تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
96899 مشاهدة
متى يقبل الحديث ومتى يقبل التفسير والمغازي

وهذا الأصل ينبغي أن يعرف فإنه أصل نافع في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث والتفسير والمغازي ، يعني: أن يعرف متى يقبل الحديث ومتى يقبل التفسير والمغازي، فيقال: إذا جاءت من طرق متعددة، وما ينقل من أقوال الناس ومن أفعالهم، متى تقبل إذا جاءت من طرق متعددة، وعلم أن أحد الطريقين غير الطريق الآخر، وأن هذا ما أخذ من هذا، ثم يقول: ولهذا إذا روي الحديث الذي يتأتى فيه ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجهين، يعني رواه اثنان من الصحابة أو ثلاثة وروي كل حديث من طرق، مع العلم بأن أحدهما ما أخذه عن الآخر جزم بأنه حق، يحدث هذا كثيرا.
فمثلا قصة المرأة التي حبست هرة رواها ثلاثة من الصحابة كل منهم في جهة، فعلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم حدث بها يقينا؛ لأن كل واحد من الصحابة ما أخذها عن الآخر.
وكذلك قصص كثيرة إذا علم أن نَقَلَتَهُ ليسوا ممن يتعمدون الكذب وإنما يؤخذ على أحدهم النسيان والغلط، فإن من عرف الصحابة كابن مسعود وأبي بن كعب وابن عمر وجابر وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم، علم يقينا أن الواحد من هؤلاء لا يتعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمعوه يقول: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار فضلا عمن هو فوقهم كالخلفاء الراشدين، كما يعلم الرجل من حال من جربه وخبره خبرة باطنة طويلة أنه ممن لا يسرق أموال الناس، ولا ممن يقطع الطريق ولا ممن يشهد بالزور، أنت إذا صحبت إنسانا وعلمت صدقه وورعه وعرفت ثقته، وعدالته وأمانته، وطلب منك أن تزكيه عند القاضي فإنك تزكيه بطول المعرفة، فتقول: خبرته وصحبته وجاورته وعاملته عدة سنين فأزكيه؛ لأني لا أعلم عليه إلا خيرا، فتشهد بأنه ليس ممن يتعمد الكذب ولا ممن يشهد الزور ولا ممن يسرق أموال الناس، فهذا بالنسبة إلى خبرتك وتجربتك.