إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
96999 مشاهدة
ندرة الترادف في القرآن

فهذا النوع إذا صح فيه القولان كان من الصنف الثاني من الأقوال الموجودة عنهم، ويجعلها بعض الناس اختلافا أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة لا مترادفة، تعرفون الترادف هو الألفاظ التي معناها واحد كقولهم: وقف قام انتصب هذه مترادفة، قعد وجلس هذه أيضا مترادفة، وقد تكون في الأسماء كإنسان ورجل وامرؤ وآدمي هذه مترادفة، التي تدل على مدلول واحد من الأسماء أو من الأفعال، فيعبرون عن المعاني بألفاظ متقاربة وليست مترادفة، يعني أنها تكون بمعان فرق قريب بعضها من بعض، فإن الترادف في اللغة قليل ، يعني الترادف الذي هو كون الكلمات دالة على معنى واحد قليل.
وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم، الذي هو عطف كلمتين بمعنى واحد، الغالب أن العرب تقتصر على كلمة ولا تحتاج إلى مرادف، فالغالب أنها تقول: قام ولا تقول: قام ووقف، قعد ولا تقول: قعد وجلس، ويكتفون بكلمة واحدة وإن كانت اللفظة بمعناها وكذلك في القرآن لا يذكر في القرآن لفظتان بمعنى واحد إلا نادرا أن يقول .. يعبر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه بل يكون فيه تقريب لمعناه، يعني الألفاظ التي يعبر بها في الغالب أنها تكون كمثال لا أنها تأتي على الألفاظ كلها ولا على المعاني كلها إنما هي للتقريب.
ولهذا جاء في القرآن كلمات احتاجت إلى التفسير فمثلا قوله: ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا فلم يقل: اسجدوا على وجوهكم وعلى أيديكم وأرجلكم وركبكم بل قال: اسجدوا لأن اللفظ يحتاج إلى بيان فذكر مجملا وجعل بيانه من مسمى اللغة يكون فيه تقريب للمعنى، وهذا جعلوه من أسباب إعجاز القرآن من أسباب كون القرآن معجزا أنه يأتي بالألفاظ المختصرة ، ويدخل فيها عموم آيات كثيرة، يدخل فيها أشياء تدخل في بعضها، ففسر مثلا قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ إذا قيل إنهم اليهود، فيدخل في ذلك المشركون والنصارى والشيوعيون وأشباههم، فإنهم جميعا مغضوب عليهم، فلا حاجة إلى أن يقول غير اليهود والنصارى والبوذيين والهندوس والمشركين وما أشبه ذلك، أطلق عليهم هذا الوصف حتى يعم ذلك جميعهم، مثل بقوله: يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا قال: المور هو الحركة سواء كانت تقريبا ..إذ الحركة خفيفة سريعة، وقيل: إن المور هو الحركة يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ يعني تتحرك، لكن يقول: إن العرب تعني بالمور حركة خفيفة سريعة.