(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
121462 مشاهدة
الحث على الإكثار من فعل الطاعات أيام الحج

وإذا كان الإنسان في هذا العمل؛ فإنه يزداد، يزداد إقبالا على عمله، يزداد إقبالا على طاعة الله تعالى ويتمسك بها، ولا يجوز له أن يجمع بين طاعة ومعصية.
إذا كنت في طاعة فأكثر من الطاعات، أكثر من ذكر الله -تكبيره وتهليله وتسبيحه- أكثر من التلبية؛ لأنها شعار للحاج، أكثر من القراءة- قراءة القرآن-؛ فإنها- أيضا- من الأعمال الصالحة. أكثر من الدعاء؛ الدعاء الخالص، اعمل بقول الله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ .

في هذين اليومين أو ثلاثة الأيام أو خمسة أيام يجتهد المسلمون في هذا.
قال الله تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ هكذا أخبر. وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ يعني: يكثرون ذكر الله تعالى؛ لأنه رزقهم، وسخر لهم بهيمة الأنعام.
وكذلك- أيضا- أمر بالذكر في أيام التشريق، فقال تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ وقال تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ثم قال تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا .
كان أهل الجاهلية إذا انتهوا من منى جعلوا يتفاخرون، وكل منهم يذكر مفاخر آبائه وأجداده وقبيلته؛ نحن الذين فعلنا، ونحن الذين فعلنا؛ فقال الله تعالى اجعلوا بدل ذكر آبائكم ذكر الله- أو أكثر-. فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا .
كذلك- أيضا- قال تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ الأيام المعدودات ثلاثة أيام بعد العيد، هذه- أيضا- محل ذكر الله تعالى، يذكرون الله بالتلبية قبل الرمي، ويذكرون الله تعالى بالتكبير بعد الصلوات، أو بالتلبية بعد الصلوات إذا كانوا لم يتحللوا، ويذكرون اسم الله عند ذبح البهائم التي أحلها الله وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ .
ويذكرون الله عند الأكل، ويذكرونه عند الشرب؛ لأن هذا من النعم التي أباحها الله؛ ولأن الله يرضى عن العبد بذلك. قال النبي- صلى الله عليه وسلم- إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها يعني: يعلم أنها نعمة من الله تعالى. فهكذا علينا أن نكثر من ذكر الله في هذه الأيام. وكذلك في بقية الأيام، وفي بقية الأعمار؛ لنكون من الذين امتثلوا أمر الله تعالى.
كذلك -أيضا- نحن في هذين اليومين نتقرب إلى الله تعالى بترك ما أباحه لنا مما كان حلالا؛ كالترفه بأخذ الشعر أو الطيب أو بالصيد أو نحو ذلك؛ ونتقرب إليه بالأعمال التي نعملها.
الحجاج في هذا اليوم مقيمون في هذا المكان وفي هذا المشعر، وكذلك أيضا متلبسون بالإحرام؛ فواجب عليهم أن يحفظوا أنفسهم عن الآثام والمحرمات، واجب عليهم أن يكثروا من ذكر الله، وعليهم أن يواظبوا على الصلوات، وأن يحافظوا عليها.
لهم قصر الصلاة؛ قصر الأربع إلى ركعتين. الظهر يصلونها في وقتها ركعتين، والعصر في وقتها ركعتين، والعشاء في وقتها ركعتين.
وكلما انصرفوا من صلاة جهروا بأصواتهم، جهروا بالتلبية، رفعوا أصواتهم بقول: لبيك اللهم لبيك، إلى آخر ذلك.
التلبية شعار الحجاج، شعار لهم، ومعناها لزوم الطاعة. إذا قلت: لبيك؛ فمعناه: أنا مقيم على طاعتك؛ لبيك يا ربِّ، أنا مقيم على طاعتك؛ إقامة بعد إقامة، ليس إقامة مؤقتة.
ليس هذه الإقامة في وقت دون وقت؛ بل المؤمن مقيم على طاعة الله؛ فلذلك يقول: لبيك اللهم لبيك.
كان المشركون يلبون، ولكن يدخلون في تلبيتهم الشرك. يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. يستعملون السجع في كلامهم. فلما كانوا يقولون هذا، إذا قالوا: لبيك لا شريك لك؛ النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة يسمعهم ويقول لهم: قط- أي حسب- لا تزيدوا لبيك لا شريك لك صدقتم؛ أنه لا شريك له فلا تزيدوا، ولا تبطلوا تلبيتكم، ولا تبطلوا أعمالكم بقولكم: إلا شريكا.
ولذلك أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- التوحيد في هذه التلبية مرتين لا شريك لك ؛ فقال: لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك كلمة لا شريك لك جاء بها مرتين تأكيدا للتوحيد؛ أن الله تعالى ليس له شريك.
لا شريك له؛ يعني: لا أحد يشاركه في الخلق، ولا يشاركه في الرزق، ولا يشاركه في التدبير، ولا يشاركه في استحقاق العبادة، ولا يشاركه في أهليته للألوهية؛ فهو الإله وحده، لا يشاركه في الألوهية أحد؛ ولأجل ذلك يكرر هذه التلبية؛ لأجل أن يرسخ التوحيد في قلبه.
تكرر هذه التلبية كلما ارتفع في مكان مرتفع، أو هبط في مكان منخفض، أو أقبل الليل أو أقبل النهار، أو صلى مكتوبة أو ركب مركوبه أو نزل منه، أو سمع من يلبي، أو تلاقت الرفاق، أو فعل شيئا من المحظورات ناسيا؛ فإنه يجدد هذه التلبية، ويستمر عليها.
تنتهي التلبية إذا شرع في الرمي يوم العيد. يقول ابن عباس وأسامة والفضل لم يزل النبي -صلى الله عليه وسلم- يلبي حتى رمى جمرة العقبة .
لا بأس مع ذلك بالتكبير؛ فإن التكبير في هذه الأيام مأمور به. أمرنا بالتكبير في قوله تعالى: لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .
وذلك لأن التكبير ذكر. الإنسان إذا قال: الله أكبر في الصلاة، أو في الأذان، أو إجابة الأذان، أو قاله في الذكر الذي بعد الصلاة؛ فإنه- والحال هذه- يتذكر كبرياء الله؛ أن الله تعالى أكبر من كل شيء، وحينئذ يعظم قدر ربه في قلبه؛ فعليه- والحال هذه- أن يواظب على هذا التكبير، وعلى التهليل والتسبيح.
وهذا مجتمع في التكبير المعتاد؛ إذا قال: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد؛ فجمع بين التحميد والتكبير والتهليل، والتسبيح أيضا روي في بعض الروايات أنه يقول: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وتعالى الله جبارا قديرا، وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا؛ فيكون جمع في هذا بين أنواع الذكر.