إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) logo إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
140100 مشاهدة print word pdf
line-top
ملك الموت من جنس الملائكة

...............................................................................


والحاصل أن ملك الموت من جنس الملائكة الذين سَخَّرَ الله تعالى لهم الأرض, وقَرَّبَهَا إليهم، ثم هناك كلمة الموت, يعني: الموت الذي هو قبض الأرواح, أو خروج الأرواح. هذا الموت قيل إنه خلق من خلق الله، وليس هو الملك, وهو الذي يُذْبَحُ بين الجنة والنار, ويُقَال: يا أهل الجنة خلود فلا موت, ويا أهل النار خلود فلا موت, وهو كما يشاء الله تعالى نؤمن بذلك، ونُصَدِّقُ بما أخبرنا الله تعالى به من جنس خلق الملائكة, ومن جنس موت الإنسان, وموت ما شاء الله تعالى من الحيوانات. والله تعالى أعلم.
من جنس الملائكة .. ملك الموت ذكره الله تعالى .... وقد ورد في ذكره أدلة وأحاديث, مر بنا أن الله تعالى يزوي له الأرض حتى تكون أمامه كالطست, ينظر إلى أقصاها وأدناها في لحظة واحدة، يقبض مَنْ أمره الله تعالى بقبضه من الأموات ونحوهم. ذُكِر في هذه الآية أنه مَلَكٌ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ وذكر في آية أخرى الملائكة في قوله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ قيل: معناه: إذا جاءه ملك الموت توفته رسلنا، ويكون المعنى: أن ملك الموت يقبض روحه، ثم تقبض تلك الروحَ ملائكةٌ يرسلهم الله تعالى فيتوفونه.
ورد دليل ذلك في حديث البراء الطويل وفيه: أن العبد إذا كان في إقبال من الآخرة, وانقطاع من الدنيا, نزلت إليه ملائكة بيض الوجوه, معهم أكفان من الجنة, وحنوط من الجنة, وياسمين من الجنة, فيقفون منه مد البصر, ويأتيه ملك الموت, فيجلس عند رأسه ويقول: اخرجي أيتها الروح الطيبة, كانت في الجسد الطيب, اخرجي إلى روح وريحان, ورب غير غضبان, فَتُسَلُّ روحه من جسده كما تُسَلُّ الشعرة من العجين، فإذا قبضها لم يَدَعْها في يده طرفة عين, حتى يجعلها في ذلك الحنوط, وفي تلك الأكفان, وذلك الياسمين, ويصعدون بها إلى السماء, فيخرج منها كأطيب رائحة مسك وجدت على ظهر الدنيا إلى آخر الحديث.
وذكر ضد ذلك في روح الكافر, وعلى هذا فيكون قوله: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا المعنى: قبضوه بعدما يقبض ملك الموت روحه, أخذوا روحه وجعلوها بتلك الأكفان, وفي ذلك الحنوط, ونحوه، هذا هو محمل قوله: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وإلا, فإن الأصل أن الذي يتوفاه هو الذي يقبض روحه.
أما قوله تعالى: وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ فهذا قول الملائكة. قيل: إن هذا عند الاحتضار: أن الملائكة تقول للمحتضر: أَخْرِجْ نفسك, وللمحتضرين: أخرجوا أنفسكم, وأن الذي ينتزعها ويُخْرِجُهَا هو ملك الموت الذي يقبض الأرواح، وعلى هذا يكون الذي يقبضها ملك الموت, والملائكة جنسها هم الذين يقولون: أخرجوا أنفسكم, ويكون قوله: بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ إما أنهم بسطوا أيديهم حتى يقبض تلك الروح بعدما تخرج من جسدها، وإما أنهم باسطو أيديهم بالعذاب لأرواح الكفار, وبالثواب والنعيم لأرواح المؤمنين.
والأصل في قولهم: باسط يده: أن المراد إما البسط للعطاء, وإما البسط بالعذاب. في قول الله تعالى: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فبسط اليد هاهنا أي: كثرة الإنفاق, ولكنه لا يناسبها هنا في قوله: وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ فيكون المراد: أنهم باسطو أيديهم لقبض هذه الأرواح, سواء أرواح المؤمنين فَتُنَعَّمُ, أو الكافرين فتعذب، وأما قول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى هذا قد يقال: إن الذي يتوفاهم هو الله, وهو الذي يتوفاكم بالليل, ويعلم ما جرحتم بالنهار.
فالله تعالى هو المالك لكل شيء, وهو الذي يدبر الأمور, فهو سبحانه الذي يأمر الملائكة فتقبض هذه الأرواح، ويكون القبض بأمر الله تعالى. فيكون قوله: يَتَوَفَّاكُمْ يعني: بقبض أرواحكم, تقبضها الملائكة, وتستخرجها من الأبدان بإذن الله. وهكذا قول الله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فالله هو خالق الخلق, وهو الذي يتوفاهم, وهو الذي يقبض أرواحهم, مع أنه وكل ملائكة يقبضونها بأمره, ولا تموت نفس وتخرج من الدنيا إلا بأمره سبحانه, يقول الله تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ .
فالأعمار بيد الله, إذا قدر الله أن هذا يموت مات في الأجل المحدد له, وهو الذي يأمر بقبض روحه, والملائكة تقبض الروح بأمره وبإذنه، فأسند القبض إليه بهذه الآية اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وفي قوله: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ فإذا أسند الأمر إليه فإنه هو تعالى مسبب الأسباب وهو خالق كل شيء، إذا قلنا: الله هو الذي يقبض الروح أو قلنا: قبض الله روحه، فإن روحه خرجت بأمر الله وبقضائه وأرسل إليها ملك الموت وقبضها الموت ملك الموت وقبضتها أيضا الملائكة الذين قبضوها وأخذوها من ملك الموت فلا منافاة بين هذه الآيات.
إذا قلنا: الله هو الذي يقبض الروح أو يقبض الأرواح ملك الموت، أو الملائكة هم الذين يقبضون أرواح العباد, فالجميع لا منافاة بين ذلك, بل كلها يصدق عليها أنها متفقة, الله هو الذي يقبضها, يعني: بأمره، والملك هو الذي يقبضها، وهو الذي وُكِّلَ بها قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ وأعوانه هم الذين يقبضونها بأمره, يأخذونها من أيديه، ثم يرسلونها إلى حيث شاء الله. قد عرفنا أن الأرواح التي تحيا بها الأجساد قد حجب الله عنا صفتها, فليس أحد يتصور أو يتمثل صورة هذه الروح التي هي خلق من خلق الله, عجز البشر أن يعرفوا ماهيتها، ولذلك لما سأل المشركون نبي الله صلى الله عليه وسلم: أَخْبِرْنَا عن الروح, ما هي الروح؟ أنزل الله تعالى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا من أمره, يعني: بأمره, توجد بأمره, وتُخْلَقُ بأمره، فهي من أمره, أي: خلقت بأمره, وكل شيء يُخْلَقُ بأمر الله, قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
فهي مخلوقة بأمر الله سبحانه, وتدخل في جملة المخلوقات, في قوله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فالأرواح شيء, فهي مخلوقة, وكل مخلوق فالله تعالى هو خالق له، ولا شك أنها شيء موجود، ولكن قصرت عنها معرفتنا, لم نَدْرِ من أي شيء هي؟ إذا خرجت روح الإنسان من جسده وحوله أهله ما رأوها, ما أبصروها.

line-bottom