إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه logo القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
149561 مشاهدة print word pdf
line-top
الرسالة الأولى: بيان الأربع مسائل التي يجب على المسلم معرفتها وأدلتها

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، صلى الله وسلم على أشرف المرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اختار الإخوة أننا في كل صباح- في هذه الأيام- نقرأ في العقيدة-أي: التوحيد- وفي الحديث، وفي شيء من السيرة.
وقع الاختيار على ثلاثة الأصول، وهي طويلة؛ ولكن نأخذ منها أماكن. وكذلك على الحديث الأربعين النووية، نأخذ منها- أيضا- أحاديث مختارة.
فنبدأ في هذا الصباح- إن شاء الله- بثلاثة الأصول.
ثلاثة الأصول المطبوعة ثلاثة رسائل مشهورة، ولسعرها خففت بعض الطبعات..، جعلت أربعا أو خمسا.
فالرسالة الأولى: في الأربع مسائل التي يجب على الإنسان معرفتها.
والرسالة الثانية: في ثلاث مسائل يجب على الإنسان معرفتها.
والرسالة الثالثة: في تفصيل الأصول الثلاثة.
والرسالة الرابعة: في أربع قواعد. والرسالة الخامسة: في شروط الصلاة وواجباتها وأركانها.
ولعلها جميعا قد تكررت؛ وذلك لأنا أدركنا مشائخنا قبل خمس وأربعين سنة- أو في هذه الحدود- يلقنونها إخوانهم وأولادهم في المساجد.
يحضرون واحدا كل يوم أو اثنين ويلقنونهم؛ من ربك؟ ولأي شيء خلقك الله؟ وأول شيء أمرك الله به؟ وبما عرفت ربك؟ وما المراد بالعبادة التي خلقك الله لها؟ وما دينك؟ وهكذا.
وفي هذه العلوم التي يتلقاها العامي معرفة وفائدة، وما ذاك إلا أنه يتربى على هذه الفوائد، وهذه العلوم التي هي ضرورية.
فنبدأ في هذا الصباح بهذه العقيدة في أربع مسائل.
وهذه رسالة تحث على العلم. ذكر فيها أنه يجب على كل مسلم أن يتعلم أربع مسائل:
الأولى: العلم، والثانية: العمل به، والثالثة: الدعوة إليه، والرابعة: الصبر على الأذى فيه. وهي مرتبة؛ لا بد من ترتيبها.
المرتبة الأولى- أو المسألة الأولى- العلم؛ أي: تعلم العلم، وبالأخص العقيدة، تعلم العقيدة التي يعقد عليها القلب.
ومن جملتها معرفة الأصول الثلاثة؛ فإذا تعلمها وعرفها؛ فعليه بعد ذلك أن يعمل بها ويطبقها.
فإذا عمل بها؛ فعليه أن يدعو الناس إليها، وإلى تعلمها؛ فإذا دعا الناس فعليه أن يتحمل ويصبر على الأذى الذي يناله.
هذه هي الأربع على هذا الترتيب؛ فلا يعمل إلا بعد أن يعرف؛ لأن العمل بلا علم قد يقع في الجهل الذي يتخبط في العمل، وهو لا يعلم يقع في الجهل ويقع في الجدال.
فرض عليك أن تتعلم؛ ووسائل العلم ميسرة- والحمد لله- وسائل العلم ميسرة؛ فما بقي على المسلم إلا أن يتعلم.
كذلك- أيضا- العمل، لا بد من العمل قبل أن يدعو غيره، ويعلم غيره؛ فإن العلم هو ثمرة العمل، يقول بعض العلماء: العلم يهتف بالعمل؛ فإن أجابه، وإلا ارتحل.
فمن وفقه الله للعلم؛ فعليه أن يطبقه، وأن يعمل به، فإذا عمل به عملا كاملا؛ وفقه الله تعالى، وقبلت أعماله. وأما إذا علم ولم يعمل؛ فإن علمه وبال عليه.
كذلك بعض الناس قد يقول: ما يهمني إلا نفسي، أنا مسئول عن نفسي، لا حاجة لي أن أعلم الناس، ولا أقول لهم شيئا.
وهذا أيضا خطأ. إذا وفقك الله تعالى للعلم والعمل؛ فإن عليك أن تعلم الناس وتدعوهم؛ فإذا رأيت الجاهل علمته، وإذا رأيت الغافل نبهته، وإذا رأيت المتكاسل نشطته، وإذا رأيت العاصي نصحته.
هذا من واجب العالم العامل؛ دعوة الناس إلى هذا.
ولا تقل: إنني بحاجة إلى نفسي؛ بل إنك مسئول، وإنك مكلف بأن تعمل، ثم تعلم؛ وإذا لم تفعل كنت من الذين يكتمون ما آتاهم الله من العلم؛ يكتمون العلم؛ وكتمه يستحق عليه العقوبة.
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ كذلك بعد أن تدعو الناس وتعلمهم- تدعوهم إلى العلم، وتدعوهم إلى العمل- تأتي مرتبة رابعة؛ وهي الصبر؛ أي: أنه ينالك أذى، وينالك تعب، وينالك مشقة؛ فاصبر.
فاصبر على الأذى، واصبر على التعب. استدل الشيخ- رحمه الله تعالى- بهذه السورة-سورة العصر-؛ فإن الله تعالى قال: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - أي كل الإنسان في خسر؛ في خسارة- إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ .
الإيمان هو العلم، يعني: أيقنوا، واعترفوا، واعتقدوا عقيدة راسخة في قلوبهم، وعملوا الصالحات؛ يعني: طبقوا العلم الذي هو الإيمان بالعمل.
ثم بعد ذلك تواصوا، أوصيك يا أخي بالعلم، وأوصيك بالعمل، أوصيك بتقوى الله، وأوصيك بتحقيقها، يوصي بعضهم بعضا. تواصوا بالعلم، وتواصوا بالعمل.
تواصوا بالحق :؛ يعني؛ بأن يوصي بعضهم بعضا أن يتعلموا، ويوصي بعضهم بعضا أن يعملوا.
بعد ذلك تواصوا بالصبر. الصبر: تحمل المشقة.
فالحاصل أن هذه الرسالة دلت على هذه الأربع مسائل في هذه السورة.
وفيه آية أخرى ذكرها تدل-أيضا- على أنه لا بد أن يتقدم العلم، وهي قوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ .
أمره الله بأن يتعلم؛ فاعلم. ثم بعد ذلك أمره بالعمل. الخطاب لكل إنسان؛ اعلم أيها الإنسان؛ أي: تعلم معنى لا إله إلا الله، ثم استغفر، اعمل؛ فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.
فعلينا أن نعرف أهمية هذه الأربع. أهمية العلم، ثم أهمية العمل، ثم أهمية الدعوة، ثم أهمية الصبر.
ومن الأدلة –أيضا- قول الله تعالى في قصة لقمان يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ .
فأمره أولا بالعمل؛ أَقِمِ الصَّلَاةَ ثم أمره بالتعليم؛ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ثم أمره بالصبر أي: التحمل.
فدعاه إلى العمل؛ معلوم أنه لا بد قبل العمل من العلم؛ فكأنه دعاه إلى العلم الذي يكون ثمرته العمل، ثم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم إلى الصبر.
والصبر قد يدخل فيه الصبر على المشقة التي تنال الإنسان، أو الصبر على الأذى الذي يسمعه.
ومعنى وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ أي: أوصى بعضهم بعضا؛ بأن يقول: يا أخي، اصبر على المشقة، اصبر على التعب؛ فإنه لا بد من التعب.
ويضرب له المثل بالأنبياء الذين قد صبروا، وأمر الله –تعالى- بالاقتداء بهم. قال تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ؛ يعني: أصحاب العزم فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ وقال تعالى: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ .

line-bottom