إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
88911 مشاهدة
تفسير القرآن بالرأي المجرد حرام

بعد ذلك ذكر التفسير بمجرد الرأي ما حكم تفسير القرآن بمجرد الرأي؟ فيقول: حرام. ثم هذه الأسانيد: قوله: حدثنا مؤمل حدثنا سفيان عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ويظهر أن هذه أسانيد عبد الرزاق أو أسانيد الإمام أحمد وذلك لأنها عالية وسفيان هنا هو الثوري والإمام أحمد لقي سفيان بن عيينة ولم يلق الثوري فإذا حدث عنه بواسطة عن سفيان فإنه الثوري هذا الحديث عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار وعيد شديد؛ يعني إذا قال بغير علم، تخبط في القرآن وفسره بما يهواه، أو تميل إليه نفسه فليتبوأ مقعده من النار هذا الإسناد صحيح.
كذلك الإسناد الثاني، وهو عين الإسناد الأول إلا أن شيخ الإمام أحمد اختلف، الأول حدثنا مؤمل والثاني حدثنا وكيع كلاهما عن سفيان عن عبد الأعلى الثعلبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار نفس الحديث.
وكذلك قال به إلى الترمذي قال: حدثنا عبد بن حميد حدثني حسان بن هلال حدثنا سهيل أخو حزم القطعي حدثنا أبو عمران الجوني عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ وهذا أيضا إسناد لا بأس به إلا أن سهيلا فيه كلام قال الترمذي هذا حديث غريب، وقد تكلم بعض أهل العلم في سهيل بن أبي حزم وهو أخو حزم القطعي ؛ ولكن يشهد له الحديث الذي قبله: من قال في القرآن بغير علم هنا قال: في القرآن برأيه هنا قال: فأصاب فقد أخطأ لماذا أخطأ؟ أخطأ لأنه تدخل في القرآن وهو لا يعلم.
يقول: وهكذا روى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم شددوا أن يفسر القرآن بغير علم، تشددوا في ذلك.
وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهم من أهل العلم أنهم فسروا القرآن؛ فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن وفسروه بغير علم أو من قبل أنفسهم؛ إذا علمنا بأن مجاهدا فسر القرآن كله، وأن قتادة يقول: ما في القرآن آية إلا وقد علم فيها شيئا، فهل نقول: إنهم تخبطوا في القرآن؟ يُنزهون عن ذلك! يحملهم ورعهم على أن لا يتخبطوا في القرآن.
يقول: وقد روي عنهم ما يدل على ما قلنا أنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم؛ وإنما تكلموا بالعلم، تكلموا بما فتح الله تعالى عليهم أو أخذوه عن الصحابة الذين أخذوا القرآن وأخذوا معانيه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم. فمن قال في القرآن برأيه فقد تكلف ما لا علم له به. وعلى ذلك يُحمل ما روي عن قتادة أنه قال: خلق الله النجوم لثلاثة: زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يُهتدى بها؛ فمن تكلف فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به. أَخَذَ ذلك من الآيات القرآنية، فدل على أن من تأول في النجوم غير ما ذكر الله تعالى في القرآن؛ فإنه تكلف ما لا علم له به وسلك غير ما أُمِرَ به.