قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. logo اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
shape
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
117264 مشاهدة print word pdf
line-top
أفضل ما يكون في حكاية الخلاف عن بني إسرائيل

يقول: فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف ؛ أن تستوعب الأقوال. يعني تسرد الأقوال كلها في ذلك المقام، ثم ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، يبين بطلان الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ فيقال: ثمرة الخلاف كذا وكذا؛ لئلا يطول النزاع والاختلاف فيما لا فائدة تحته؛ فيشتغل به عن الأهم؛ وذلك لأن الذين يحكون أقوالا لا طائل تحتها يشغلون الناس بما لا فائدة فيه؛ فالأولى إذا كان هناك أقوال أن تذكر الأقوال، ثم بعد ذلك يبين الصحيح منها؛ ليكون الذي يختار قولا يقتصر على القول الصحيح.
وكذلك يحكي كثير من العلماء، منهم ابن الجوزي في تفسيره المشهور، فإنه يذكر في كل آية عددا من الأقوال؛ ولكنه مع ذلك لا يرجح؛ فيقول: فيها ثلاثة أقوال؛ الأول كذا، والثاني كذا، والثالث كذا، فيها قولان، فيها خمسة أقوال. والأولى أنه إذا ذكر الأقوال يرجح ما يختاره، وإن كان ترجيحه قد يكون مرجوحا.
يقول: فأما من حكى خلافا في مسألة، ولم يستوعب أقوال الناس فيها؛ فهو ناقص. يأتي ببعض الأقوال دون بعض، فهذا ناقص تفسيره وحكايته، وقد يكون الصواب هو القول الذي تركه. يعني قد يكون القول الذي تركه هو القول الذي أولى بالصواب.
أو يحكي الخلاف ويتركه، يحكي في المسألة قولين أو ثلاثة، ولا يبين ما هو الأرجح، يطلق الخلاف ولا ينبه على الصحيح من الأقوال؛ فهذا أيضا ناقص، فإذا فتح الله تعالى عليه وترجح عنده أحد الأقوال؛ فإن عليه أن يبين ما ترجح عنده، وأما إذا لم يترجح عنده شيء؛ فله أن يطلق ذلك، ويقول: الله أعلم. إذا لم يترجح عنده شيء يقول: هذه أقوال ويمكن أن يكون القول الصواب فيها، ويمكن أن تكون كلها صوابا.

line-bottom