شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
أوصاف القرآن الكريم
حاجة الأمة ماسة إلى فهم القرآن الذي هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم. هذا استنباط من هديه عليه السلام الذي في سنن الترمذي اسم> حديث طويل الذي رواه الحارث الأعور اسم> عن علي اسم> رضي الله عنه أنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما المعتمد فذكر هذه الصفات في القرآن. فقال: رسم> عليكم بالقرآن فإنه حبل الله المتين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء. من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم. من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله متن_ح> رسم> .
هذه من صفات القرآن ، والحديث طويل مشهور؛ ولكنه ضعيف؛ لضعف إسناده عن الحارث الأعور اسم> فإنه كذاب كما ذكر ذلك بعض المفسرين.
الحارث الأعور اسم> يقال له: أبو عبد الله اسم> تلميذ لعلي اسم> ومع ذلك فقد ذكروا أنه كذاب.
روى مسلم اسم> في مقدمة صحيحه عن الشعبي اسم> قال حدثني الحارث الأعور اسم> وكان كذابا. واشتهر أيضا كذبه في كثير من الأحاديث. ومع ذلك فلما كانت الميزة لعلي اسم> فإن الرافضة يقدسونه، ويعظمونه، حتى ألف بعض المعاصرين تأليفا في ترجمته، والرد على الذين ضعفوه . ولكن الجمهور على أنه ضعيف.
وكتاب .. تحقيق أحمد شاكر اسم> للمسند لما جاء إلى ترجمته في أول حديث مر به عن علي اسم> قال: إنه فيه كلام كثير تصحيح وتضعيف ونستخير الله تعالى ونقدم المضاعفة. ثم أخذ يضعف كل حديث يرويه الحارث اسم> عن علي اسم> .
ولكن هذه الصفات صحيحة منطبقة على القرآن، فإنه حبل الله المذكور في قوله تعالى: رسم> وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا قرآن> رسم> فسر بأنه القرآن. وهو الذكر الحكيم في قوله تعالى: رسم> مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ قرآن> رسم> وهو الصراط المستقيم في قوله: رسم> وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ قرآن> رسم> إلى آخر ما ذكر.
والمؤلف ما جزم بأنه حديث، وذلك لأنه يعرف بُعده.
استدل على هذه الصفات بهذه الآيات. من الآيات آيات سورة طه قول الله تعالى: رسم> فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى قرآن> رسم> لا شك أن الهدى هنا هو الكتاب والسنة الذي جاء به النبي محمد اسم> صلى الله عليه وسلم من اتبعه رسم> فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى قرآن> رسم> والاتباع يراد به التمسك به، والعمل الصحيح. رسم> وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي قرآن> رسم> يفسر الذكر هنا بأنه ذكر الله تعالى باللسان وبالقلب وبالجوارح، ويفسر الذكر بأنه هو القرآن؛ لأن الله تعالى سماه ذكرا في آيات كثيرة، كقوله تعالى رسم> إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قرآن> رسم> يعني القرآن.
ولأن فيه تذكير الناس كقوله تعالى: رسم> لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ قرآن> رسم> رسم> فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا قرآن> رسم> يعني ضيقة، ولو كان في الدنيا في سعة عيش. رسم> وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قرآن> رسم> قيل: إنه عمى حقيقي، وفسر بأنه أعمى عن حجته. ولكن قوله: رسم> لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قرآن> رسم> يدل على أنه العمى الحقيقي الذي هو طمس العينين. رسم> قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا قرآن> رسم> يعني القرآن؛ أعرضت عنها. رسم> وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى قرآن> رسم> على حد قوله تعالى: رسم> نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ قرآن> رسم> .
ثم ذكر الآيات من سورة المائدة رسم> قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ قرآن> رسم> سماه نورا يستضاء به، ومبينا أي بَيِّن واضح الدلالة. رسم> يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ قرآن> رسم> السبل: الطرق السوية التي من سار عليها نجا. رسم> مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ قرآن> رسم> يعني: من قصد رضا الله تعالى هداه الله. رسم> وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ قرآن> رسم> الظلمات يعني: الجهالات، والكفريات، والنور هو: الإسلام. رسم> وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ قرآن> رسم> يعني: طريق سوي.
ثم ذكر الآيات من أول سورة إبراهيم اسم> رسم> الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ قرآن> رسم> هذا الكتاب هو القرآن تخرج به الناس رسم> مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ قرآن> رسم> الصراط هنا: هو الطريق السوي، وأضافه إلى الله تعالى رسم> الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ قرآن> رسم> .
كذلك الآيات من آخر سورة الشورى رسم> وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا قرآن> رسم> وهو هذا القرآن. والروح ما تحصل به الحياة الحقيقية. وقد يطلق على ما تحصل به الحياة المعنوية. فالحياة الحقيقية هي الحركة، فمثلا كل حي متحرك إذا خرجت روحه فإنه يبقى جسدا لا حركة فيه. يقال: خرجت روحه الآن يعني مات. وإن كانت قد تخرج ثم تعود كما في النوم أو نحوه. ولكن هاهنا الروح روح معنوية يحصل بها حياة القلوب. حياة القلوب حياة معنوية بمعنى انتباه المسلم ومعرفته لما خلق له، وحياة قلبه بحيث يعرف ما ينفعه وما يضره، يكون ذلك بواسطة تعلمه لهذا القرآن رسم> رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا قرآن> رسم> يعني بأمرنا. رسم> مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ قرآن> رسم> يعني قبل ما ينزل إليه ما كان يدري ما الكتاب. رسم> وَلَا الْإِيمَانُ قرآن> رسم> حتى أنزل الله تعالى عليه الوحي. رسم> وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا قرآن> رسم> فسماه روحا وسماه نورا. رسم> نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا قرآن> رسم> .
المشيئة هاهنا: هي المشيئة القدرية، يعني: من قدر الله تعالى هدايته فإنه يهتدي بهذا النور. رسم> وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ قرآن> رسم> الهداية هاهنا: هداية الدلالة. رسم> وَإِنَّكَ لَتَهْدِي قرآن> رسم> أي: لتدل من اتبعك رسم> إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ قرآن> رسم> الصراط هنا هو الطريق الذي يسار عليه؛ ولكن السير عليه إنما هو بالأعمال ليس بالأقوال. صراط بالأعمال، وليس صراطا يسار عليه بالأقدام ولا بالأقوال فقط؛ بل التطبيق العملي رسم> صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ قرآن> رسم> ملكا وخلقا وعبيدا. رسم> أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ قرآن> رسم> .
ذكر أنه كتب هذه المقدمة مختصرة، ولو توسع فيها لقدر على أن يجعلها مجلدا أو أكثر بحسب تيسير الله تعالى. من إملاء الفؤاد: يعني أنه أملاها من قلبه، أملاها من صدره، ولم يحتج فيها إلى مراجعة كتب، ولا إلى أخذ من نقول. من تيسير الله تعالى من إملاء الفؤاد والله الهادي إلى سبيل الرشاد.
مسألة>