إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
86603 مشاهدة
القول فيمن عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم

يقول: وفي الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك، بل مبتدعا يعني يصير مبتدعا؛ لأنه أضاف إلى أقوال الصحابة والتابعين أقوالا لا دليل عليها، حمله عليها ما يعتقده من المعتقدات الباطلة، وإن كان مجتهدا مغفورا له خطؤه، وليس كل مجتهد بمصيب.
فإن المقصود بيان طرق العلم وأدلته وطرق الصواب. المقصود من التفاسير أن المفسر يبين معنى الآية، لا أنه يحملها على معتقده، فإذا كان أشعريا وتحامل في الآيات وحملها على ما يعتقده ولم يبين أقوال السلف رحمهم الله كان بذلك مخطئًا؛ لأن تفسير السلف والصحابة والتابعين أقرب؛ وذلك لأنهم شاهدوا التنزيل، ولأنهم تلقوا معناها وتفسيرها عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، ولأنهم أعلم باللغة ممن جاء بعدهم.
يقول: ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، قرءوه على النبي صلى الله عليه وسلم. وتقدم أنهم كانوا إذا قرءوا عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها. قالوا: فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعا. ونعلم أيضا أنهم أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنهم أخذوا الحق عنه شفاها، تلقوا الرسالة عنه، تلقوا رسالته التي أرسل بها.
وهم أعلم بالقرآن وهم أعلم بالسنة وهم أعلم بالأحكام. فإذا خالف تفسيرَهم أحدٌ كان ذلك المخالف مخطئا، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم أخطأ في الدليل والمدلول. أخطأ حيث أتى بأقوال مبتدعة، وحيث استدل بأدلة لا دلالة فيها، وحيث حرف المدلول عما هو عليه.
معلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها إما عقلية وإما سمعية، كما هو مبسوط في موضعه. فشبهات المعتزلة عقائدهم، وشبهات الخوارج وشبهات المرجئة، وشبهات الروافض، وشبهات الجهمية، ونحوهم عقلية أو نقلية. فيحملون الآيات والأحاديث على ما يعتقدونه؛ فيدعون أن تلك شبهة ويسمون تحريفهم هذا تأويلا، ويقولون: إن الحامل عليه أننا نريد الجمع بين الأدلة السمعية والعقلية، حتى لا تتعارض وحتى لا تعارضنا هذه الأدلة التي هي واضحة الدلالة ومقطوع بصحتها.
يقولون في تعريف التأويل: إنه صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح بدليل يقترن به، فيقولون مثلا: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى إن الاستواء له تفسير راجح وتفسير مرجوح. التفسير الراجح هو العلو، فاستوى يعني: علا وارتفع، والتفسير المرجوح هو الاستيلاء، فنختار المرجوح بدليل يقترن به وهو أن يتفق مع الدليل العقلي؛ فإن الدليل العقلي عندهم ينفي صفة العلو فهذا هو تأويلهم.
يقول: والمقصود هنا التنبيه على مثار الاختلاف في التفسير يعني على أسبابه وأن من أعظم أسبابه البدع الباطلة التي دعت أهلها إلى أن حرفوا الكلم عن مواضعه، بدع هؤلاء المبتدعة، رافضة أو معتزلة أو نحوها دعت أهلها وحملتهم إلى أن حرفوا الكلم عن مواضعه، فسروا الكلام بتفاسير بعيدة وفسروا الإرادة وفسروا السمع والبصر بتفاسير بعيدة؛ لتوافق معتقدهم وفسروا كلام الله وكلام ورسوله صلى الله عليه وسلم بغير ما أريد به، أي بتفاسير بعيدة عن ما أراد الله تعالى بكلامه، وتأولوه على غير تأويله وحملوه محامل بعيدة عن أن تكون مرادة لله تعالى.