جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
100075 مشاهدة
اختلاف التنوع صنفان

ذكر أن اختلاف التنوع صنفان . نقرأ الآن الصنف الأول، والصنف الثاني نقرؤه غدا إن شاء الله.
أحدهما أن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، يعني كل واحد منهما فسره بعبارة، والمعنى واحد. تدل تلك العبارة على المعنى الموجود في المسمى. وذلك المعنى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى. المسمى واحد؛ ولكن كل منهما له معنى. يقول: تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى، بمنزلة الأسماء المتكافئة.
الأسماء المتكافئة التي هي متقاربة. هناك أسماء مترادفة، يعني: مسمى واحد، يعني إذا قلت مثلا: هذا إنسان هذا رجل هذا بشر هذا شخص فهي أسماء لمسمى واحد مع أنها مترادفة، يعني بعضها ينوب عن بعض . وأما المتضادة فإذا قلت مثلا: إنسان، وإذا قلت:حيوان. يطلق على الإنسان الحي حيوان، وعلى البهائم. فتقول هذا البعير حيوان، وهذه الشاة حيوان، وهذا السبع حيوان، وهذا الفيل حيوان. فهنا كلمة حيوان أطلق عليها مع أنها متباينة.إنما اجتمعت في صفة واحدة هي الحياة، هذا معنى التباين . وأما التكافؤ فهو التقارب كما سيأتي في الأسماء.
مثل للتقارب والتكافؤ بأسماء السيف. ذكر بعض اللغويين أن العرب وضعت للسيف ألف اسم، ووضعوا للأسد خمسمائة اسم، ووضعوا للثعبان مائتي اسم، وكلما كان الشيء مشهورا عندهم كانت مكانته وشهرته أقوى يهتمون به. ولكن تلك الأسماء صفات فيسمى الصارم، والمهند، والمسلول، والحسام، وما أشبهها مسمى واحد.
كذلك أيضا أسماء الله تعالى الأسماء الحسنى، وأسماء النبي صلى الله عليه وسلم وأسماء القرآن. هي مسماها واحد؛ ولكن كل اسم قد يدل على صفة.
فنبينا صلى الله عليه وسلم له عدة أسماء كل اسم يدل على صفة.
الله تعالى له الأسماء الحسنى كل اسم يدل على صفة. فهي من حيث الذات مترادفة، ومن حيث المعاني متكافئة. أسماء الله تعالى كلها تدل على مسمى واحد، يعني على الذات. فليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى مضادا لدعائه باسم آخر. إذا دعوت الله تعالى بيا قدير، يا عليم، يا جليل، يا كريم، فالمدعو واحد وكل اسم يدل على معناه. قال تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ ذكروا أن المشركين سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله أحيانا، ثم يقول: يا رحمن ارحمنا . فقالوا: إن محمدا يدعي أن الإله واحد، وهو مع ذلك يدعو اثنين، فأنزل الله عليه الآية في سورة الإسراء قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فالمدعو واحد.