إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. logo الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
145004 مشاهدة print word pdf
line-top
المواقيت والحكمة التي شرعت من أجلها

........ تارة إلى هذه المشاعر، ونذكر الحكم والمصالح التي تترتب على فعلها؛ ليعرف المسلم أنه على بصيرة من دينه، وأن ربنا سبحانه ما أمر بشيء إلا وفيه مصلحة، ولا نهى عن شيء إلا وفيه مضرة، وما أمر إلا بما فيه حكمة ظاهرة بينة، فنقول أولا:
أول ما يجب على المسلم أداء أو فعل الإمكانيات التي يعملها في السفر، السفر قديما كان فيه مشقة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وراحته، فإذا قضى نهمته فليسرع الفيئة في هذه الأزمنة -والحمد لله- سهل السفر، وأصبح يسيرا يقطع بسهولة.
من حكمة الله تعالى أنه جعل للحج مواقيت، مواقيت مكانية ومواقيت زمانية، فالمواقيت الزمانية أجملها الله بقوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ أي: زمن الحج إنما يكون في أشهر معلومات، معلومات للأمة، أعلمهم بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلم بها الناس أيضا قبل الإسلام مما ورثوه؛ فلذلك لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره.
فلا يصح أن يحرم بالحج في رمضان أو في شعبان أو في رجب أو في جمادى، بل لا بد أن يكون الإحرام في أشهر الحج التي هي: شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة، بمعنى أن الإنسان لو أحرم في يوم العيد -عيد الفطر- أحرم بالحج مفردا أو قارنا فإنه يبقى على إحرامه إلى يوم عيد النحر، حيث يطوف بالبيت ويرمي الجمرة فيحلق ويتم حجه -وإن كان عليه مشقة- ولكن يصح منه ذلك أن يبقى محرما شهرين وعشرة أيام، فالإحرام صحيح إذا أحرم به في أشهره.
ولكن الله تعالى رحيم بعباده، إذا أحرم بالحج مفردا في مثل هذا اليوم، أي في يوم العيد عيد الفطر، أو في أول شهر ذي القعدة، أو في أول شهر ذي الحجة؛ فإن له رخصة في أن يتحلل بأن يفسخ، يفسخ إحرامه ويجعله عمرة، ويحرم بعد ذلك بالحج في يوم التروية، الذي هو اليوم الثامن -هذا اليوم- وإن بقي فإن له ذلك، إذا قال: أختار أن أحرم مفردا وأبقى على إحرامي شهرين أو شهرين وعشرة أيام أو عشرة أيام أو نحو ذلك، أختار أن أبقى على ذلك، ولو عليَّ مشقة، ولو طال الشعر، شعر الشارب مثلا وشعر الرأس وشعر البدن، وطالت الأظفار، وشَعُثَ رأسه؛ فإنه يحتسب بذلك. هذه مواقيت الحج الزمانية.
وأما مواقيته المكانية بيّنها النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبر بأن لأهل كل جهة ميقات، فمن جاء من نجد وجهة المشرق جعل ميقاتهم قرن المنازل الذي يعرف الآن بالسيل الكبير ومن جاء من جهة المدينة وجهة الشمال فميقاته من ذي الحليفة ومن جاء من مصر والشام والمغرب فميقاتهم من الجحفة ومن جاء من جهة الجنوب من اليمن والتهم وتلك الأماكن فميقاتهم من يلملم .
جعل الله تعالى هذه المواقيت محيطة بالحرم من جهاته الأربع، وإن كان هناك جهات لا تمر بالميقات فإنهم يحاذون أقرب ميقات إليهم ويحرمون منه، فأهل العراق جعل عمر -رضي الله عنه- لهم ميقاتا اسمه ذات عرق ويعرف الآن بالضريبة ولكن لا يمره طريق مسفلت؛ فلأجل ذلك أهل العراق وأهل خراسان وأهل الهند والسند وأهل البلاد الشرقية يحرمون من قرن المنازل .
فهذه المواقيت محيطة بجهات الحرم -بجهاته الأربع- فمن مر معها وهو قاصد مكة لأجل حج أو عمرة فعليه أن يحرم، ولا يتجاوز الميقات إلا بعدما يحرم، ومن كان من دونها فإنه يحرم من بيته إذا كان منزله أقرب منها، كأهل جدة ونحوها يحرمون من أماكنهم ومن بيوتهم، ومن كان طريقه لا يمر بميقات يحرم إذا حاذى أقرب ميقات، وإذا لم يحاذ فإنه يحرم إذا بقي بينه وبين مكة مرحلتان، أي مسيرة يومين يعني بسير الإبل.
ميقات أهل المدينة بينه وبين مكة عشر مراحل، يسيرون عشرة أيام على الإبل، وميقات أهل الشام بينه وبين مكة مسيرة ثلاث مراحل أي ثلاثة أيام، وكذا ميقات أهل اليمن السعدية أو يلملم بينه وبين مكة قريبا من ثلاثة أيام أو أقل بقليل.
ميقات أهل نجد وميقات أهل المشرق الذي هو الضريبة بينه وبين مكة مرحلتان أي مسيرة يومين، من جاء في الطائرة فإنه يحرم إذا حاذى الميقات، إذا حاذى قرن المنازل أحرم، وكذلك إذا جاء من جهة الشام وحاذى الجحفة وإن كان الناس يحرمون من رابغ إذا حاذى ذلك فإنه يحرم.
أما من يأتي من السودان ومن إفريقيا في الطائرة أو في الباخرة ونحو ذلك فإنه يحرم من مطار جدة ؛ لأنهم لا يمرون بشيء من المواقيت، فيحرمون من الميناء، أو يحرمون إذا حاذوا الميناء، أو قاربوا من مطار جدة ؛ لأنهم لا يمرون بشيء من المواقيت، وكذلك من جاء من جهة جيزان أو اليمن يحرمون إذا حاذوا السعدية .
فهذا دليل على حرمة هذا البيت ومكانته، وأنهم يحرمون قبل أن يصلوا إليه.
إذا وصلوا إلى هذا الميقات فإنهم يتجردون من لباسهم، يتركون اللباس المعتاد، سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- ماذا يلبس المحرم ما يلبس المحرم؟ فقال: لا يلبس القميص ولا العمامة ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، ولا ثوبا مسه ورس أو زعفران، ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين .
هكذا جاء في هذا الحديث أن المحرم يتجرد من لباسه المعتاد، فلا يلبس قميصا، وهو كل ثوب له جيب وله أكمام، فيدخل في ذلك الدراعة والجبة والفانيلة والبالطو، وجميع هذه الألبسة، السراويلات أيضا، يدخل في ذلك جميع ما يفصل على العورة كالسراويل المعروف، وكذلك البنطلون، وكذلك ما يسمى بالهات أو التبان، لا يلبس مثل هذه.
كذلك أيضا لا يلبس على رأسه شيئا، فلا يلبس القلنسوة -التي هي الطاقية- ولا يلبس العمامة، ولا كل ما يلبس على الرأس على أنه وقاية أو ستر للرأس، ولا يلبس الخفاف التي تستر القدم وتستر الكعبين.
إنما أحرم النبي -صلى الله عليه وسلم- بإزار ورداء ونعلين، هذا هو الذي يلبسه المحرم: إزار يشده على عورته ورداء يجعله على ظهره، رخصوا له أن يحمل المنطقة التي فيها متاعه، أو ما يسمى بالهميان، وهو المعروف بالكمر، يجعل فيه نفقته، فهذا يحمله ويلبسه للحاجة، وكان بعض مشائخنا شددوا في أول الأمر فنهوا أن يلبس الساعة اليدوية، ثم رخصوا بعد ذلك، وكذلك أيضا رخصوا في لبس النظارة التي يتقوى بها البصر لأجل الحاجة.
وأما الحذاء فإنه يلبس النعلين، وإذا لم يجد النعلين فإنه يلبس الخفين، واختلفوا هل يقطعهما أو لا يقطعهما؟ فأكثر العلماء على أنه يقطع الخفين حتى يكونا أسفل من الكعبين؛ عملا بحديث ابن عمر والرواية الثانية أنه لا يقطعهما؛ لأن في ذلك إفساد لهما، ولأنه جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما كان في عرفة خطب الناس وقال: من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد الإزار فليلبس السراويل .
رخص في السراويل أن تلبسه ولو لم تشقه، ولو لم تجعله كهيئة الإزار، وكذلك رخص رخصة عامة في الخفين، ولم يأمر في هذا الوقت بقطعهما، فدل ذلك على أنه يباح لبس الخفين بلا قطع إذا لم يجد نعلين، وأما إذا وجد النعلين فلا يلبس الخفين لا مقطوعتين ولا غير مقطوعتين، فاللباس المعروف الآن بالكنادر لا يلبسها إلا إذا لم يجد نعلين، ولو كانت مقطوعة أسفل من الكعبين، يعني أنها لباسها أسفل من الكعبين، وما دام أنه يجد النعلين فإنه يلبسهما.
اشتهر عند بعض العلماء أنه لا يلبس المخيط، فقال: كل مخيط لا يلبسه. وبعضهم قال: إنه لا يلبس المحيط، الذي يحيط بجزء من البدن، فلأجل ذلك لا يلبس الشراب في القدمين؛ وذلك لأنه محيط بالقدم، ولأنه شبيه بالخفين، ولا يلبس القفازين التي تلبس على اليدين؛ وذلك لأنها تستر جزءا من البدن، ولا يلبس القبعة التي تكون على الرأس التي يلبسها الجنود ونحوهم، لا يلبس هذه القبعة إذا كان محرما.
ومن احتاج ولبس شيئا من ذلك فإن عليه فدية، إذا احتاج وغطى رأسه لشدة برد أو لشدة ألم في رأسه فإنه يفدي؛ بأن يصوم ثلاثة أيام عن لباس الرأس، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف الصاع من الأرز ونحوه أي كيلو ونصف، أو يذبح ذبيحة إذا احتاج ولبس على رأسه سترا، وكذلك أيضا لو احتاج ولبس على بدنه قميصا أو عباءة ذات أكمام أو فروة ذات أكمام لبسها فإن عليه أيضا فدية وإحرامه صحيح، حيث إنه فعل ذلك لحاجة، ولكن لما كانت هذه الحاجة محرمة نُهي عن أن يفعلها إلا لحاجة، وأُمر بأن يُخرج هذه الفدية.

line-bottom