شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
نماذج من التابعين الذين اشتغلوا بالتفسير
السلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، تقدم أن التفسير أفضله تفسير القرآن بالقرآن وذلك لأن ما أجمل في موضع يبسط في مواضع أخرى. وثانيا: تفسير القرآن بالسنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين لما أنزل إليه. ثالثا: تفسير القرآن بأقوال الصحابة؛ لأنهم الذين شاهدوا التنزيل ونزل القرآن بلغتهم فعرفوا أسبابه وعرفوا معانيه وتلقوا بيانه عن النبي صلى الله عليه وسلم وتعلموا ألفاظه ومعانيه والعمل به جميعا.
فإذا لم تجد تفسير القرآن في القرآن، ولا في السنة، ولا في أقوال الصحابة، يقول: ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين؛ وذلك لأنهم تلامذة الصحابة تعلموا عليهم، والصحابة بلغوا ما تعلموه، فهم تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم، وتلامذتهم من التابعين تعلموا منهم، فيكون تفسير التابعين أقرب ممن بعدهم ممن تخرص في القرآن وفسره بغير دليل.
ذكر من جملتهم مجاهد بن جبر اسم> مولى من الموالي؛ ولكن الله تعالى فتح عليه وألهمه، وكان ذا معرفة وفهم؛ فتعلم التفسير من الصحابة رضي الله عنهم، ذكر أنه آية في التفسير؛ يعني: في علم القرآن وفي علم التفسير.
ذكر عن محمد بن إسحاق المطلبي اسم> صاحب السيرة أنه قال: حدثنا أبان بن صالح اسم> عن مجاهد اسم> قال: عرضت المصحف على ابن عباس اسم> ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته -يعني من أوله إلى آخره- أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها، ولا شك أنه إذا سأله فإنه يفسر له كل آية أشكلت عليه، وقد تقدم أن ابن عباس اسم> رضي الله عنهما ممن فتح الله تعالى عليه وأجاب الله دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم لما دعا له بقوله: رسم> اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل متن_ح> رسم> .
ثم روى إلى الترمذي اسم> ؛ يعني روى شيخ الإسلام عن الترمذي اسم> قال: حدثنا الحسين بن مهدي البصري اسم> حدثنا عبد الرزاق اسم> عن معمر اسم> عن قتادة اسم> فهذا أيضا انتهى إلى قتادة بن دعامة اسم> كان ضرير البصر؛ ولكنه كان آية في الحفظ. كان ذكيا فطنا بحيث إنه يحفظ ما سمعه، ويكون حفظه أشد وأقوى من حفظ المبتدئين الذين يقرءون مرارا فهو يقول: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا -يعني كل القرآن- ما في القرآن آية- يقول قتادة اسم> - إلا وقد سمعت فيها شيئا يعني: حديثا أو أثرا أو تفسيرا، ممن سمعه؟ من الصحابة؛ لأنه تلميذ للصحابة وبالأخص لأنس اسم> .
وبه إلى الترمذي اسم> أيضا قال: حدثنا ابن أبي عمر اسم> حدثنا سفيان بن عيينة اسم> عن الأعمش اسم> قال: قال مجاهد اسم> لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود اسم> لم أحتج أن أسأل ابن عباس اسم> عن كثير من القرآن مما سألت. كأن مجاهدا اسم> كان صغيرا في عهد ابن مسعود اسم> فلم يتتلمذ عليه كثيرا.
وقد تقدم أن ابن مسعود اسم> رضي الله عنه يقول: ما في القرآن آية إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت، ولو أعلم أحدا أعلم بالقرآن مني تبلغه أو تناله الإبل أو المطايا لأتيته، فدل على أن ابن مسعود اسم> رضي الله عنه أيضا من العلماء بالقرآن، وهكذا أيضا تلامذته الذين أخذوا عنه فمجاهد اسم> ما أدركه يقول: لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود اسم> - يعني قرأت عليه- لتعلمت منه، ولم أحتج أن أسأل ابن عباس اسم> وأتعلم منه.
ولا شك أن ابن عباس اسم> أصغر من ابن مسعود اسم> وأن علومه التي تعلمها عن الصحابة أكثرها، وأما ابن مسعود اسم> فإنه تلقاه مشافهة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: قال ابن جرير اسم> حدثنا أبو كريب اسم> حدثنا طلق بن غنام اسم> عن عثمان المكي اسم> عن ابن أبي مليكة اسم> وهذا إسناد يتكرر في ابن جرير اسم> وهو إسناد صحيح، يقول: رأيت مجاهدا اسم> سأل ابن عباس اسم> عن تفسير القرآن ومعه ألواحه،؛ يعني أوراق له يكتب فيها، فيقول له ابن عباس اسم> اكتب، حتى سأله عن التفسير كله.
فيدل على أن مجاهدا اسم> أيضا لم يعتمد أولا على الحفظ بل أثبت ما سمعه وقيده وكتبه بألواح، وهذا دليل على أن التابعين كانوا يكتبون، لا يقتصرون على الحفظ، فإن الحفظ قد يخون كثيرا منهم، وقد ينسى أو يغير أو يبدل فكانوا يكتبون ما يستفيدونه. ويقول بعض العلماء: إن ما كتب قر، وما حفظ فر، ويقول بعضهم:
العلـم صيـد والكتابـة قيـــده | قيـد صيـودك بالحبال الواثقــة |
فمن الحماقـة أن تصيد غزالــة | وتتركهـا بـين الأقـوام طالقـة |
ومن التابعين الذين اشتغلوا أيضا بالتفسير سعيد بن جبير اسم> رأس> وهو من خواص تلامذة ابن عباس اسم> وعكرمة اسم> مولى لابن عباس اسم> مختص به، وعطاء بن أبي رباح اسم> والحسن البصري اسم> ومسروق بن الأجدع اسم> كل هؤلاء من الموالي، ابن جبير اسم> وعكرمة اسم> وعطاء اسم> والحسن اسم> ومسروق اسم> كلهم من الموالي، مَنَّ الله تعالى عليهم، ورفعهم بالعلم؛ مع أنهم كانوا موالي ليسوا من صميم العرب.
وسعيد بن جبير اسم> وهو من أشراف قريش وأبو العالية اسم> ويسمى رفيع الرياحي اسم> والربيع بن أنس اسم> وهو شيخ أيضا لأبي العالية اسم> وتلميذ لأنس اسم> وقتادة اسم> ذكرنا قوله فيما سبق: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا. والضحاك بن مزاحم اسم> وكان أيضا من الموالي من التابعين المشهورين وغيرهم كثير من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم الذين اشتغلوا بالقرآن.
فيذكر ابن أبي حاتم اسم> دائما أسماءهم إذا روى أثرا عن مجاهد اسم> مثلا يقول: ورُوِي عن سعيد بن جبير اسم> وقتادة اسم> وأبي العالية اسم> والربيع بن أنس اسم> وغيرهم نحو ذلك. ويذكر منهم مقاتل بن حيان اسم> وإذا ذكروه نسبوه، ولا يقولون مقاتل اسم> للفرق بينه وبين مقاتل بن سليمان اسم> فإنه رُمِيَ بالتشبيه، مقاتل بن سليمان اسم> كأن فيه بدعة بخلاف مقاتل بن حيان اسم> فإنه من علماء السلف رحمهم الله.
فتُذْكر أقوالهم في الآية، وتجد هنا من يذكرها كأقوال مختلفة كابن جرير اسم> رحمه الله وعبد الرزاق اسم> وغيرهم فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ،؛ يعني: نوع اختلاف في الألفاظ وفي التعبير، يحسبها من لا علم عنده اختلافا، ويحكيها أقوالا فيقول في الآية ثلاثة أقوال: قال فلان كذا، وقال فلان كذا، وفلان كذا، وهذا قصور ليس الأمر كذلك.
مسألة>