اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
96862 مشاهدة
ورع جندب البجلي

وقال ابن جرير حدثنا يعقوب يعني ابن إبراهيم حدثنا ابن علية عن مهدي بن ميمون عن الوليد بن مسلم قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله وهو جندب البجلي فسأله عن آية من القرآن فتوقف جندب وقال: أُحَرِّج عليك إن كنت مسلما لما قمت عني، أو قال: أن تجالسني.
جندب من صغار الصحابة، ويمكن أنه ما تلقى تلك الآية مرفوعة، أو أنه كان من الذين يتوقفون عن تفسير الآيات فهذا الذي سأله توقف عن إجابته رضي الله عنه. ويمكن أنه عرف أنه من المبتدعة من الذين يتكلمون ببدعهم بآيات يستدلون بها، أو يجعلونها كدليل لهم على بدعهم.
وقد كان كثير من السلف رحمهم الله يتحاشون أن يسألوا المبتدعة أو يسمعوا من المبتدعة. روى ابن بطة في الإبانة آثارا عن كثير من السلف أن أحدهم يدعوه بعض المبتدعة يقول: اسمع مني آية، دعني أقرأ عليك آية من القرآن فيقول: قوموا لا أسمع منكم، ولا تقربوني. ثم لماذا؟ يقول: إني أخشى أن يحرفها، أو يذكر دلالتها على بدعته فيعلق بقلبي شيء مما يتعلق بتلك البدعة التي يتشبث بها.
فهاهنا جندب أقام ذلك السائل، وقال: أحرج عليك إن كنت مسلما لما قمت عني، أو قال: أن تجالسني.