الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
118304 مشاهدة
أهمية المتابعة والعمل بالعلم

وأما الشرط الثاني الذي هو المتابعة فهو الذي نتعلم لأجله، نتعلم حتى تكون أعمالنا صوابا؛ وذلك لأن الذين يعملون إما أن يعملوا على جهل، وإما أن يعملوا.. يعلمون ولكن يتركون العمل، وإما أن يعملوا على برهان، فالذين تعلموا وعرفوا وتفقهوا ولكنهم لم ينتفعوا ولم يعملوا بما تعلموه هؤلاء يصير علمهم حجة عليهم, ويستحقون العذاب على ما تحملوه وعلى ما عملوه؛ حيث علموا ولم يعملوا.
ورد في بعض الآثار: أن الذين يعلمون ويخالفون يعذبون قبلَ أن يعذب الجاهلون والمشركون، فيقولون: يا رب! كيف نعذب قبل المشركين؟ فيقال: ليس من يعلم كمن لا يعلم، أي: أنتم تعلّمتم ولكنكم خالفتم، وأخذ ذلك بعض أهل العقائد، فقال:
وعـالـم بعلـمـه لـم يعملـن
معـذب من قبـل عابـد الوثـن
وفي ذلك أيضا يقول بعضهم:
فإن كنت لا تـدري فتلك مصيبـة
وإن كنت تدري فالمصيبـة أعظم
فالمصيبة أعظم يعني: إذا كنت تدري وتعلم ولكنك لا تعمل، أو تدري وتعلم ولكنك تخالف فالعقوبة أعظم؛ ولهذا ينكر بعض العلماء على بعض الذين يقولون ولكنهم يخالفون.
فيقول: ألسنة تصف، وقلوب تعرف، وأعمال تخالف؛ تصف ألسنتهم الحقائق؛ يصفون العلوم, ويصفون الأعمال, ويعرفون بقلوبهم؛ يعرفون الحق, يعرفون الأدلة, يعرفون الوعيد, يعرفون حقيقة الأعمال, ولكن مع ذلك لا يعملون, يخالفون ما يقولونه، فيدعون إلى الخير ولا يفعلونه، أو يعرفونه ولا يعملون به, وإذا كانوا يعلمون الناس, ومع ذلك لا يطبّقون ما يعلمونه صار الناس ينتفعون بعلومهم, وهم لم ينتفعوا بتلك العلوم، فيكون ذنبهم أكبر؛ ولهذا يقول بعضهم:
مـواعظ الـواعـظ لـن تقبــلا
حـتى يعيـهــا قـلـبـه أولا
يـا قـوم مـن أظلم من واعـظ
خالـف مـا قـد قالـه في الملا
أظهـر بيـن النـاس إحسـانـه
وخـالف الرحـمن لـمـا خـلا
فالذي تَعَلَّمَ وتفقه, وعرف الحق, ولكنه لم يطبّق, يُعَلِّمُ الناس ولا يعمل, مثله كمثل السراج يضيء للناس, ويحرق نفسه.
فنعرف هذا القسم الذين عَلِموا وعلّموا, ولكنهم لم يطبّقوا, ولم يعملوا بما عرفوه، أنهم أشد إثما من الجهلة, أو من العصاة العتاة الذين عصوا على جهل. لا شك أن الذين عصوا الله تعالى على جهل يُعَذَّبُون؛ لأنهم أعرضوا عن العلم، كان الواجب عليهم أن يتعلموا حتى ينوروا بصائرهم، وحتى يعرفوا الأحكام والوعد والوعيد, ولكنهم أعرضوا عن التعلم, وأعرضوا عن الاهتمام بالشرع، وانشغلوا بشهواتهم وبِلَهْوهم وبدنياهم, انشغلوا بذلك, فأصبحوا مستحقين للعذاب بهذا الإعراض.