لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
141380 مشاهدة
كلمة عن: أهمية طلب العلم ونشره وعقوبة كتمان العلم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نقول: اللهم لا تؤاخذنا بما يقولون، واغفر لنا ما لا يعلمون. لم نصل إلى هذه الحالة التي يتنازل عنها كبار مشائخنا. سمعت بعض مشائخنا الذين لهم مكانة عندما أثني عليه في مقدمة محاضرة أو كلمة، اعتذر عن ذلك وقال: لست من العلماء، وإنما أنا طويلب علم.
فهكذا صغر نفسه، وأنه لا يزال طالب علم؛ ذلك لأنا لم نصل إلى رتبة العلماء الربانيين الذين قال الله تعالى في حقهم: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ فالإنسان مهما بلغ عليه أن يحس بأنه لا يزال ناقصا، ولا يزال بحاجة إلى التزود مهما بلغ، ومهما بلغت رتبته.
ثبت عن الإمام أحمد رحمه الله -مع ما آتاه الله من العلم- أنه كان يقول: من المحبرة إلى المقبرة. المحبرة: هي الدواة التي يكتب بها ما يستفيده من الأحاديث، فهو يقول: إنني ألازمها، وأكتب ما أسمعه من الفوائد، وما أسمعه من الأحاديث، ومن الحكم، ومن الأحكام، ولا أترك ذلك، ولو بلغت ما بلغت.
فنقول: إننا جميعا بحاجة إلى التعلم والاستفادة والتزود، ولا يجوز لأحدنا أن يقتنع بما حصل له ويقول: قد وصلت إلى النهاية، وقد وصلت إلى الاكتفاء، اكتفيت بما حصلت عليه، فأنا قد بلغت نهاية التعلم ونهاية العلم. ليس له ذلك وإن بلغ ما بلغ، وإن حصل على رتبة عليا، أو شهادة عالية؛ فإنه لا يزال بحاجة إلى الزيادة.
ولا يجوز لأحد أن يزكي نفسه بأنه عالم، أو بأنه عالم ومطلع على كذا وكذا؛ فإنه لا يزال ناقصا وبحاجة إلى التعلم؛ ولذلك نهى الله تعالى عن تزكية النفس في قوله: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى وكذلك أيضا يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ التزكية: هي مدح الإنسان نفسه، بأنه يحمل كذا من المؤهلات، وبأن عنده من العلم كذا ما ليس عند غيره. هذا من التزكية التي نهي عنها، والتي فعلها اليهود؛ فنهى الله تعالى المؤمنين أن يفعلوها.
كذلك أيضا لا يجوز مدح الإنسان بشيء لم يبلغه فالبحور؛ بحور العلم لم يبلغها جهابذة العلماء لا يوصفون بالبحور إلا على وجه المبالغة.
وبكل حال نقول: لا يمنع الإنسان أن يبلّغ مما علم؛ إذا تعلم شيئا من العلم ولو كان قليلا، فإن عليه أن يبلغه ويبينه لمن هو بحاجة إليه ولو كان شيئا قليلا.
تعرفون ما ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أول ثلاثة الأصول الأربع المسائل:
الأولى: العلم. والثانية: العمل به. والثالثة: الدعوة إليه. والرابعة: الصبر على الأذى فيه.
فإن العلم فسره: بمعرفة الأصول الثلاثة: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه؛ أي متى علم ذلك من أمور العقيدة، فإن عليه أن يعمل به، وإن عليه بعد ذلك أن يعلمه ويبينه ويبلغه.
ومعلوم أيضا أن الله تعالى أخذ العهد على العلماء أن يبينوا؛ ولو كان العلم الذي علموه قليلا؛ فإن عليهم مسئولية في أن يبينوا ويبلغوا ما تحملوه من العلم ولو قليلا، فكل من حمل فائدة أو مسألة من المسائل وعمل بها فإن عليه أن يبينها، وأن يبلغها لمن يجهلها، أو لمن لم يعمل بها، وبذلك يكون قد خرج من العهدة، وإلا فإنه محاسب على ما تعلمه؛ حيث لم يعمل به أو لم يبينه.
ولأجل ذلك ما أخذ الله تعالى العهد على الجهال أن يتعلموا؛ حتى أخذ العهد على العلماء أن يعلموا ويبينوا؛ يبينوا ما لديهم من العلم، قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ الناس يعني: الذين يجهلونه: وَلَا تَكْتُمُونَهُ لا تكتموه وأنتم تعلمونه: فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ عابهم الله تعالى بذلك، وهذا توبيخ لهذه الأمة، ألا يكتم علماؤهم ما أعطاهم الله تعالى وما من به عليهم، فيقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ فالكتاب الذي أنزله يعم الكتب السماوية السابقة، ويعم الكتاب الذي أنزل على هذه الأمة.
فهذا هو السبب في أن كل من كان عنده علم فلا يحتقر نفسه، ولو كان العلم الذي عنده قليلا؛ إذا عرف بأن هناك من هم بحاجة إلى هذا العلم الذي عنده فلا يحتقر نفسه، ولا يقول: أنا لا أزال مبتدئا، أو أنا لم أبلغ رتبة العلماء الربانيين، أو قد فاتني علم كثير، بل يعلمهم مما علمه الله؛ حتى لا يكون من الذين يكتمون ما أنزل الله كما في هذه الآية؛ فإن الله توعدهم بقوله: أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ما ذكر لهم ذنبا إلا الكتمان: يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ ؛ يعني القرآن: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ثم قال: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فاشترط في توبتهم أن يبينوا، وأن يوضحوا ما أنزل الله عليهم، أو ما عرفوه وحفظوه، فإذا لم يبينوا؛ فإنهم داخلون في هذا الوعيد: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا .
وكذلك قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ .
وعيد شديد، ما ذكر الله لهم إلا أنهم يكتمون ما أنزل الله من الكتاب؛ يعني ما علموه وما تعلموه من الكتاب؛ أي من الكتب السابقة، أو من هذا القرآن الذي أنزله الله تعالى علينا: وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ؛ أي حظا قليلا من الدنيا، يكتمون العلم الذي أعطاه الله إلى نبيه وتعلموه؛ ويحافظون بذلك على مناصبهم وعلى منزلتهم عند الناس وعلى شعبيتهم عند العامة. ويقولون: إذا بينا لهم الحق سقطت منزلتنا عندهم.
فتوعدهم الله تعالى بذلك؛ حيث إنهم إما أن يقولوا: لا نعلم، وهم يعلمون. وإما أن يتأولوا النصوص التي وردت في بعض الأمور المحرمة ويغيروها عن وضعها؛ فيكونون بذلك قد كتموا الحق، وكتموا ما أنزله الله وبدلوه.
وكذلك أيضا ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد الكاتمين بقوله: من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار وهذا أيضا وعيد شديد؛ إذا سئل وكتم العلم الذي يعلمه، إذا كان يعلم نصا صحيحا، ويعلم دليلا قويا، ويعلم حكما من الأحكام؛ ومع ذلك سأله جاهل، فكتم ما عنده أو غيره وبدله أو تأوله بتأويل بعيد عن ظاهره؛ حتى لا يخالفه أحد أو حتى يرضي جماهير الناس الذين يثقون به، فلا شك أنه متوعد بهذا الوعيد: ألجم يوم القيامة بلجام من النار .
كذلك أيضا الأحاديث كثيرة في الأمر بالبيان، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ليبلغ الشاهد منكم الغائب لما أنه خطبهم في حجة الوداع في موقفهم بعرفة وبين لهم كثيرا مما أرسل به، فبين لهم تحريم الربا، وبين لهم تحريم القتل والأخذ بالثأرات الجاهلية، وبين لهم حقوق النساء عليهم، وكذلك أيضا بين لهم حرمة البلد الحرام، ونحو ذلك مما بينه. قال لهم بعد ذلك: ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلَّغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه .
وكذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: نضر الله امرأ سمع منا حديثا فوعاه وأداه كما سمع .
فهذا يذكركم أنكم قد تعلمتم والحمد الله، وقد حفظتم علما كثيرا، وحفظتم مما تعلمتموه في رحلتكم هذه، وكذلك أيضا فيما تعلمتموه سابقا في دراسات نظامية أو في حلقات علمية أو في كتب إسلامية أو في مجالس علمية أو في خطب منبرية، حفظتم كثيرا من العلوم التي فيها بيان الحق، وفيها معرفة الحق بدليله؛ فأصبحتم -والحمد لله- قد حملتم هذه العلوم، ولا بد أنكم تتصلون بمن يجهل شيئا من هذه العلوم، يجهله ويخفى عليه دليله؛ فلهذا نقول: إن على الإنسان أن يبين ما تعلمه لمن يجهله.
أما نحن فقد قمنا بما يسر الله تعالى من التعليم بقدر الاستطاعة، ونعترف بالنقص، ونعترف بالتقصير، فالواجب علينا وعليكم كبير وكثير في بيان الحق والدعوة إلى الله تعالى، وتفقيه الناس، وما أشبه ذلك.