إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) logo إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
shape
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
117181 مشاهدة print word pdf
line-top
نماذج من التفسير بالرأي

يظهر هذا كثيرا في تفسير كثير من المتكلمين كتفسير البيضاوي وأبي السعود والنسفي .
هؤلاء يفسرون القرآن بالرأي ولا يذكرون أدلة، أعطاهم الله تعالى فصاحة ومعرفة باللغة؛ فصاروا يحملونه على ما يفهمونه دون أن يرجعوا إلى أسباب النزول، أو دون أن يرجعوا إلى أقوال السلف الذين أنزل القرآن في عهدهم والذين هم أعلم بمعانيه.
الأولون راعوا المعنى الذي رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان، يعني: كهؤلاء المبتدعة, يعني: كالخوارج والمعتزلة والروافض ونحوهم. المعنى الذي رأوه واعتقدوه راعوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن، وألفاظ القرآن واضحة الدلالة وواضحة البيان؛ ولكن لما كان هؤلاء مخالفين في الاعتقاد عند ذلك حملوا الآيات ما لا تحتمله وحرفوا الكلم عن مواضعه.
ذكر شيخ الإسلام في موضع من كتبه أن المعتزلة فسروا قول الله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا قالوا: كلمه: جرحه بأظافير الحكمة، فنفوا ما يعتقدونه من أن الله تعالى لا يتكلم، نفوا ظاهر الآية بناء على ما يعتقدونه ونسوا دلالات الآيات ونسوا سياق الآيات، ونسوا الآيات الأخرى التي تصرح بخطأ ما قالوه.
وهي آيات كثيرة مثل آيات النداء وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ والنداء كلام. ومثل قوله تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فلما كانوا يعتقدون أن الله تعالى لا يتكلم ثقل عليهم معنى هذه الآية.
فبعضهم حاول أن يحرف اللفظ، جاء واحد منهم إلى أبي عمرو أحد القراء السبعة، وقال: أريد أن تقرأ هذه الآية: ( وكلم اللَّهَ موسى تكليما ) أي: موسى هو الذي كلم الله، ولكن أبا عمرو رحمه الله قال له: هب أني أو أنت قرأت هذه الآية كذلك فكيف تصنع بقول الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ؟ فبهت ذلك المعتزلي؛ لأن هذه الآية لا يمكن تحريفها فحرفوها بأن قالوا: كلمه جرحه، ونسوا قوله: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ونسوا أو تناسوا آيات النداء وأمثلة تحريفهم كثيرة.

line-bottom