جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
shape
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
138444 مشاهدة print word pdf
line-top
تلقي الصحابة الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم

ثم ذكر بعد ذلك من لم يجد التفسير في الوحيين في القرآن والسنة، يقول: وأحيانا إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة فأين نأخذه؟ يقول: رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة رضي الله عنهم. وقد تقدم أن الصحابة رضي الله عنهم تلقوا الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعلموا الآيات ثم تعلموا العمل بالآيات. تعلموا العمل بهن، وتعلموا أيضا من النبي صلى الله عليه وسلم المعاني، كما تقدم عن عبد الله بن حبيب السلمي قال: حدثنا الذين يقرئوننا عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وغيرهما؛ أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها، قال: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا. فهذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم المعاني كما يعلمهم الألفاظ.
ثم إن بعضهم ينسب التفسير إلى نفسه، ولا يذكره مرفوعا، كأنهم مالوا إلى الاختصار، يفسر الآية من نفسه؛ وذلك مع كونه أخذه مرفوعا، أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو تفسير الكثيرين. يوجد تفاسير عن كثير من الصحابة ولا يصرحون بأنه منقول، وإنما يذكرونه كتفسير من أنفسهم؛ مع أن مثله لا يقال بالرأي. فيكون له حكم الرفع.
ذكر العلماء في مصطلح الحديث أن الحديث الموقوف قد يكون مرفوعا حكما ، وأن المرفوع ينقسم إلى قسمين: مرفوع صريحا، ومرفوع حكما. والمرفوع حكما هو الذي يتكلم به الصحابي ولا يسنده لا يرفعه، ولكن نعرف أنه لا يتجرأ عليه، ولا يقوله من قبل نفسه؛ فإن في ذلك تجرؤا على الله.
والصحابة رضي الله عنهم قد نزههم الله تعالى فهم أورع من أن يقولوا على الله تعالى بلا علم؛ فإن القول على الله بلا علم كبيرة قد يكون أكبر من الشرك، ثم قال تعالى: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ وقال تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وأخبر تعالى بأن الذين يتخبطون في الحلال والحرام أنهم مخطئون؛ لقوله: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ .
فالصحابة أورع من أن يتخبطوا في الأحكام، فإذا رأينا لهم تفاسير توضح الآيات المجملة، ولم يكن للرأي فيها مجال؛ حملناها على أنها مرفوعة، وفي ذلك تفصيل يأتي إن شاء الله.
يقول: إن الصحابة أدرى بذلك؛ لما شاهدوه من القرآن؛ يعني هم الذين حضروا التنزيل، وعرفوا أسبابه، وشاهدوا نزوله وما شاهدوه من الأحوال التي اختصوا بها، يعني خصائصهم وهي صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحضور التنزيل، ولما لهم من الفهم التام.
أيضا أن لهم فهما ليس لغيرهم. فهمهم أقوى من فهم غيرهم وأسلم، ولما لهم من العلم الصحيح، ولما لهم من العمل الصالح، والعمل الصالح سبب للعلم، اقرأ قول الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ فهم أورع الناس وأتقى الناس؛ فلا جرم علَّمهم الله تعالى وفتح عليهم، وكل من أصلح عمله؛ فإن الله تعالى يصلح قوله.

line-bottom