى الفجر اشتغل بالدعاء إلى أن يُسفر، ويسير قبل أن تطلع الشمس؛ متوجها إلى منى .
كثير من الناس يتعجلون في أول الليل أو في نصف الليل، إذا كان معهم امرأة أو نساء يتعجلون، ويقولون: نريد أن نرمى قبل الزحام. ولكن يجدون الناس كلهم قد تعجلوا، ويجدون الزحام شديدا فلا يفيدهم ذلك التعجل. يرجعون وهم ما رموا.
فنقول: إن الأولى بكم ألا تتعجلوا أن تمكثوا حتى تصبحوا. والرمي وقته واسع. إذا أصبحوا توجهوا قبل أن تطلع الشمس، وساروا إلى منى إذا وصلوا إلى منى فالأولى أنهم يبدءون بالرمي. رمى الجمرة الكبرى؛ التي هي جمرة العقبة. يرمونها بسبع حصيات متعاقبات. الجمرات تؤخذ من كل مكان. لهم أن يأخذوها من مزدلفة أو من منى أو من مكة من أية مكان لهم أن يأخذوها؛ وذلك لأنه ليس شرطا أخذها من مكان معين.
الجمرات تكون صغيرة مثل نواة التمر المتوسطة، أو أكبر من فوق الحمص. يعني قريب من حب الفول أو نحوه. هذه هي الجمرات التي يرمى بها. فلا ترمى الجمرة بحصى كبير؛ يعنى كبعر الإبل أو أكبر، ولا بحصى صغير يعنى: كحب البر ونحوه؛ بل أكبر من ذلك وأصغر. يعنى: نحو أو أصغر من بعر الغنم أو قريبا منه. ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- لما ركب ناقته وهو في مزدلفة قال لابن عباس ناولني سبع حصيات. فالتقط له حصيات مثل حصى الخذف -الخذف: الحصى الذي يرمى به بين الإصبعين- فأخذهن وجعل ينفضهن، ويقول: بمثل هذا فارموا يا عباد الله. وإياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ؛ يعنى لا تزيدوا وترموا بحصى كبار.
الذين يرمون بحصى كبار يعتبرون قد غلوا، وقعوا فيما حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم-. ومثله الذين يرمون بالأحذية؛ هؤلاء أيضا قد أخطأوا. الرمي شرع لذكر الله تعالى. روى عن عائشة قالت: إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمى الجمار؛ لإقامة ذكر الله تعالى؛ ولأجل ذلك كلما رمى جمرة يكبر معها يقول: الله أكبر الله أكبر إلى آخره.
يعتقد بعض العامة أنهم يرمون الشيطان. وهذا خطأ، إنما يرمون لذكر الله تعالى. ذكر أن إبراهيم -عليه السلام- اعترض له الشيطان في مكان الجمرة الأولى فرجمه، ثم اعترض لإسماعيل عند الجمرة الوسطى فرجمه، ثم اعترض لأم إسماعيل عند الجمرة الصغرى فرجمته. إذا كان كذلك؛ فإن رجمنا لهذه الحجارة؛ لذكر الله تعالى، ولتذكر عداوة الشيطان. هذا هو الذكر الوارد، أنه لذكر الله تعالى.
يوم العيد لا يرمى فيه إلا جمرة واحدة، وهى الجمرة الكبرى. من رماها في آخر الليل أجزأته. ولكن السنة ألا يرميها الرجال القادرون إلا بعد طلوع الشمس. فإذا طلعت الشمس ابتدأ وقت الرمي. يمتد الرمي في يوم العيد إلى غروب الشمس، يمتد الضحى كله إلى غروب الشمس. ويمكن إذا لم يستطع أن يرمى إلا في الليل أنه يجزئه الرمي في الليل. بعدما يرمى إن كان معه هدي ذبحه إن تيسر له، ثم حلق رأسه وتحلل التحلل الأول. ثم إذا تيسر له بعد ذلك أن يفيض؛ يذهب إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة فهو أفضل. وإن لم يتيسر لشدة الزحام أو للانشغال؛ فله أن يؤخره إلى الليل، أو إلى اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر.
وقت الإفاضة واسع، ولو أخره إلى عند سفره، وطافه عند سفره ثم سافر كفاه عن طواف الوداع. يجمع النية أنه طواف إفاضة وطواف وداع. بقية الأيام: اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر يبقوها بمنى يبقون في منى ولا يذهبون عنها؛ لأنها أيام منى وأيام حج يتعبدون فيها بالذكر وبرمي الجمار. قال الله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى ثلاثة أيام بعد العيد. فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ ؛ رمى الجمار الثلاثة في اليوم الحادي عشر بعد الزوال. يرتبهن؛ يبدأ بالصغرى فيرميها بسبع حصيات، ثم الوسطى بسبع حصيات متعاقبات، ثم جمرة العقبة بسبع حصيات. يحرص على أن يتأكد أن الحصيات وقعن في المرمى الذي هو الحوض .
كذلك أيضا يحرص على الدعاء. بعد الانتهاء من رمي الجمرة الأولى يستقبل القبلة ويدعو، يرفع يديه ويدعو ويطيل الدعاء. وكذا بعد الجمرة الوسطى يدعو. هذا الدعاء من السنة. وهكذا أيضا في اليوم الثاني عشر. إذا كان يريد التعجل رمى بعد الزوال وخرج. وإن شق عليه، أو كان عنده موعد يخشى فواته؛ ورمى في الساعة الحادية عشر أو نحوها وخرج؛ فإنه لعله يجزئه ذلك إن شاء الله.
إذا كان يريد أن يتعجل خرج قبل الغروب في اليوم الثاني عشر. إن غربت عليه الشمس وهو في منى فلا يخرج بل يبيت ويرمي في اليوم الثالث عشر؛ كما رمى في اليوم الثاني عشر الجمرات الثلاث. إن لم يتعجل أمسى في منى ورمى في اليوم الثالث عشر. وإذا هو قد أنهى أعمال الحج، وبقي عليه الطواف للوداع. فيطوف سبعة أشواط ويودع بذلك البيت ويرجع إلى بلده. ويكون بذلك قد أنهى مناسكه.
هذه صفة الحج من حيث الإجمال. وأما التفاصيل، وكذلك الجزاء ونحو ذلك فهو معروف مشهور. ننتهي بهذا. نسأل الله أن يرزقنا حجا مبرورا، وعملا صالحا مقبولا، وسعيا مشكورا. وأن يوفقنا للأعمال الصالحة التي يحبها الله تعالى ويرضاها، وأن يمكن لنا ديننا الذي ارتضاه لنا، وأن يصلح أئمتنا وولاة أمورنا. إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على محمد .
ونستمع للأسئلة.
أسئـلة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فقد وردت أسئلة كثيرة ونختار منها ما يتعلق بموضوع المحاضرة، وما يتعلق بمسائل الأضحية وأحكام الحج إلى آخره. ونستأذن فضيلته في طرح هذه الأسئلة.
س: السؤال الأول يقول: فضيلة الشيخ؛ من حج ولو أبقي عند أهله فهل يأخذ من شعره شيئا عند إحرامه؟
عند الإحرام لا يأخذ عند الميقات؛ لأن هذا ليس بضروري. إنما يأخذون في الوقت الذي يطول فيه زمن الإحرام. كانوا يحرمون عشرين يوما أو خمسة عشر يوما؛ فيخشى إذا ترك شاربه أن يطول ويتأذى فيأخذه عند الإحرام. وأما في هذه الأزمنة فالمدة قصيرة؛ الإحرام ثلاثة أيام أو نحوها، ولا يمكن أنه يطول شعر شاربه أو نحو ذلك؛ فعلى هذا لا يأخذ إذا كان يريد أن يضحي، لكن إذا كان متمتعا وانتهى من عمرته؛ فإنه يأخذ من شعره يقصر من شعره؛ لأن هذا نسك.
س: وهذا يقول: ما الفرق بين التمتع والقران ؟ وهل القران من الإفراد؟
العمل واحد إلا أن النية مختلفة؛ فالمفرد يقول: لبيك حجا، والقارن يقول: لبيك عمرة وحجا. وأما الأعمال فإنها واحدة؛ بمعنى أن كلا منهما يبقى على إحرامه إلى أن يرمي الجمرة ويقصر أو يحلق؛ إلا أن القارن له أجر حج وعمرة متداخلين، ومع ذلك عليه دم؛ دم تمتع؛ لأنه حصل له نسكان: حج وعمرة، ولكن دخل أحدهما في الآخر.
في الحديث: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ؛ يعني دخلت أعمالها في أعمال الحج. كذلك أيضا معلوم أن التمتع الذي هو فصل العمرة عن الحج جعل العمرة بإحرام، والحج بإحرام؛ أن هذا هو الأفضل. وكذلك السفر للعمرة سفرا مستقلا، والسفر للحج سفرا مستقلا؛ لأنه أكثر تعبا وأكثر نفقة.
س: هل الذي يحج لأول مرة يلزمه أن يكون قارنا متمتعا؟ أم يجوز له الإفراد؟
يجوز له الإفراد. ولكن تبقى العمرة. إن كان قد اعتمر في رمضان أو في غيره؛ سقطت عنه العمرة. وإن لم يكن قد اعتمر، وحج مفردا؛ سقط عنه الحج وبقيت العمرة في ذمته يؤديها متى تيسرت.
س: هل يجوز حج من عليه دين سواء كان الدين مستوجب للسداد بأقساط شهرية؟ وهل يجب ..الاستئذان من صاحب الدين؟
يجوز ذلك إذا كان أهل الدين لا يشددون في الطلب. إذا كانوا لا يمنعونه من الأسفار. لو أردت أن تسافر إلى الرياض لا يمنعونك، أو تسافر مثلا إلى رنية أو إلى بيشة ما يمنعونك، أو تسافر إلى الطائف ما تستأذنهم ولا يمنعونك، أو تسافر إلى جدة وهي وراء مكة ما يمنعونك. فإذا كانوا لا يمنعونك من هذه الأسفار فإنهم -إن شاء الله- لا يمنعونك من مكة ؛ لأن القصد أن السفر يستغرق دراهم ونفقة.
فإن كانوا يمنعونك إذا سافرت إلى رنية أو إلى أتربه ؛ فيقولون: لا تسافر، أعطنا أجرتك. خسارتك التي تخسرها في ذهابك إلى مثلا إلى الرني، أو إلى رنية أو إلى بيشة أعطيناها. فإذا كانوا يمنعونك؛ فإنهم سوف يمنعونك من السفر إلى مكة فأما إذا كنت لا تستأذنهم، وتعرف أنهم لا يمنعونك فثق أنهم لا يمنعونك من الحج. نفقة الحج قد تكون مثل نفقة، أو أقل من نفقة السفر إلى الرياض أو نحوه.
س: وهذا يقول: إن لم يستطع الحاج الرجم يوم النحر في الصباح وفي غيره من الأيام. فهل يجوز التأخير إلى الليل؟
يجوز ذلك؛ رخص المشايخ أنه يجوز الرمي في الليل؛ وذلك لأنه قد يكون هناك مشقه، ولأن الحكمة فيه هي ذكر الله تعالى. وهو حاصل إذا رمى ليلا أو رمى نهارا.
س: من نوى طواف الإفاضة والوداع في طواف واحد وكان عليه سعي الحج فمتى يسعى وكيف يسعى؟ قبل الطواف أم بعده؟
يسعى بعده، ولا يضره إذا سعى بعدما طاف طواف الإفاضة؛ الذي اكتفى به عن طواف الوداع. فهذا السعي لا يسمى عملا كثيرا. إذا سعى خرج وسافر وأجزأه طوافه، ولو كان قبل السعي.
س: وهذا يقول: هل يكثر التكبير في أدبار الصلوات، في عموم التكبير المطلق في التسع الأول من شهر ذي الحجة؟
التكبير المقيد يكون في أيام التشريق. يبدأ في حق المقيمين من صبح يوم عرفة إذا صلوا الفجر كبروا يوم عرفة ويوم العيد وثلاثة أيام التشريق. بالنسبة للحجاج يكبرون؛ يبدأ التكبير من ظهر يوم النحر؛ لأنهم قبل ذلك مشغولون بالتلبية. ولكن في أيام التسع لو أراد أن يكبر فيكبر، بعدما يأتي بالأذكار. بعدما يقول: سبحان الله والحمد الله والله أكبر ثلاثا وثلاثين، بعدما يقول: اللهم أنت السلام إلى آخره. إذا رفع صوته بالتكبير فإن ذلك من السنة.
س: وهذا يقول: لدي مال وأرغب في الحج؛ ولكن لدي ضعف في القلب فهل يلزمني الحج، أم تجوز لي النيابة؟
إذا كان هذا المرض يمنعك من الحج؛ يمنعك من السفر، ويشق عليك عمل أعمال الحج؛ فلك أن تنيب. وأما إذا كنت تقدر يعني: تقدر أنك تقدر على الطواف وعلى السعي وعلى أعمال الحج؛ فلا يجوز لك أن توكل.
س: وهذا يقول: أنا من أهل مكة ساكن داخل الحرم وقبل أيام خرجت إلى هذا البلد، ونويت بها الحج فهل أحرم من الميقات أم من مكة ؟
إذا كنت سوف تسافر من هذا البلد لأجل الحج؛ فعد نفسك من هذا البلد. أحرِم من الميقات. أما إذا كان سفرك إلى أهلك لا إلى الحج؛ فإنك إذا نويت الحج من بيتك فعليك أن تحرم من بيتك.
س: وهذا السائل يقول: لقد أحرمت بنسك التمتع وقبل وصولي إلى الحرم حولته إلى الإفراد، فما حكم ذلك؟
نرى في هذه الحال أنه لا يتحول. إذا أحرمت بالحج والعمرة قارنا، أو أحرمت بالعمرة متمتعا؛ فإنك تبقى على تمتعك. ولا تقلبه إفرادا.
س: وهذا يقول: إذا كان هناك شخص يريد التمتع، وطاف ليلة التاسع ليلة عرفة وشرع للعمرة بعد صلاة الفجر من يوم عرفة ثم دخل إلى عرفة فهل فعله صحيح؟
صحيح ولكن في الحقيقة أنه ما تمتع؛ لأن التمتع هو الانتفاع. الأولى أن المتمتع هو الذي يأتي مبكرا. يأتي في اليوم السادس، أو في أول السابع؛ لأنه يمكنه أن يطوف ويسعى ويقصر ويلبس ويبقى بثيابه يوما أو يومين. وأما مثل هذا الذي جاء في آخر اليوم الثامن، أو في ليلة التاسع، أو في صبح التاسع؛ ما بقي معه وقت للتمتع؛ الأولى في هذا أنه يفرد.

س: وهذا يقول: هل يجب المبيت بمنى الليل كله؟ أم يجزئ النصف من ذلك؟
الأصل أنه يقيم في منى نهاره كله وليله كله. ولا يخرج من منى إلا لحاجة. فإذا لم يجد مكانا في منى نصب خيمته، ولو في مزدلفة ينظر أقرب مكان؛ يجد فيه مكانا لخيمته وله عذر في ذلك.
وأما الذين يستأجرون في مكة ويأتون إلى منى ثلاث ساعات أو خمس ساعات؛ فنرى أنهم أخطأوا. وإن كانوا؛ إذا باتوا أكثر الليل يسقط عنهم إثم المبيت، ولكنهم تركوا الأفضل الذي هو البقاء في منى ليلا ونهارا.
س: وهذا يقول: ما هو أفضل الأنساك الثلاثة ؟
ذكرنا أن من جاء مبكرا في أول العشر، أو في اليوم الثالث أو الرابع أو الخامس أو السادس؛ فالأفضل التمتع. وأما من جاء متأخرا في اليوم الثامن، أو ما بعده؛ فالأفضل الإفراد. وأما من لم يكن يريد العمرة أو يشق عليه أن يعتمر عمرة مستقلة؛ فإنه يجوز أن يقرن فيحرم بالحج والعمرة جميعا. فالأفضل التمتع لمن جاء مبكرا، والإفراد لمن جاء متأخرا.
س: وهذه امرأة تقول: إنها طافت ومعها طفلتها وحصلت من هذه الطفلة نجاسة، فما هو حكم طوافها؟
نرى أنه لا يجوز. إذا أحست بهذه النجاسة ذهبت إلى المغاسل، وطهرت بنتها، ثم رجعت وكملت الطواف. وأما إذا لم تحس، إذا تنجست الطفلة ولم تعلم الأم، بأن كانت متحفظة، وما علمت إلا بعد الانتهاء من الطواف أجزأها طوافها.
س: وهذا يقول: ماذا يقول من أراد أن يرمي عند كل حصاة؟
يكبر مع كل حصاة. كلما حرك يده قال: الله أكبر الله أكبر.
س: وهذا يقول: هل هناك دعاء ما يقال بين الحجر الأسود والركن اليماني ؟
هذا المكان الحجر الأسود والركن اليماني بين الركنين؛ روي فيه حديث أنه يقول: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ومع ذلك إن هذا الدعاء يقال في جميع الطواف. وكذلك أيضا يأتي بغيره من الأدعية: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ يأتي بما تيسر.
س: وهذا السائل يقول: إنه اعتمر في شهر ذي القعدة ولم يكن قد عزم على الحج، وأراد الحج الآن فهل يصح أن يكون متمتعا؟
عمله أفضل من عمل المتمتع؛ وذلك لأنه اعتمر في سفر وحج في سفر؛ فيكون عمله أكثر أجرا من أجر المتمتع الذي جمع بين الاثنين في سفر. فيحج ويسقط عنه الدم؛ لأنه لم ينتفع بسقوط أحد السفرين. نعم.
س: وهذا يقول: ما الحكم إذا ما علم الحاج أو المعتمر تجاوز الميقات بدون لبس ثياب الإحرام وقد عقد النية على الحج أو العمرة؟
إذا أحرم بثيابه؛ فإن عليه فديتين: فدية عن اللباس، وفدية عن تغطية الرأس. فإن كان مكشوف الرأس فليس عليه إلا فدية واحدة؛ فدية اللباس. هذه الفدية صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين ثلاثة آصع من البر أو من الرز أو ذبح بشاة. نعم.
س: وهذا يقول: هل الاضطباع في جميع الأشواط السبعة عند الطواف أم في الثلاثة الأول؟
الاضطباع في السبعة الأشواط؛ يعني في الطواف الأول؛ طواف القدوم أو طواف العمرة.
س: وهذا يسأل عن حكم ..الأضحية والهدي والفدية التي تباع من قبل المجلس الراجحي أو المركز الإسلامي للتنمية، هل تجزئ؟
تجزئ إذا دفعت لهم ثمن الفدية، أو ثمن الهدي؛ فوكلتهم أن يذبحوها؛ فلا بأس.
س: وهذا يقول: هل هناك صلاة للإحرام؟
ليست لازمة، وليست من ذوات الأسباب. لكن إن كنت في غير وقت نهي، وصليت ركعتين فهو أفضل. وإن لبيت بعد الفريضة فهو أفضل.
س: وهذا سائل يقول: أنا وأخي نسكن في بيت واحد وهو شريكي لما هو في البيت من طعام وشراب، فهل تكفي عنا أضحية واحدة؟
تكفي واحدة عن الرجل وأهل بيته؛ إذا كان مأكلهم سواء.