شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
من قواعد التفسير أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
وأشباه ذلك مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة اسم> والآية على العموم، أو في قوم من أهل الكتاب من اليهود والنصارى، أو في قوم من المؤمنين، فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية مختص بأولئك الأعيان دون غيرهم؛ ولهذا يقولون في قواعد التفسير: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ولو كان أنه خاص بمن نزل فيه لما اعتبر بالآيات.
ذكر أن عمر اسم> رضي الله عنه كان إذا قرأ آيات نزلت في أهل الكتاب يقول: مضى القوم ولم يُعْنَ به سواكم. ففي مثل قول الله تعالى: رسم> وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا قرآن> رسم> وإن كان خطابا لليهود لكن تحذير لهذه الأمة. وفي مثل قوله: رسم> وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ قرآن> رسم> الخطاب لليهود ولكن تحذير لهذه الأمة أن يفعلوا كفعلهم. وفي مثل قوله تعالى: رسم> إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا قرآن> رسم> وإن كانت نزلت في اليهود لكنها تحذير أن يفعل كفعلهم، وأشباه ذلك كثير. فلا يقول مسلم ولا عاقل: إن هذا خاص بمن نزل فيهم، فالله تعالى يقول ذلك حتى يحذرنا أن نفعل كفعلهم، والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه أم لا؟ لم يقل أحد من علماء المسلمين: إن عمومات الكتاب والسنة تختص بذلك الشخص المعين، وإلا لبطل الاستدلال بالآيات.
لو قيل: إنها تختص بالشخص الذي نزلت فيه فيقال مثلا: آية اللعان نزلت في عويمر اسم> فلا أحد يحتاج إلى اللعان فيما بعد، مع أن لفظ الآية عام رسم> وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ قرآن> رسم> .
وكذلك قوله تعالى: رسم> وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ قرآن> رسم> نزلت في رجل قتل مسلما ثم ارتد ورجع إلى الكفر، فنزلت فيه هذه الآية: رسم> وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا قرآن> رسم> ولكن الآية على عمومها. كذلك قوله تعالى: رسم> إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا قرآن> رسم> فلا يقال: إن هذا خاص بمن نزل فيه.
لم يقل أحد من علماء المسلمين: إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين، وإنما غاية ما يقال: إنها تختص بنوع ذلك الشخص فتعم ما يشبهه، يعني: نوع ذلك الشخص، فآية القتل لا تتناول مثلا الجرح في قوله: رسم> وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا قرآن> رسم> ما تناول الجرح إذا لم يكن هناك قتل إنما تختص بالقتل، وهو نوع من أنواع الاعتداء. وأما إذا جاء الحديث بلفظ أعم فإنه يدخل فيه الجروح، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: رسم> أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء متن_ح> رسم> يدخل في ذلك الجراح، ويدخل في ذلك قوله: رسم> وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ قرآن> رسم> يقول: والآية التي لها سبب معين إن كان أمرا أو نهيا فهي متناولة لهذا الشخص وغيره ممن كان بمنزلته إن كان أمرا أو نهيا؛ فإن كثيرا من الأوامر نزلت وقصد بها جنس ذلك الذي نزلت فيه، ومع ذلك فإنها عامة، مثل قول الله تعالى: رسم> يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا قرآن> رسم> نزلت في قوم من الصحابة ظنوا ذلك حسن، وإنما ذلك اتباع لليهود لما كانوا يقولون: راعنا، ويريدون بذلك الرعونة.
وكذلك قول الله تعالى: رسم> يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ قرآن> رسم> رسم> وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قرآن> رسم> ولو كان سبب النزول خاصا، فإن العبرة بعموم اللفظ، متناولة بذلك الشخص الذي نزلت فيه ولغيره ممن هو بمنزلته، هذا إذا كان أمرا رسم> لَا تَقُولُوا رَاعِنَا قرآن> رسم> .
وكذلك إذا كان نهيا أو أمرا مثل قوله تعالى: رسم> يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ قرآن> رسم> أمر. رسم> يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ قرآن> رسم> نهي. رسم> يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قرآن> رسم> فهذا نهي رسم> يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا قرآن> رسم> رسم> يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ قرآن> رسم> رسم> يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ قرآن> رسم> وأشباه ذلك كثير، تتناول الشخص الذي نزلت فيه، وتتناول ما كان مثله وأما إذا كانت خبرا بمدح أو ذم فهي متناولة لذلك الشخص وغيره ممن كان بمنزلته.
أيضا نزلت آيات مدحا لبعض الصحابة رضي الله عنهم نزل في صهيب اسم> قول الله تعالى: رسم> وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ قرآن> رسم> لما نزلت تلقاه بعض الصحابة وقال: ربح البيع فكان هذا خبرا، ولكن كل من عمل مثل هذا فإنه داخل في الآية، كذلك قوله: رسم> وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قرآن> رسم> نزلت في أحد المنافقين وهي تتناول من كان مثله.
مسألة>