جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
87363 مشاهدة
نماذج من التابعين الذين اشتغلوا بالتفسير

السلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، تقدم أن التفسير أفضله تفسير القرآن بالقرآن وذلك لأن ما أجمل في موضع يبسط في مواضع أخرى. وثانيا: تفسير القرآن بالسنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين لما أنزل إليه. ثالثا: تفسير القرآن بأقوال الصحابة؛ لأنهم الذين شاهدوا التنزيل ونزل القرآن بلغتهم فعرفوا أسبابه وعرفوا معانيه وتلقوا بيانه عن النبي صلى الله عليه وسلم وتعلموا ألفاظه ومعانيه والعمل به جميعا.
فإذا لم تجد تفسير القرآن في القرآن، ولا في السنة، ولا في أقوال الصحابة، يقول: ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين؛ وذلك لأنهم تلامذة الصحابة تعلموا عليهم، والصحابة بلغوا ما تعلموه، فهم تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم، وتلامذتهم من التابعين تعلموا منهم، فيكون تفسير التابعين أقرب ممن بعدهم ممن تخرص في القرآن وفسره بغير دليل.
ذكر من جملتهم مجاهد بن جبر مولى من الموالي؛ ولكن الله تعالى فتح عليه وألهمه، وكان ذا معرفة وفهم؛ فتعلم التفسير من الصحابة رضي الله عنهم، ذكر أنه آية في التفسير؛ يعني: في علم القرآن وفي علم التفسير.
ذكر عن محمد بن إسحاق المطلبي صاحب السيرة أنه قال: حدثنا أبان بن صالح عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته -يعني من أوله إلى آخره- أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها، ولا شك أنه إذا سأله فإنه يفسر له كل آية أشكلت عليه، وقد تقدم أن ابن عباس رضي الله عنهما ممن فتح الله تعالى عليه وأجاب الله دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم لما دعا له بقوله: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل .
ثم روى إلى الترمذي ؛ يعني روى شيخ الإسلام عن الترمذي قال: حدثنا الحسين بن مهدي البصري حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة فهذا أيضا انتهى إلى قتادة بن دعامة كان ضرير البصر؛ ولكنه كان آية في الحفظ. كان ذكيا فطنا بحيث إنه يحفظ ما سمعه، ويكون حفظه أشد وأقوى من حفظ المبتدئين الذين يقرءون مرارا فهو يقول: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا -يعني كل القرآن- ما في القرآن آية- يقول قتادة - إلا وقد سمعت فيها شيئا يعني: حديثا أو أثرا أو تفسيرا، ممن سمعه؟ من الصحابة؛ لأنه تلميذ للصحابة وبالأخص لأنس .
وبه إلى الترمذي أيضا قال: حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن الأعمش قال: قال مجاهد لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت. كأن مجاهدا كان صغيرا في عهد ابن مسعود فلم يتتلمذ عليه كثيرا.
وقد تقدم أن ابن مسعود رضي الله عنه يقول: ما في القرآن آية إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت، ولو أعلم أحدا أعلم بالقرآن مني تبلغه أو تناله الإبل أو المطايا لأتيته، فدل على أن ابن مسعود رضي الله عنه أيضا من العلماء بالقرآن، وهكذا أيضا تلامذته الذين أخذوا عنه فمجاهد ما أدركه يقول: لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود - يعني قرأت عليه- لتعلمت منه، ولم أحتج أن أسأل ابن عباس وأتعلم منه.
ولا شك أن ابن عباس أصغر من ابن مسعود وأن علومه التي تعلمها عن الصحابة أكثرها، وأما ابن مسعود فإنه تلقاه مشافهة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا طلق بن غنام عن عثمان المكي عن ابن أبي مليكة وهذا إسناد يتكرر في ابن جرير وهو إسناد صحيح، يقول: رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه،؛ يعني أوراق له يكتب فيها، فيقول له ابن عباس اكتب، حتى سأله عن التفسير كله.
فيدل على أن مجاهدا أيضا لم يعتمد أولا على الحفظ بل أثبت ما سمعه وقيده وكتبه بألواح، وهذا دليل على أن التابعين كانوا يكتبون، لا يقتصرون على الحفظ، فإن الحفظ قد يخون كثيرا منهم، وقد ينسى أو يغير أو يبدل فكانوا يكتبون ما يستفيدونه. ويقول بعض العلماء: إن ما كتب قر، وما حفظ فر، ويقول بعضهم:
العلـم صيـد والكتابـة قيـــده
قيـد صيـودك بالحبال الواثقــة
فمن الحماقـة أن تصيد غزالــة
وتتركهـا بـين الأقـوام طالقـة
فهكذا كان معه ألواحه يأمره فيقول: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله، ولهذا قال سفيان الثوري رحمه الله: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، وكان الشافعي رحمه الله يعتمد على تفسير مجاهد ويقول به سواء في الأحكام، أو في الآداب والأخلاق، أو في القصص والأمثال أو غير ذلك.
ومن التابعين الذين اشتغلوا أيضا بالتفسير سعيد بن جبير وهو من خواص تلامذة ابن عباس وعكرمة مولى لابن عباس مختص به، وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري ومسروق بن الأجدع كل هؤلاء من الموالي، ابن جبير وعكرمة وعطاء والحسن ومسروق كلهم من الموالي، مَنَّ الله تعالى عليهم، ورفعهم بالعلم؛ مع أنهم كانوا موالي ليسوا من صميم العرب.
وسعيد بن جبير وهو من أشراف قريش وأبو العالية ويسمى رفيع الرياحي والربيع بن أنس وهو شيخ أيضا لأبي العالية وتلميذ لأنس وقتادة ذكرنا قوله فيما سبق: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا. والضحاك بن مزاحم وكان أيضا من الموالي من التابعين المشهورين وغيرهم كثير من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم الذين اشتغلوا بالقرآن.
فيذكر ابن أبي حاتم دائما أسماءهم إذا روى أثرا عن مجاهد مثلا يقول: ورُوِي عن سعيد بن جبير وقتادة وأبي العالية والربيع بن أنس وغيرهم نحو ذلك. ويذكر منهم مقاتل بن حيان وإذا ذكروه نسبوه، ولا يقولون مقاتل للفرق بينه وبين مقاتل بن سليمان فإنه رُمِيَ بالتشبيه، مقاتل بن سليمان كأن فيه بدعة بخلاف مقاتل بن حيان فإنه من علماء السلف رحمهم الله.
فتُذْكر أقوالهم في الآية، وتجد هنا من يذكرها كأقوال مختلفة كابن جرير رحمه الله وعبد الرزاق وغيرهم فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ،؛ يعني: نوع اختلاف في الألفاظ وفي التعبير، يحسبها من لا علم عنده اختلافا، ويحكيها أقوالا فيقول في الآية ثلاثة أقوال: قال فلان كذا، وقال فلان كذا، وفلان كذا، وهذا قصور ليس الأمر كذلك.