القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
100000 مشاهدة
حكم رواية الإسرائيليات وبيان من اشتهر بروايتها

وما لم يكن كذلك فكان مما يؤخذ عن أهل الكتاب كالمنقول عن كعب ووهب ومحمد بن إسحاق وغيرهم ممن يأخذ عن أهل الكتاب، فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة، وذلك أن كعب الأحبار يثق به كثير من السلف وينقلون عنه أخبارا غير صحيحة تسمى الإسرائيليات، وكذلك وهب بن منبه وهو أيضا عنده كتب من كتب بني إسرائيل وقد أكثر بعض المفسرين من النقل عنه، منهم ابن جرير نقل عنهما كثيرا في كثير من المواضع، وكذلك البغوي فتجدون في تفسير قوله تعالى: وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ روايات كثيرة، ابن كثير رحمه الله أعرض عنها وروى فيها حديثا مرفوعا، وحقق أنه أيضا ليس بمرفوع؛ لأنه رواه عن ابن عمر مولاه نافع وجعله مرفوعا إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- ورواه عنه ابنه سالم وجعله منقولا عن كعب ثم قال ابن كثير سالم أحفظ لحديث أبيه من نافع فتبين أن الحديث المرفوع لم يثبت.
كذلك أوردوا عند تفسير قوله تعالى: وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ حكايات كثيرة في صفة قتل جالوت وكيف قتله داود حكاية يشهد العقل الصريح بكذبها، وكذلك أوردوا في قصة أيوب في سورة الأنبياء في قوله وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ حكايات كثيرة يعلم أنها لا أصل لها، وكذلك أوردوا في قصة داود في قوله: إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ إلى آخر حكايات أيضا كثيرة كلها من الإسرائيليات، وأشباه ذلك كثير.
فمثل هذه الإسرائيليات التي عن كعب ووهب وكذلك عن محمد بن إسحاق صاحب السيرة، وكان أيضا عنده بعض الكتب التي نسخها من كتب بني إسرائيل، وغيره ممن يأخذون عن أهل الكتاب هذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه فقولوا مثل ما قال الله قال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ هذا إيمان مجمل، آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مثل الإيمان المجمل في قوله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ إيمانا مجملا، ما كان فيه من حق فإنا نقبله وإن كان في غير شرعنا نؤمن به إيمانا مطلقا ويكفينا العمل بما في شرعنا، وكذلك ما نقل عن بعض التابعين وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب، وكذلك من التابعين أيضا ينقلون عن أهل الكتاب ينقلون عن كعب وعن وهب وعن كتب أخذوها أيضا استنسخوها من كتب بني إسرائيل.