الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه logo لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
shape
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
124691 مشاهدة print word pdf
line-top
القول فيمن عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم

يقول: وفي الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك، بل مبتدعا يعني يصير مبتدعا؛ لأنه أضاف إلى أقوال الصحابة والتابعين أقوالا لا دليل عليها، حمله عليها ما يعتقده من المعتقدات الباطلة، وإن كان مجتهدا مغفورا له خطؤه، وليس كل مجتهد بمصيب.
فإن المقصود بيان طرق العلم وأدلته وطرق الصواب. المقصود من التفاسير أن المفسر يبين معنى الآية، لا أنه يحملها على معتقده، فإذا كان أشعريا وتحامل في الآيات وحملها على ما يعتقده ولم يبين أقوال السلف رحمهم الله كان بذلك مخطئًا؛ لأن تفسير السلف والصحابة والتابعين أقرب؛ وذلك لأنهم شاهدوا التنزيل، ولأنهم تلقوا معناها وتفسيرها عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، ولأنهم أعلم باللغة ممن جاء بعدهم.
يقول: ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، قرءوه على النبي صلى الله عليه وسلم. وتقدم أنهم كانوا إذا قرءوا عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها. قالوا: فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعا. ونعلم أيضا أنهم أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنهم أخذوا الحق عنه شفاها، تلقوا الرسالة عنه، تلقوا رسالته التي أرسل بها.
وهم أعلم بالقرآن وهم أعلم بالسنة وهم أعلم بالأحكام. فإذا خالف تفسيرَهم أحدٌ كان ذلك المخالف مخطئا، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم أخطأ في الدليل والمدلول. أخطأ حيث أتى بأقوال مبتدعة، وحيث استدل بأدلة لا دلالة فيها، وحيث حرف المدلول عما هو عليه.
معلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها إما عقلية وإما سمعية، كما هو مبسوط في موضعه. فشبهات المعتزلة عقائدهم، وشبهات الخوارج وشبهات المرجئة، وشبهات الروافض، وشبهات الجهمية، ونحوهم عقلية أو نقلية. فيحملون الآيات والأحاديث على ما يعتقدونه؛ فيدعون أن تلك شبهة ويسمون تحريفهم هذا تأويلا، ويقولون: إن الحامل عليه أننا نريد الجمع بين الأدلة السمعية والعقلية، حتى لا تتعارض وحتى لا تعارضنا هذه الأدلة التي هي واضحة الدلالة ومقطوع بصحتها.
يقولون في تعريف التأويل: إنه صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح بدليل يقترن به، فيقولون مثلا: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى إن الاستواء له تفسير راجح وتفسير مرجوح. التفسير الراجح هو العلو، فاستوى يعني: علا وارتفع، والتفسير المرجوح هو الاستيلاء، فنختار المرجوح بدليل يقترن به وهو أن يتفق مع الدليل العقلي؛ فإن الدليل العقلي عندهم ينفي صفة العلو فهذا هو تأويلهم.
يقول: والمقصود هنا التنبيه على مثار الاختلاف في التفسير يعني على أسبابه وأن من أعظم أسبابه البدع الباطلة التي دعت أهلها إلى أن حرفوا الكلم عن مواضعه، بدع هؤلاء المبتدعة، رافضة أو معتزلة أو نحوها دعت أهلها وحملتهم إلى أن حرفوا الكلم عن مواضعه، فسروا الكلام بتفاسير بعيدة وفسروا الإرادة وفسروا السمع والبصر بتفاسير بعيدة؛ لتوافق معتقدهم وفسروا كلام الله وكلام ورسوله صلى الله عليه وسلم بغير ما أريد به، أي بتفاسير بعيدة عن ما أراد الله تعالى بكلامه، وتأولوه على غير تأويله وحملوه محامل بعيدة عن أن تكون مرادة لله تعالى.

line-bottom