إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) logo القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
shape
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
124612 مشاهدة print word pdf
line-top
تفسير القرآن بالسنة

يقول بعد ذلك: إن أعياك ذلك؛ فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقرآن موضحة له. يقول شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية لما ذكر الآيات في الصفات؛ قال: فصل في السنة. ثم قال: فالسنة تفسر القرآن؛ تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه. والمراد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أنزل الله تعالى عليه القرآن، وأمره أن يبينه، بل الله تعالى بينه له، في قوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ فالله تعالى يبينه لنبيه إما بالبيان الواضح بأن يشرح له، وإما بأن يفهمه معانيه؛ حتى يعرف دلالاته، وحتى يعرف محتوياته، ثم هو بعد ذلك يبينه لأصحابه سواء بالقول أو بالفعل.
لما أخبرهم عن القدر وأنه ما منكم من أحد إلا كتب مقعده من الجنة والنار. قالوا: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له ثم قرأ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى الآيات، فبين أن هذا معنى التيسير؛ يعني أن قوله: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ؛ يعني نوفقه لأن يعمل العمل الصالح الذي يكون له يسرى، والآخر نخذله ونكله إلى نفسه؛ فيكون ذلك من التيسير للعسرى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وهذا تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم، والأمثلة كثيرة.
فإذا جاءت الآيات التي في الصفات وجدنا مثلها أيضا في القرآن، ووجدنا مثلها أيضا في السنة، فالآيات التي مثلا فيها قوله تعالى: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ .. في سورة الملك. فسر ذلك بآيات أخرى؛ مثل قوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ؛ أي على جذوع النخل، وقوله: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ ؛ أي على الأرض، فيكون المعنى فِي السَّمَاءِ ؛ أي على السماء.
وفسر أيضا أو بين مثله في السنة؛ مثل قوله: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء ومثلا جاء في القرآن ذكر اليد لله تعالى في قوله تعالى: قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وفي قوله تعالى: بِيَدِكَ الْخَيْرُ وجاء ذكر اليمين: وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ففسرت اليد بأنها اليمين، وجاءت أيضا في السنة في قوله صلى الله عليه وسلم: يمين الله ملأى وفي قوله: المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين مباركة ؛ إلى آخره، فجاء في السنة مثل ما جاء في القرآن.
فعرف بذلك أن أفضل ما يفسر به القرآن الأحاديث النبوية ؛ فإنها تفسر القرآن وتبينه وتوضحه. ومن أراد الأمثلة يجدها في تفسير ابن كثير كثيرة، يقول: وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن؛ وذلك لأن الله تعالى علمه البيان علمه بيانه بقوله ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ فكل ما حكم به فإنه مما ألهمه الله تعالى، وأوحاه إليه، وقذف به في قلبه، وعلمه إياه أو فهمه من كلام الله.
ذكر بعد ذلك هذه الآيات للاستدلال بها على أنه صلى الله عليه وسلم مكلف أن يبين للناس القرآن. فالآية الأولى في سورة النساء: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ لم يقل: بما رأيت. دل على أن الله تعالى يريه ويعلمه بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ؛ أي بما علمك وألهمك وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا أي: لا تخاصم عنهم. فالحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه من أمور دينهم وأمور دنياهم، حكمه من الله تعالى. فتح الله عليه وألهمه وعلمه؛ فكان بذلك معلما مما علمه الله بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ .
والآية التي بعدها من سورة النحل وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ لا شك أن هذا أيضا تكليف له لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ فالله تعالى أمره ولا بد أنه امتثل، ولا بد أنه عمل بهذه الآية؛ بين للناس ما أنزله الله تعالى من الآيات، وما أمره به من الأحكام.
وقد يقال: إنه أضاف إليها بيانا من قبله؛ ولكنه مما فهمه من القرآن، قال تعالى: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ دليل على أن الله كلفه بأن يبين لهم، الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ يعني كل ما يختلفون فيه، ولهذا قال لهم: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ فكانوا إذا اختلفوا في شيء ترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم بينهم، وبين لهم الصواب الذي اختلفوا فيه.
ووصف الله تعالى الكتاب بقوله: وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ؛ أي أنه متصف بهذه الصفات، ولكن لا يكون هدى ورحمة إلا للمؤمنين. ثم استدل أيضا ببعض ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه يعني السنة، أي أن الله تعالى علمه القرآن وعلمه السنة التي هي مثل القرآن من الأحكام.
ففي حديث صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله ما وجدنا فيه أحللناه وما وجدنا فيه حرمناه، ألا وإن ما حرمه رسول الله كما حرمه الله أو كما قال.
وقع هذا في كثير وأشهرهم الخوارج فإنهم اعتمدوا القرآن، وتركوا السنة ولم يأخذوا منها شيئا؛ حتى الأحاديث المتواترة لم يقبلوا منها شيئا، مثل أحاديث الشفاعة ونحوها، وكانوا يستدلون بالآيات القرآنية، أخذوها على ظاهرها؛ حتى استباحوا قتل بعض الصحابة كقتل عثمان وأخذوا ظاهر قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا فقالوا: إن هذا قد سعى في الأرض فسادا، أولئك الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه.
فالحاصل أن الواجب على المسلم أن يأخذ الأحاديث الثابتة الصحيحة، وأن يتقبلها ويعمل بها ولا يرد منها شيئا، ويعتقد أنها من الله تعالى.

line-bottom