اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
100007 مشاهدة
وقوع التأويل في شرح الحديث كما في التفسير

يقول: وكذلك وقع من الذين صنفوا في شرح الحديث، يعني: أن هناك من غلطوا أيضا في تفاسير الأحاديث النبوية، كما غلطوا في تفاسير الآيات القرآنية، فحملوا الأحاديث على ما يهوونه، إذا جاءتهم الأحاديث التي تتعلق بالصفات فإما أن يردوها ويقولون: إنها آحاد، وإما أن يحرفوها عما تتضمنه كتحريفهم لأحاديث الشفاعة، ولأحاديث الرؤية.
لما كانوا ينكرون رؤية الله في الآخرة في الجنة أخذوا يؤولون الآيات. وكذلك يؤولون الأحاديث التي في إثبات الصفات، في إثبات الرؤية وفي إثبات صفة الوجه، وما أشبه ذلك فينكرون ذلك. سمع بعضهم رجلا يدعو بالدعاء المشهور الذي فيه: وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة فقال له منكرا: هب أن له وجها فكيف يمكنك أن تنظر إليه وأن تتلذذ بالنظر إليه؟ فقال ذلك الداعي: أنا متبع ولست بمبتدع لا ترد عليَّ رُد على الذين رووا هذا الحديث وهذا الدعاء. فإنه دعاء ثابت لا شك في ثبوته، فيحملون مثلا الوجه على الذات؛ لأنهم ينكرون صفة الوجه لله تعالى.
والحاصل أن هناك قوما صنفوا في شرح الأحاديث، فإذا جاءتهم الأحاديث التي تخالف معتقدهم في الأسماء والصفات سلكوا مسلك تأويلهم للآيات، فيفسرونها من جنس ما وقعوا فيه من تأويل الآيات من جنس ما وقعوا فيما صنفوه في شرح القرآن وتفسيره، وهؤلاء ليسوا جهلة وإنما حملهم على ذلك ما يعتقدونه، فأصروا على هذا المعتقد وتتابعوا عليه، متأخرهم يقلد متقدمهم.