اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
166623 مشاهدة print word pdf
line-top
الحث على التوبة الصادقة بعد الرجوع من الحج

نعرف أن الإنسان الذي جاء إلى هذه المشاعر قصده- إن شاء الله- الأجر والثواب من الله تعالى فإذا كان كذلك فإن عليه أن يصدق التوبة، وأن يتوب إلى الله توبة صادقة.
ذكر بعض مشايخنا عن مشايخهم أنه كان في المسجد الحرام قريبا من الباب حفرة يسمونها حفرة التوبة وأن العاصي الذي وقعت منه معاصٍ إذا جاء هناك رفع يديه وقال: يا ربِّ إني تائب. ولكن تلك الحفرة لا أساس لها؛ وإنما التوبة تكون في كل الأماكن. ولكن الإنسان الذي جاء إلى هذه المشاعر، المشاعر والشعائر: البيت الحرام والمقام والحجر والصفا والمروة ومنى ومزدلفة وعرفة والجمرات والأعمال التي تعمل فيها جاء لأجل أن يتعلم، وجاء لأجل أن يعمل وأن يتعبد.
فإذا كان كذلك فإن عليه أن يرجع تائبا مخلصا يتيقن أن صَدَقَ اللهَ تعالى في توبته. يمتثل قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا يتوب من كل الصغائر، ومن كل الكبائر، ومن كل الذنوب. ويعاهد الله على ألا يخل بالعبادات: فرائضها وسننها ونوافلها. ويعاهد ربه على ألا يرتكب محرما، وعلى ألا يفعل ذنبا أيا كان ذلك الذنب أو يقف في آثار الصالحين. يعرف أن الصحابة قد طافوا بهذا البيت فيقتدي بهم. ويعرف أنهم قد وقفوا في هذه المواقف فيتذكر أحوالهم.

ويعرف أيضا أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قد وقف في هذه المشاعر فعند ذلك يعرف أنهم أهل التقى وأهل الإيمان وأهل العلم وأهل الديانة، وهم أولى بأن يقتدى بهم وأن تتبع آثارهم. لم يكونوا يفعلون شيئا من المحرمات، ولا يتركون شيئا من الواجبات. يمتثلون ما أمر الله به من ترك المحرمات كقول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ .
وحرم الله تعالى الاعتداء على كل مسلم. وحرم الظلم بجميع أنواعه: الظلم الذي بين العبد وبين ربه، والظلم الذي بينه وبين نفسه، والظلم الذي بينه وبين العباد.
فإذا عرف أن ذلك كله مما حرمه الله فإن عليه أن يعاهدَ اللهَ تعالى. يقول ابن عباس رضي اللهُ عنهما: إن الإنسانَ إذا استلمَ الحجرَ أو أشارَ إليهِ فكأنه يعاهدُ ربه. يقول: إن من استلمه فكأنه استلم يمين الله فكأنه يقول: أعاهدك يا ربِّ في هذه البقعة المباركة وعند بيتك المحرم أني لا أعود إلى ذنب، وأني أتوب من صغير الذنوب وكبيرها، وأني أرجع متأثرا بهذه الأعمال التي أنا أعملها والتي تقربت بها إليك. إذا كان كذلك فلا شك أنه سيتأثر ويرجع تائبا، ويقبل الله عمله، ويضاعف له أجره.
فأما إذا رجع وهو على عادته على تفريطه في العبادات، وعلى تأخره عن الصلوات وعلى تأخير الجماعات، وعلى تعاطيه للمسكرات أو للمخدرات، وعلى سماعه للأغنيات أو للملاهي وما أشبهها، وعلى تعاطيه للمعاكسات أو ما أشبهها على تفريطه وعلى معاصيه رجع إلى ما كان عليه قبل الحج؛ فقد يكون حجه غير مقبول وغير مستفاد منه، فلا يكون تائبا توبة صادقة.
ذكر العلماء أن للتوبة ثلاثة شروط أو أربعة:
الشرط الأول: الإقلاع عن الذنوب، والشرط الثاني: الندم على ما فات، والشرط الثالث: العزم على ألا يعود، والشرط الرابع ويختص بالمظالم: أن يرد المظالم إلى أهلها.
فأما من قال بلسانه: إني تائب، أتوب إليك وهو مع ذلك مستمر في السيئات وفي ترك الطاعات فليس بصادق ولا تقبل توبته. وكذلك الذي يقول: أنا تبت ومع ذلك يتمدح في المجالس ويقول: أنا قد زنيت بفلانة كذا وكذا، وقد فعلت سكرت وشربت، أو قد اقتنيت كذا وكذا من المحرمات. فهذا يتمدح بالمعاصي فلا تقبل توبته، ولا تكون توبة نصوحا.
وهكذا أيضا الذي يتوب في وقت محدد أو مكان محدد كأن يتوب في هذه المشاعر ولكن في نيته أنه إذا رجع إلى بلاده عاد إلى ما كان عليه من الإهمال ومن التفريط فلا تقبل التوبة.
فعلينا أن نرجع صادقين في توبتنا. كل ذنب صغير أو كبير يعمله المسلم يتفطن أن الله تعالى حرمه فيتوب عليه. فمثلا حرم الله تعالى التكبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر ؛ لأنه يتكبر على الله ويتكبر على عباده.والله تعالى يقول: العظمة إزاري والكبرياء ردائي ؛ فيتوب من ذلك ويتواضع. يتواضع لعباد الله ويتواضع لربه سبحانه وتعالى.
كذلك أيضا من جملة ما حرمه قوله تعالى: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا أي تكبرا وإعجابا بنفسك. تمشي في الأرض مرحا. وقال تعالى: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ يعني تترفع عليهم. وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ يتجنب هذه الأخلاق لعله بذلك يكون مقبول السعي.
كل منا يحرص على ألا يكون سعيه ضائعا، على ألا يكون تعبه لا يستفاد منه. أنت قد تعبت وقد خسرت وأنفقت جزءا من مالك، وتركت بلادك وتركت أهلك وتركت أموالك وحرفك وتجاراتك ووظائفك وأعمالك لماذا تركتها؟ أنت تركتها لأجل أن تحصل على المغفرة، وأن تحصل على المباهاة. إن الله يباهي بأهل عرفة ملائكته تركْتَها لأجل أن تكون من أهل الثواب الأعظم. فإذا كانت هذه نيتك فاصدق مع الله تعالى، وحقق هذا القصد الذي هو طلب وجه الله تعالى، والذي هو الأعمال الصالحة التي يحبها الله سبحانه وتعالى.
نكتفي بهذا في باب الوصايا ولنشتغل بالأجوبة على الأسئلة.

line-bottom