شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
ابن كثير وسلوكه طريقة تفسير القرآن بالقرآن
وقد سلك ابن كثير اسم> رحمه الله في التفسير هذه الطريقة تفسير القرآن بالقرآن، وإذا ذكر آية فيها شيء من الإجمال ذكر الآيات الأخرى التي فيها شيء من التفصيل، وقد تكون المجملة مفصلة بما بعدها؛ مثل قوله تعالى: رسم> إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا قرآن> رسم> فسر الهلوع بالآية التي بعدها وهي قوله: رسم> إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا قرآن> رسم> فهذا تفسير القرآن بالقرآن.
وأما في القصص؛ فإنها تكون أيضا كثيرة، يكثر الإجمال ويكثر التفصيل. ففي مثل قول الله تعالى عن قصة موسى اسم> رسم> وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا قرآن> رسم> ؛ ففيها ذكر رسم> كَأَنَّهَا جَانٌّ قرآن> رسم> والجان يعم ما كان متشيطنا من الجن، ويعم أنواعا من الأفاعي ونحوها، ولكن بين في آيات ففي سورة طه: رسم> فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قرآن> رسم> هذا ذكر فيها أنها حية وهو يعني بالجان أنه الحية.
وفي سورة الأعراف قال تعالى: رسم> فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ قرآن> رسم> والثعبان نوع من الحيات، ففصل الله تعالى الجان في الآية الأخرى: رسم> كَأَنَّهَا جَانٌّ قرآن> رسم> بقوله: رسم> فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ قرآن> رسم> رسم> فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ قرآن> رسم> وما أشبه ذلك.
فمثلا في قصة موسى اسم> خاطبه الله تعالى بقوله: رسم> إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ قرآن> رسم> في هذه الآية نوع من الإجمال فصل في سورة القصص في قوله تعالى: رسم> وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي قرآن> رسم> إلى قوله: رسم> فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ قرآن> رسم> فقوله: رسم> يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ قرآن> رسم> فسر في الآية الأخرى بأنه فرعون اسم> رسم> فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا قرآن> رسم> إلى آخر الآيات.
وكذلك في كثير من قصص الأنبياء تأتي مجملة كما في سورة الحاقة: رسم> فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ قرآن> رسم> أجملت الطاغية ها هنا، وفصلت في مكان آخر أو في أماكن كقوله تعالى: رسم> إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً قرآن> رسم> ففسرت الطاغية بأنها الصيحة.
والآيات المجملة في مثل الثواب والعقاب، كثيرا ما يذكر الله تعالى ثواب أهل الجنة مجملا، ويفصله في موضع آخر، وكذلك عقاب أهل النار في آيات مجملة ويأتي مفصلا في موضع آخر. يذكر أنواعا من العذاب ما ذكرت إلا في ذلك الموضع، ومذكور آيات فيها شيء من الثواب تفصيلا لما أجمل.
ولا شك أن هذا لأن القرآن بيان، والله تعالى وصف القرآن بقوله: رسم> هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ قرآن> رسم> يعني يبين لهم الأحكام.
ثم أيضا إن الآيات القرآنية تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم؛ تنزل عليه في بعض المناسبات؛ لأجل تثبيته تثبيت قلبه كقوله تعالى: رسم> كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا قرآن> رسم> ففي حين نزلت عليه كان يكون للمناسبة أن تكون مجملة في بعض الأماكن فيحصل بذلك التثبيت رسم> لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ قرآن> رسم> .
وأحيانا يحتاج إلى زيادة إيضاح؛ فتوضح وتبين في الأماكن الأخرى، ويبين أن القصد من هذه الجملة كذا وكذا وأشباه ذلك. ومن أراد الأمثلة عند كل آية غالبا، وجد ذلك في تفسير ابن كثير اسم> رحمه الله.
وكذلك أيضا في تفسير الشنقيطي اسم> رحمه الله، سماه أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، وهناك أيضا تفسير واسع لأحد علماء المصريين سماه تفسير القرآن بالقرآن، يعني إيضاح الآيات بعضها ببعض.
وسبب اهتمامهم بذلك؛ أن كثيرا من الذين يفسرون قد يحملون الآية على ما يفهمونه، ولا يتفطنون للمواضع الأخرى؛ فيقعون في الغلط. بعضهم فسر آية الاستواء في طه في قوله تعالى: رسم> الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ قرآن> رسم> فقال: استوى له ما في السماوات. يعني أن قوله: رسم> لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ قرآن> رسم> تفسير لـ رسم> اسْتَوَى قرآن> رسم> يعني: ملك ما في السماوات، أو ذل له ما في السماوات. وغفلوا عن الآيات الأخرى؛ مثل قوله: رسم> ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ قرآن> رسم> و رسم> اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ قرآن> رسم> ففسروا آية في موضع ولم يتذكروا المواضيع الأخرى.
كذلك بعض الحلوليين فسروا قول الله تعالى في سورة الأنعام: رسم> وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ قرآن> رسم> فقالوا: إن الله في السماوات وفي الأرض. هكذا قالوا، وغفلوا عن تفسيرها بالآية التي في سورة الزخرف؛ وهي قول الله تعالى: رسم> وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ قرآن> رسم> يعني أنه إله من في السماوات، وإله من في الأرض. فيكون هذا معنى آية الأنعام: رسم> وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ قرآن> رسم> يعني وهو الإله في السماوات وفي الأرض.
فيتبين من ذلك أن كثيرا من الذين يأخذون آية في موضع ويحملونها على أفهامهم، قد غفلوا عن تفسيرها بالآيات الأخرى التي تبين معناها؛ مع أن التفاسير الأخرى، أو تفسير الصحابة، أو تفسير الأحاديث لو رجعوا إليه لكان كافيا، ولكن كثر منهم أنهم لما كان لهم أهواء ولهم ميل غفلوا عن الآيات الأخرى، وأخذوا نوعا آخر.
وقد ذكرنا قصة ذلك الجهمي الذي جاء إلى أبي عمرو القارئ اسم> وطلب منه أن يقرأ قول الله تعالى: ( وكلم اللَّهَ موسى تكليما ) فبين له أبو عمرو اسم> أنك غفلت عن قول الله تعالى: رسم> وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قرآن> رسم> فإنك لا تقدر على أن تحرف تلك الآية.
وكذلك الذين فسروا رسم> وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قرآن> رسم> ؛ قالوا: جرحه ربه، غفلوا أيضا عن قول الله تعالى: رسم> إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي قرآن> رسم> إن الله تعالى بين كلامه وأن قوله: رسم> وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قرآن> رسم> يعني بكلام مسموع، وغفلوا أيضا آيات النداء التي فيها: رسم> وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى قرآن> رسم> رسم> إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى قرآن> رسم> وكذلك المناجاة رسم> وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا قرآن> رسم> فيأخذون موضعا ويحملونه على ما يهوونه ويغفلون عن المواضع الباقية، ويكون ذلك دليلا على غفلتهم، والأمثلة كثيرة.
مسألة>