الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. logo إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
145029 مشاهدة print word pdf
line-top
بيان الأسرار والحكم والمصالح التي شرعت من أجلها أعمال الحج

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يسرنا هذا اللقاء بهذه الوجوه النيرة الطيبة المسفرة، ونرجو أن نكون جميعا من المتحابين في الله، المتباذلين في الله، المتزاورين في الله، الذين هم عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين، الذين يغبطهم الأنبياء والشهداء.
في هذه الأمسية طلب منا محاضرة بعنوان:
(أسرار وأحكام من الحج)
وحيث إن أحكام الحج متكررة، ومعروفة بالفعل وبتكرار ذكرها، سيما على المواطنين والحمد لله، فـنقتصر على الأسرار؛ الأسرار والحكم والمصالح التي شرعت هذه العبادات لأجلها؛ وذلك لأن كثيرا قد ينتقدون بعض تلك الأحكام، ويعترضون على بعضها لماذا شرعت؟ وماذا يستفاد منها؟ وما أشبه ذلك. وهذا واقع، ولكن الذي يقع منهم -والعياذ بالله- يغلب عليهم أنهم ليسوا موحدين، وليسوا مصدقين حق التصديق.
أتذكَّر أن أحد الإخوة ذكر لي أن فلانا يعرفه أنه قال: إن من ضعف عقولنا أن نطوف بكوم أحجار، يريد بذلك: الكعبة المشرفة اعتبر ذلك من الضياع، ومن ضعف العقول، واعتبر أنه كوم أحجار؛ يعني مجموعة أحجار، وهذا لا شك أنه اعتراض على الله تعالى في شرعيته، واعتراض على الشرع الشريف، ولعل بعضكم قرأ رسالة للشيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله تعالى- جوابا عن أسئلة أوردها بعض الزنادقة، رفعت إلى منشئ مجلة المنار بمصر الذي هو محمد رشيد رضا أسئلة فيها شك أو فيها اعتراض على بعض الأحكام التي تتعلق بالمناسك، فأجاب عنها صاحب المنار بجواب ظاهر ولم يظهر له قصدها.
ثم إن الشيخ سليمان اطلع على مقاصدهم، واعتبرهم ملاحدة أو زنادقة، ورد عليهم برسالته المطبوعة التي طبعها في الرد عليهم وسماهم زنادقة، بعنوان: إقامة الحجة والدليل وإيضاح المحجة والسبيل على ما موه به أهل الكذب والميل من زنادقة أهل البحرين من مؤلفات الصارم المسلول على أعداء الرسول. الشيخ العالم العامل ومن تشد لفضله شهب الرواحل الشيخ سليمان بن سحمان الحنبلي النجدي، لا زال ملحوظا بعين عناية المعيد المبدى . هكذا في عنوان هذه الرسالة.
وقد اعترضوا على الطواف مطلقا، واعترضوا على تقبيل الحجر الأسود واعترضوا على الصعود على الصفا والمروة والسعي بينهما، واعترضوا على الخروج من مكة إلى جبل الرحمة إلى عرفة واعترضوا على رمي الجمار؛ وكأنهم يدعون أن هذا كله ضياع، وأن أهل ذلك وأن الذين يفعلون هذه الأفعال قد خسروا وقد ضلوا، وقد أنفقوا أموالا في غير فائدة، وغير ذلك من اعتراضاتهم، وقد أجابهم -رحمه الله- بجواب واضح؛ يتبين به الكثير من الحكم والمصالح التي شرعت لأجلها هذه المشاعر.
وأحب أن أذكر الحكم والمصالح على وجه السؤال والجواب فأقول:
أولا: إذا قيل: لماذا شرع الحج مع ما فيه من التكلفة، ومع ما فيه من قطع المسافات؟
فإن البعض قد يأتون من مسافة سنة أو مسيرة نصف سنة، ويغيبون عن أهلهم عدة أشهر، وينفقون أموالا كثيرة، فلماذا شرع هذا؟ ألا يكفي أنهم يتعبدون في بلادهم؟
ألا يكفي أنهم ينفقون تلك النفقات في مصالح في بلادهم؟ هذا سؤال يفرضه كثير من الذين يعترضون على الشريعة.
والجواب:
أن ربنا سبحانه حكيم فيما يقدره ويشرعه، وأننا نعتقد أنه ما أمر بأمر إلا وفيه مصلحة، ولا نهى عن شيء إلا وفيه مفسدة ومضرة، ولا شك أن من جملة الأوامر التي فيها مصلحة شرعية هذا الحج إلى بيت الله العتيق ؛ فإن فيه هذه العبادات البدنية وهذه العبادات المالية التي هي نفقات ينفقونها، ويرجون أن الله تعالى يتقبلها، وأنه يضاعف لهم الأجر عليها.
كذلك أيضا لا شك أن فيه عبادات لا تحصل في غير ذلك المكان من هذا الطواف والسعي والوقوف والرمي وما أشبهها؛ فلا تحصل هذه العبادات في أي بقعة من بقاع الأرض.
كذلك أيضا فيه مشاهدة آثار الأنبياء والصالحين والعلماء والأئمة؛ وأئمة الدين، ففي ذلك مصالح عظيمة هذا مجملها.
ولعلنا أن نفصلها فيما بعد، فنذكر الحكمة في الإحرام، والحكمة في محظورات الإحرام، والحكمة في الطواف، والحكمة في عدده، والحكمة في تقبيل الحجر أو استلامه، والحكمة في الصلاة خلف المقام، وكذلك في السعي وفي الوقوف وفي المبيت، وفي الرمي، وفي الحلق وفي النحر وما أشبه ذلك؛ ليعرف المسلم أن ربه سبحانه ما أمر بأمر إلا وله فيه حكمة وفيه مصلحة عظيمة، لا يعرفها إلا من تعقل وتأمل في آيات الله تعالى وفي مخلوقاته.
ولقد تكلم العلماء على المصالح وعلى الفوائد التي تحصل من العبادات مطلقا؛ فمنهم الفقهاء الذين كتبوا في الفقه، وكتبوا في الأحكام إذا أتوا على عبادة من العبادات بينوا الحكمة فيها، وإذا أتوا على محرم من المحرمات بينوا الحكمة في تحريمه، والآن نقول:
أولا: لماذا شرعت المواقيت التي وقتها النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
هذه المواقيت المكانية، لكل أهل جهة ميقات يحرمون منه، الحكمة في ذلك: أن الوافدين يعتبرون مجيبين لدعوة الله تعالى على لسان إبراهيم قال الله تعالى له: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ؛ فهم يعتبرون مجيبين لنداء الله تعالى. روي أنه صعد جبل أبي قبيس وقال: أيها الناس حجوا بيت الله أو كما روي .
فالحجاج إذا أقبلوا على تلك المشاعر، وقربوا من تلك الأماكن المقدسة، عند ذلك تلبسوا بهذه العبادة وظهر عليهم أثرها وأثر هذه الإجابة؛ فهذا هو السبب، فكل أهل جهة جعل لهم ميقات؛ فلأهل المشرق الذين هم أهل هذه البلاد ونحوها ميقات هو: قرن المنازل وكذلك لأهل الشمال الذين هم أهل المدينة ومن في طريقهم لهم ميقات، وكذلك أهل المغرب، وكذلك أهل الجنوب لهم هذه المواقيت .
إذا قيل: لماذا شرع هذا الإحرام؟
نحن نذكر بعض الحكم فيه؛ فذكر الفقهاء:
أولا: أن عند الإحرام يشرع النظافة؛ أن يغتسل ويتنظف، وأن يقص من شعر شاربه ومن شعر أظفاره وعانته وما أشبه ذلك، وأن يتطيب. الحكمة في ذلك: كانوا تطول مدة إحرام أحدهم؛ فقد يبقى نصف شهر وهو محرم، وقد يبقى عشرة أيام أو ما أشبه ذلك، وحيث إنه قد منع من أخذ الشعر بعد عقد الإحرام، ومن قص الأظفار؛ فإنه يتعاهد عند الإحرام هذه الأشياء؛ يقص شاربه ويقص أظفاره ونحو ذلك؛ لئلا تطول بعد الإحرام وهو ممنوع من أخذها، فإنه قد تطول ويتأذى بطولها، فأما إذا تعاهدها عند الإحرام فالغالب أنها لا تطول ولا تؤذيه بحيث إنها تطول كثيرا؛ لأنه تعاهدها قبيل دخوله في النسك.
وكذلك أيضا معلوم أنه قد منع من التطيب بعد التلبس بالإحرام. الحكمة في ذلك أنه يتطيب عند عقد الإحرام. لماذا؟ حتى إذا طالت مدته لا يتأذى بوسخ أو ما أشبه ذلك، لا يتأذى بشيء مما يتسخ به بدنه أو روائح ونحوها؛ فيكون حديث عهد بطيب.
ومن هذا نعرف أن في هذه الأزمنة لا تطول مدة الإحرام؛ أكثر ما تكون ثلاثة أيام أو نحوها، إذا أحرموا في اليوم الثامن وانتهوا من إحرامهم باليوم العاشر، ففي هذه المدة القصيرة، قد يقال: لا حاجة إلى تعاهد قص الأظفار ولا إلى قص الشارب وما أشبه ذلك؛ لأن الحكمة في ذلك هي خوفه أن يتأذى بذلك، وهذا الخوف قد لا يكون متحققا.
الحكمة في صلاة ركعتين، أو لماذا شرع الإحرام بعد صلاة؟
قد ذكر العلماء أنه يشرع أن يصلي بعد ركعتين إن كان في غير وقت نهي أو أن يصلي بعد فريضة، ولعل الحكمة في ذلك أنه يتذكر أنه في عبادة يدخل فيها، وأن أفضل ما يتعبد به قبلها أداء هذه الصلاة التي هي العبادة المشروعة، العبادة البدنية.
كذلك أيضا ما الحكمة في التلبية التي هي شعار الحاج؟
قالوا: إنها إجابة لنداء الله تعالى؛ حيث قال: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا فالتلبية تلبية للنداء؛ فإن قول المعتمر أو قول الحاج: لبيك اللهم لبيك، إجابة للطلب أي: أنا مجيب لندائك يا رب، أنا مجيب لكلامك. وتفسر التلبية بأنها: لزوم الشيء والإقامة عليه والتمسك به؛ فكأن الملبي يقول: أنا مقيم على طاعتك يا ربِّ وعلى إجابة دعوتك إقامة بعد إقامة، أنا ملتزم بما أمرتني به، متمسك به لا أحيد عنه ولا أتركه بقية حياتي، وأنا الآن أجبت دعوتك وتكلفت وجئت من مكان بعيد؛ إجابة لما فرضت علي، وأداء لما طلبت مني.
في هذه التلبية اعتراف بالوحدانية، وكذلك اعتراف لله تعالى بالملك. في تلبية النبي صلى الله عليه وسلم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك فاعترف أولا بعدم الشريك، وكرر: لا شريك لك مرتين؛ وسبب ذلك مخالفة تلبية المشركين؛ فإن المشركين كانوا يشركون في تلبيتهم؛ لأن التلبية مما بقيت في العرب من دين إسماعيل ولكن أدخل عليهم الشيطان فيها شركا.
وكان أول ما حدث ذلك في عهد أحد أكابرهم ومشهوريهم يقال له: عمرو بن خندف الخزاعي عمرو بن لحي بن خندف بن قمعة الخزاعي تمثل له الشيطان وهو يقول: لبيك لا شريك لك، فقال له الشيطان: إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، فكان يقولها وتقولها العرب: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك؛ فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قالوا: لبيك لا شريك لك، يقول لهم: قد قد أي اقتصروا على هذا القدر ولا تدخلوا فيها ما يفسدها، لا تزيدوا تلك الزيادة التي تفسد توحيدكم، ولكنهم يستمرون على تلبيتهم، فلما لبى صلى الله عليه وسلم كرر نفي الشريك مرتين: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك هذا نفي للشريك، ثم قال: إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .
فالحاصل أن هذه التلبية تعتبر عهدا بين العبد وربه، فالذي يحج ويلبي كأنه يلتزم ويتعهد ويقول: يا رب، إنني ملتزم بإجابة دعوتك، وإنني ملتزم بالإقامة على طاعتك إقامة بعد إقامة لا تنتهي، وإنني ملتزم يا ربِّ بالاعتراف بأنك وحدك المعبود، ليس لك شريك في عبادتك، وليس لك شريك في ملكك، فالملك لك وحدك، والنعمة منك وحدك، والحمد لك وحدك؛ يكرر هذا، ولا بد أنه يقوله عن اعتقاد، يقوله وقد أيقن؛ أيقن بأن الله تعالى هو الذي يعبد وحده لا يعبد سواه، وأيقن بأنه الذي له الملك وحده، وله الحمد وحده والنعمة منه وحده، والعبادة له وحده، ليس له شريك في ذلك؛ فإذا كان كذلك فإنه -بلا شك- يعتبر قد وحد الله تعالى، وقد أجاب دعوته عن صدق.
وعلامة ذلك أنه يتأثر بهذه التلبية، ويتأثر بهذه العبادات كلها؛ ولأجل ذلك يكرر هذه التلبية مدة بقائه على الإحرام، فإن كان في عمرة لبى حتى يبدأ في الطواف، وإن كان في حج لبى حتى يبدأ في الرمي. هذه هي التلبية الشرعية التي سنها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته.
بعد ذلك نقول: المحرم يتجنب محظورات الإحرام، لماذا أمر بأن يلبس لباسا خاصا؟ يتجرد من لباسه المعتاد، ويقتصر على إزار ورداء ونعلين؟
قالوا أولا: أن هذا شعار لمن تلبس بالإحرام، شعار وميزة يعرف به، إذا عرف الإنسان متوجها إلى هذه المشاعر، وقد ارتدى هذا اللباس عرف بأنه ممن قصد بيت الله لأداء هذه المناسك.
ثانيا: الحكمة في ذلك أن يعرف أن ربه أمره بمفارقة مألوفاته التي نشأ عليها، فقد عرف بأنه نشأ على محبة الكسوة النظيفة، ومحبة اللباس الكامل، ومحبة الأردية والأكسية الكاملة التي اعتادها، وبقي عليها، لا شك أنه -والحال هذه- إذا فارقها عرف أنه فارقها طوعا لله تعالى، وأنه مأمور بأن يفارق مألوفاته، وأن يتقرب إلى الله تعالى بترك هذه المألوفات.
ثالثا: لا شك أنه إذا كشف رأسه؛ إذا تقرب إلى الله تعالى بكشف رأسه؛ عرف أنه -وفي هذه الحال- قد تواضع لله وتضعضع له واستكان، عرف أنه- والحال هذه- قد تذلل لربه وقد خضع له وخشع، وقد تذلل لعبادته؛ فيلتزم بأداء كل العبادات، ويتذكر أن هذا التجرد طاعة لله تعالى، وأنه ما شرعه إلا لحكمة عظيمة.
كذلك أيضا: إذا لبس هذا اللباس تذكر أن هذا اللباس شبيه بلباس الموتى، شبيه بأكفان الأموات الذين يخرجون من الدنيا، وليس على أحدهم إلا هذه اللفافات التي يلف بها جسده؛ فيكون هذا أيضا يذكره الخروج من الدنيا، ويحمله على الاستعداد للدار الآخرة، ويحمله على أن يتأهب لما بعد الموت؛ للموت وما بعده.
لا شك أن الله تعالى عندما أمر نبيه بأن يتجرد من اللباس المعتاد، ويلبس هذه الألبسة. ثبت عنه أنه قال: لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرانس ولا السراويلات ولا الخفاف، ولا ثوبا مسه ورس أو زعفران... إلى آخر ذلك.
لماذا نهي المحرم عن أن يقص شعره أو يقلم أظفاره؟
الجواب: أن هذا شيء من الترفه؛ قص الشعر، وتقليم الأظفار يعتبر ترفها، ويعتبر فيه شيء من التنعم؛ لأنه إزالة شيء قد يكون فيه إثقال للإنسان أو ثقل عليه، ومع ذلك فإنه يعتبر طاعة وقربة، فنهي المحرم عن أن يقص شعره؛ لقوله تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ؛ لأجل أن يبقى هذا الشعر الذي بقاؤه عبادة وحلقه أيضا عبادة، وإزالته ترفه وتنعم، والمحرم مأمور بأن يبعد عن أسباب التنعم.
وهكذا أيضا منعه من التطيب في الحديث الذي ذكرنا أنه قال: لا يلبس ثوبا مسه ورس أو زعفران... ؛ لأنهما من أنواع الطيب، ولأنهما من خصائص طيب النساء، ولأن المحرم مأمور بأن يكون شعثا، وبأن يكون بعيدا عن الرفاهية؛ فأمر بأن يجتنب الطيب في ثيابه وفي بدنه، وهذا بعد عقد الإحرام، بعدما يدخل في النسك يتجنب هذه المحظورات التي هي: لباس المخيط، وتغطية الرأس، وحلق الرأس، وحلق الشعر، وتقليم الأظفار، والتطيب في الثياب أو التطيب في البدن، فهذه تسمى محظورات؛ وذلك أنه إذا تجنبها عرف أنه في طاعة وعبادة، فاستمر في طاعة الله تعالى بقية حياته، وبقي على هذه الطاعة والتزم بها، وعرف أنه ترك أشياء كانت مباحة له، ثم عرف أنه ما تركها إلا امتثالا لأمر الله وطواعية له.
كذلك أيضا المحرم منهي عن قتل الصيد؛ وذلك لأن الصيد مما تميل إليه النفس، ومما يحبه الإنسان، ومما يندفع إليه؛ صيد الظباء والوعول والأرنب والوبر وما أشبه ذلك، فمنع المحرم منه؛ ليمتثل أمر الله، وأيضا ليفطم نفسه عما تميل إليه.
كذلك لماذا منع المحرم من النكاح ومقدماته؛ لقول الله تعالى: فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ؟ والرفث فسر بأنه الوطء أو مقدماته.
الجواب: أن المحرم في عبادة، وأن هذه من لذات النفس؛ يعني عقد النكاح مما تهواه النفس، وتميل إليه، وكذلك الوطء الذي هو الجماع، هو أيضا مما تميل إليه النفس، وكذلك مقدماته من التقبيل والضم والمباشرة وما أشبهها. يمنع المحرم من ذلك؛ حتى يستحضر أنه في عبادة، وأن هذه العبادة التي يتقرب بها فيها أجر كبير، ويستحضر أيضا أنه -والحال هذه- يترك شهوات النفس، ويترك ما تميل إليه، ويستحضر أنه يثاب على ذلك مع أنه من المباحات، وقد يكون أيضا من المستحبات، ومع ذلك فإنه يثاب على تركه؛ لأن في ذلك تعبدا بترك مألوفات النفس؛ لأن النفس تميل إلى شهواتها، فهو بذلك قد فطمها عن مشتهياتها.
ولا شك أن من فعل ذلك فإن نفسه تنفطم عن بقية المحرمات؛ ولأجل ذلك حرم الله تعالى على الحاجّ مثل هذه الأشياء في قوله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ .
الرفث: قيل: إنه الجماع أو أنه الكلام الذي يتعلق بالعورات ويتعلق بالوطء أو مقدماته؛ لأن المحرِم مأمور بأن يصون لسانه عن مثل ذلك، وأما الفسوق فيتجنبه؛ لأنه حرام.
الفسوق هو المعاصي؛ كل معصية نهى الله عنها فإن فعلها يسمى فسوقا، وفاعلها يقال: إنه فاسق، سواء فسقا أكبر أو فسقا أصغر، فالمحرم يتجنبها؛ وما ذاك إلا أنه في عبادة، والذي في عبادة لا بد أن يترك ما ينافي العبادات، يترك هذه المحرمات مطلقا، يصون لسانه فلا يتكلم إلا بخير، وكذلك يصون عينه فلا ينظر إلى المحرمات، يصون عينه فلا ينظر إلى النساء نظر شهوة، ولا إلى الأفلام الخليعة ولا إلى الصور الفاتنة وما أشبه ذلك. يصون أيضا أذنه فلا يستمع إلى غناء، ولا إلى لهو، ولا إلى قيل وقال في غير فائدة، ولا إلى سباب وخصومات ومنازعات وما أشبه ذلك.
كذلك أيضا نهى الله عن الجدال: وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ والجدال هو المنازعات التي لا فائدة فيها، المنازعات في أمور لا أهميه لها، أو يعلم الحق خلاف ما يقول؛ ثم ينازع ويجادل فيه، فنقول: إن الله تعالى نهى المحرم عن مثل هذه الأشياء؛ ليشعر بأنه في طاعة فيكثر من جنس هذه الطاعة، نهى المحرم عن هذه المألوفات؛ ليعلم أن الله نهى عنها؛ فيترك بقية المنهيات، يترك المحرمات بعينه، والمحرمات بلسانه، والمحرمات بفرجه، والمحرمات بأذنه، والمحرمات ببطنه وبيديه وبرجليه، يترك جميع المحرمات؛ لأن من تقرب إلى الله تعالى بترك محرم في وقت، تقرب إليه ببقية المحرمات.
وبعد ذلك نقول: إن من الأحكام الطواف بالبيت ولا شك أنه ركن من أركان الحج، ومن أركان العمرة، لماذا شرع؟
هذا الدوران حول هذه الكعبة ما شرعه الله تعالى عبثا ولا أمر به لغير فائدة أو لغير مصلحة؛ بل إنه سبحانه وتعالى أمر به لفائدة عظيمة، وما ذاك إلا أنه تعالى أضاف هذا البيت إلى نفسه إضافة تشريف وإضافة خاصة، فقال لإبراهيم وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ سماه الله تعالى بيتا وأضافه إلى نفسه؛ لأن هذه الإضافة تكسبه شرفا.
كذلك أيضا سماه بالبيت العتيق في قوله: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ وبقوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وأخبر بأنه أول بيت وضع للناس؛ قال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ؛ فـلا شك أن هذا حق نصدق به.
ذكر بعض المؤرخين أن آدم لما نزل إلى الأرض، لما أهبط إليها، استوحش فقال: يا ربِّ ضع لي شيئا أو مكانا أستأنس به. أمر الله الملائكة فبنوا هذا البيت ؛ حتى يأنس به، ويتذكر الملائكة الذين يدخلون البيت المعمور ويتعبد فيه، ثم أمره بأداء هذه المشاعر في هذه الأماكن المقدسة، فكان هذا من آثار إبراهيم وآدم ومن بعدهما.
ذكر الله تعالى أن إبراهيم بنى البيت ولكن كان البيت مبنيا قبله ثم انهدم، فلما طالت مدة انهدامه أمر الله إبراهيم فجدد بناءه، قال تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ وذكر في الحديث الذي في البخاري أن مكانه كان مرتفعا كربوة، إذا جاءت السيول انصرفت عن يمينه وشماله، فقال لابنه: إن الله أمرني أن أبني في هذا المكان بيتا. قال: افعل ما أمرك ربك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، فأمرهما الله تعالى بتجديده، قال الله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ فخص الله هذا البيت دون سائر بقاع الأرض أنه يُتطوف به؛ بقوله: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ أي: يستدار حوله، فليس هناك عبادة يتطوع؛ يعني مكان يتطوع بهذه الاستدارة حوله إلا هذا البيت العتيق ليس هناك غيره. لا شك أن هذا دليل على فضل هذا البيت .
كذلك أيضا: ذكر الله تعالى أن فيه هذه الآيات: آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فالذين يطوفون به يتذكرون أن هذا مقام إبراهيم ويتذكرون أن هذا البيت قد طاف به الأنبياء من آدم إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، ويتذكرون أيضا أن الأئمة والعلماء والعباد والزهاد كلهم قد طافوا حول هذا البيت ويتذكرون ما روي عنهم من الآثار في سائر احترام هذا البيت وتوقيره.
لا شك أن هذا كله يكسب المتعبد بالطواف حوله إيمانا ويقينا، وقوة عبادة، وكثرة أعمال صالحة؛ ولهذا يتقرب إلى الله تعالى بالاستدارة حول هذا البيت تعتبر قربة وطاعة، ثم نقول: ليس هذا تعظيما للبيت البيت حجارة، وإنما هو تعظيم لرب البيت عبادة لرب البيت ؛ اقرءوا قول الله تعالى: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ؛ والدليل على ذلك أن الذين يطوفون بهذا البيت لا يدعون البيت لا يقولون: يا بيت الله ولا يقولون: يا كعبة الله وإنما يدعون الله تعالى، فهم في دورانهم يدعون الله تعالى، فالطائف يكثر من ذكر الله، ويكثر من دعائه، ويكثر من قراءة القرآن، والطائف يخضع لربه ويخشع، ويتواضع لله ويتمسكن بين يديه.
وهكذا أيضا إذا استلم الأركان فإنه يتذكر أنها أركان البيت الذي خصه الله تعالى بأن جعله قبلة للمسلمين، أمرهم في بقاع الأرض أن يتوجهوا إليه، فإذا وصل إليه عرف أن هذا قبلتنا في كل بقعة، الذي نستقبله في صلاتنا، وأن هذا هو الذي خصه الله تعالى بأداء هذه المناسك .
من الأركان التي تستلم الركنان اليمانيان .
الأركان: هي الزوايا، و البيت له أركان أربعة: ركنان يمانيان أي: في جهة اليمن وركنان شاميان أي: في جهة الشام فالركن الغربي الجنوبي يطلق عليه الركن اليماني والركن الشرقي الجنوبي يطلق عليه ركن يماني ولكن اصطلح على أنه الحجر ؛ فيه الحجر الأسود هذان الركنان كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستلمهما فالركن اليماني يضع يده عليه، وأما الركن الذي فيه الحجر فإنه قبَّله، قبَّله واستلمه مرة بيده، واستلمه أحيانا بمحجن؛ عصا معه، وقبل اليد التي يستلمه بها أو قبل المحجن.
وذكر أن هذا الحجر أنه اختص بهذا التقبيل، ليس هناك بقعة تقبل يعني: يوضع الشفتان عليها إلا هذا الحجر روى عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل الحجر فجاء إليه عمر فقال: يا عمر هاهنا تسكب العبرات كأنه خشع في ذلك المكان وبكى لشرف هذه البقعة، وقد ثبت أن عمر -رضي الله عنه- قال لما أراد تقبيل الحجر قال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك . هكذا قال رضي الله عنه، وصدق أنه أراد بذلك الامتثال؛ وذلك لأن عمر أدرك الجاهلية، وكانوا يعظمون الأحجار والأشجار، ويتبركون بها، ويتمسحون بها، ويرجون نفعها، ويرجون شفاعتها ويخافون من إذا تركوا ذلك أن تضرهم، فبين للناس أن التقبيل إنما هو امتثال واتباع لا اعتقاد، ليس لاعتقاد أن هذا الحجر يضر أو ينفع وإنما لأجل الاتباع؛ هكذا ورد عنه -رضي الله عنه-.
ثم ذكر العلماء الحكمة في ذلك، ومنهم روي عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن قبله أو صافحه فكأنما قبل يمين الله. هكذا روي عن ابن عباس ومعلوم أنه حجر، وما روي فيه لم يصح، ما روي أنه نزل من الجنة، وأنه كان أبيض من اللبن، وأن خطايا بني آدم سودته. كل هذا لم يثبت فيه.
وكلام ابن عباس إنما هو تمثيل ومعناه أن الذي يستلمه، سواء قبله أو استلمه بيده أو استلمه بعصا، أنه يتذكر أنه يعاهد ربه كأنه مبايعه. الذين يبايعون النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يمسك بيد أحدهم، ويقول: تعاهدني على كذا وكذا، تبايعني على ألا تشرك بالله شيئا ولا تسرق ولا تزني ...إلى آخره؛ فكأن الذين يقبلون أو يستلمون هذا الركن يعاهدون الله، ويلزم أن من عاهد الله أن يفي بعهده، وأن لا ينقض ذلك العهد، فقد أمر الله تعالى بالوفاء به في عدة آيات، في مثل قول الله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وفي قول الله تعالى: وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا وفي قوله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا وما أشبه ذلك.
يبين أن الإنسان إذا عاهد الله تعالى فعليه أن يفي بما عاهد عليه. فالذي يقبل هذا الحجر كأنه يقول: أعاهدك يا ربِّ على الطاعة، أعاهدك يا ربِّ على العبادة ولا أخرج عن عبادتك، أعاهدك يا ربِّ على ألا أعصيك طرفة عين، أعاهدك يا ربِّ على ألا أفعل جرما ولا أقترف ذنبا بقية حياتي؛ فينبغي له أن يفي بهذه المعاهدة، وأن يصدق فيما عاهد عليه الله؛ كما يصدق الصحابة بما عاهدوا عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كما في قول الله تعالى: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا أي أنهم في مبايعتهم كأنهم يبايعون الله تعالى، ويعاهدون الله.
فكذلك الذين يستلمون هذه الأركان؛ كأنهم يعاهدون الله، يتذكرون أن هذا بيت الله وأنهم بهذا يطيعون الله تعالى ويلتزمون بالوفاء بعهده. كذلك لا شك أن هذا الطواف عبادة من أجل العبادات؛ ولأجل ذلك يلزم فيه الطهارة احتراما لهذه البقعة، ويكون شبيها بالصلاة كما ورد في السنة.
كذلك أيضا يكون الطائف فيه خاشعا خاضعا، يجتنب من الكلام ما لا صلة له بالعبادة، يقتصر على الكلام الحسن، يكثر من ذكر ربه، يكثر من دعائه، يكثر من الثناء عليه يتلو كتابه، يتواضع لله سبحانه وتعالى، فالطواف كله عبادة لربنا سبحانه.
أما الذين يعتقدون أنه تعظيم للبيت فنقول: في الحقيقة أن البيت له مكانته، وأن المسجد له شرفه، ولكن التعظيم إنما هو لرب البيت فإذا رأينا الذين يتمسحون بالكسوة أو يتمسحون بجدار الحجر أو يتمسحون بالزجاج الذي على مقام إبراهيم أو يتمسحون بالباب أو يتمسحون بـما حول البيت كالشاذروان ونحوه أو يتمسحون بالصفا وبالمروة ؛ يمسحه أحدهم بيديه ثم يمسح بيديه وجهه، نقول: إن هذا من الخطأ؛ إن الله تعالى ما أمركم أن تعبدوا البيت بل أمركم بعبادة رب البيت ؛ قال الله تعالى: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ لم يقل: فليعبدوا البيت فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ .
فالعبادة لله تعالى يخاف على هؤلاء الذين يتمسحون بالحجر وكذلك الذين إذا مسحوا الركن اليماني مسحوه بأيديهم، ثم مسحوا بالأيدي وجوههم وصدورهم وثيابهم، فهذا أيضا غير مشروع، فنقول: إن على الإنسان أن يقتصر على ما ورد، وأن يتذكر الحكم والمصالح التي لأجلها شرعت هذه العبادة.
كذلك أيضا: شرع بعد أن يبدأ في الطواف أن يكون بدؤه من الحجر إلى الحجر، وشرع في هذا الطواف؛ الذي هو أول طواف أن يرمل فيه وأن يضطبع.
الرمل: هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخُطا، وأما الاضطباع فهو أن يجعل طرف وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر، لماذا؟ ما الحكمة في ذلك؟
لما اعتمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عمرة القضية سنة سبع، وكان معه من المسلمين نحو سبعمائة وزيادة لما جاءوا إلى مكة قال أهل مكة: يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب يريدون بذلك تقليل شأنهم عند شفعائهم أي: لا تهابوهم فإنهم ضعفاء قد أوهنتهم الحمى، وقد أنهكت قوتهم؛ فهم عجاف ضعاف مهزولون من آثار هذه الحمى، وكانت يثرب التي هي المدينة مشهورة بالحمى، ولكن بعد أن دعا لها النبي -صلى الله عليه وسلم- أصبحت من أصح البلاد، فلما سمع بذلك أو نقل له أنهم قالوا هذه المقالة؛ أمر أصحابه بأن يظهروا الجلد، وأن يظهروا النشاط أمامهم؛ حتى يعرفوا نشاطهم، ويعرفوا قوتهم، ويعرفوا شجاعتهم، ويعرفوا أنهم أقوياء قلوبا، وأقوياء أبدان، وأن هذا لن يؤثر فيهم الحمى ونحوه.
أمرهم بأن يرملوا فرملوا ثلاثة أشواط، ومشوا البقية، فكذلك أيضا أبدوا مناكبهم؛ ليكون ذلك أيضا أقوى للنشاط وأظهر للجلد، وأظهر للقوة، ففي حجة الوداع أيضا: خب ثلاثا ومشى أربعة أي: رمل في الثلاثة الأشواط، كل شوط يبدؤه من الحجر إلى الحجر، لماذا؟ ليتذكر هو وأصحابه مقالة المشركين الذين قالوا تلك المقالة، وليتذكر عداوة المشركين، وليحث أصحابه على تذكر عداوتهم، وعلى الاستعداد لهم، وعلى الاستعداد في كل زمان ومكان، على الاستعداد للعدو والتأهب له، وإظهار القوة والجلد الذي يغيظ الأعداء، هذا من الحكمة؛ ولذلك يشرع أمام الكفار الذين هم أعداء أن يظهر المسلمون قوة الإسلام وقوة المسلمين؛ حتى يهابهم الأعداء وحتى لا يكون لهم جرأة عليهم.
أما بعد الانتهاء من الطواف، فنعرف أنه شرع الطواف سبعة أشواط، وكذلك السعي سبعة أشواط، ولعل الحكمة في ذلك أن السبع هي أدنى عدد الكثرة، ما دونها يقال له: عدد قلة، وما وصل إليها يبلغ عدد الكثرة، فهذا هو الحكمة.
ولا شك أيضا أن هذا الطواف مشروع في أديان الأنبياء السابقين، وأنهم يطوفون به هذه الأشواط؛ سبعة الأشواط، ثم الطواف يعتبر أربعة أقسام:
قسم ركن؛ كطواف الزيارة وطواف العمرة، هذا يعتبر ركنا لا يتم النسك إلا به.
والثاني واجب؛ كطواف الوداع، إذا تركه فإن عليه دم.
والثالث: سنة مؤكدة؛ كطواف القدوم للقارن والمحرم، يبدأ أول ما يقدم بطواف قدوم.
والرابع: التطوع به، يسن أن يتطوع بالطواف، ولو لم يكن محرما؛ فذلك دليل على أهمية هذا البيت ومكانته في النفوس، وأن الله تعالى أمر باحترامه، وأمر بالتعبد فيه بهذه العبادات.
أما الصلاة بعده عند مقام إبراهيم فإن هذا المقام جعله الله تعالى من الآيات في قوله تعالى: فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ كان إبراهيم عندما كان يبني يقف على هذا الحجر ويناوله إسماعيل الحجارة، فيضعها في موضعها، فمن طول مقامه على ذلك الحجر أثرت قدماه في ذلك الحجر؛ فلذلك ذكر ذلك أبو طالب في لاميته؛ حيث يقول:
وموطئ إبراهيم في الصخر رطبـة
على قدميـه حافيـا غـير نـاعل
أي: أن موطئ إبراهيم في الصخر رطبة أي: ظاهرة، بقي هذا الحجر الذي عليه أثر إبراهيم -عليه السلام- جعله الله تعالى من الآيات، ثم جُعل في هذا المكان، وجعل الله تعالى له وظيفة أن يصلى عنده: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فيصلي بعد الطواف ركعتين في هذا المكان؛ ليتذكر مقام إبراهيم وليتذكر مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي وقف في هذا المكان وصلى، ويسن أن يقرأ هذه الآية من سورة البقرة: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ؛ ليمتثل أمر الله تعالى ويطيعه، فنعترف؛ نعرف بذلك هذه الحكم، وهذه المصالح التي شرعها الله سبحانه وتعالى.
من المشاعر أيضا هذه البئر، التي هي بئر زمزم فإنها من شعائر الله؛ ولذلك يشرع أن الحاج والمعتمر يشرب من ماء زمزم ورد أن ماء زمزم لما شرب له إذا شربه بنية شيء فإن الله تعالى يعطيه ما طلبه وما شربه لأجله.
ذكر أن هذه البئر نبعت في عهد إسماعيل لما أن إبراهيم جاء بإسماعيل وأمه هاجر ووضعهما في هذا المكان، ثم ولى وتركهما وعندهما جراب تمر وسقاء ماء، فجعلت أم إسماعيل تسقيه وتشرب من ذلك الماء حتى نفد الماء، وبقيت مدة ليس عندها ماء فعطشت وعطش ابنها، فـماذا تفعل؟! صعدت على الصفا ونظرت، ولم تر شيئا ثم ذهبت إلى المروة ورقت عليها ولم تر شيئا، ثم رجعت إلى الصفا إلى أن تم ذلك سبع مرات؛ فمن أجل ذلك شرع الطواف بينهما سبعة أشواط، وبعد الشوط السابع سمعت صوتا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا الملك ظاهر لها، فبحث بعقبه في موضع زمزم فنبع الماء، ولما نبع أخذت تحجره، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- رحم الله أم إسماعيل فلو لم تحجره لكانت زمزم عينا معينا .
فهذا الحكمة؛ يعني في شرعية السعي أنه إحياء لذكرى أم إسماعيل جعل الله تعالى هذين الصفا والمروة من شعائر الله، وشعائر الله لا بد لها من عبادة تخصها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فهناك رسالة خاصة بالحج وعددها محدود، وسوف توزع -إن شاء الله-؛ كذلك نعلن عن الندوة التي سوف تقام غدا -إن شاء الله- في جامع الإمام الملك عبد العزيز –رحمه الله تعالى- لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الجهني والشيخ محمد بن أحمد الإخنين وعلما أنها سوف تكون في جامع الملك عبد العزيز –رحمه الله تعالى- سوف تكون على رأس كل شهر ندوة بإذن الله؛ لهذا نبهنا إخوتنا، نسأل الله التوفيق والسداد وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ولعلنا نكتفي بما ذكر، بقية المناسك قد يطول الكلام عليها، ولعلها متكررة -والحمد لله– فنكتفي بهذا، ونشتغل بجواب ما هنا من الأسئلة، والله أعلم، وصلى الله على محمد.
أسـئلة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
س: هذا السائل يقول: بسم الله الرحمن الرحيم فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السؤال: عندي والدتي مصابة بمرض انفصام -شفاها الله- فهل يجب عليها الحج بنفسها، أم تؤجر من يحج عنها؟ أثابكم الله.
إذا كان الحج نفلا فلك أن تحج عنها، أو يحج عنها أحد أقاربها، أو توكل، وأما إذا كان فرضا فإن قدرت على أن تحج ولو محمولة؛ بمعنى أنه يطاف بها على سرير، ويسعى بها على عربة، وبقية المشاعر تقف فيها، في عرفة وفي منى وفي مزدلفة وتوكل عند الرمي.
أما إذا كان الحج فريضة فلا بد أن يكون من مكان وجوبها؛ يعني أن يؤديها من البلد الذي وجب عليه فيها إذا كانت قادرة؛ إذا كانت من أهل الرياض فلا بد أن يكون الحج من الرياض إلى الرياض وإن كانت من أهل الأحساء فلا بد أن يكون الحاج يسافر من الأحساء إلى الأحساء بخلاف النفل فإنه يصح من كل مكان.

س: جزاك الله خيرا. هذا يقول: ما حكم عدم حلق الشعر أو تقصيره إلا بعد لبس الثياب المخيطة في العمرة ؟ وجزاكم الله خيرا.
إذا عقد الإحرام ونوى بقلبه الدخول في النسك فإنه يمتنع من المحظورات من قص الشعر وقلم الأظفار ونحوها. وقد ذكرنا أنه في هذه الأزمنة لا تطول مدة الإحرام، في العمرة ساعات قليلة، وفي الحج يومان أو ثلاثة أيام؛ فعلى هذا متى عقد النية فإنه يتوقف عن أخذ الشعر والأظفار وما أشبهها.
س: السؤال -جزاك الله خيرا- يقول: إذا لبس الثياب المخيطة من العمرة.
إذا لبس الإزار والرداء ولكنه ما نوى.
س: لا. ما هو هذا السؤال؛ لبس قبل أن يقصر، انتهى من الحج والعمرة ولبس ولم يقصر، ثم ذكر بعد ذلك؟
يعني: أنه نسي الحلق أو التقصير ولبس الثوب في هذه الحال متى تذكر فإنه يخلع اللباس، وإذا خلعه ولبس إحرامه ابتدأ في الحلق أو في التقصير الذي هو نسك، ويعفى عن لباسه نسيانا، وأما إذا طالت المدة فتركه وتساهل به، أو وطئ امرأته فإنه يثبت عليه دم. أي فدية عن ترك ذلك الواجب الذي هو الحلق.
س: جزاك الله خيرا هل يلزم للطواف الوضوء؟
لا شك أن الطواف عبادة بدنية فثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- توضأ للطواف، وقال لعائشة لا تطوفي حتى تطهري وكذلك أيضا ورد أنه قال: إن الطواف بالبيت صلاة ؛ فعلى هذا لا بد أن يطوف وهو متطهر.
س: جزاك الله خيرا. هذا من إحدى الأخوات تقول: هل يجوز للمرأة المسنة أن تسافر إلى الحج بدون محرم؟
الأصل: أنه لا يجوز، ولكن رخص بعض العلماء كمالك أن تسافر مع نسوة ثقات، وكان السفر قديما يستدعي أو يستمر شهرا أو أشهرا؛ وحيث إن المدة قصرت في هذه الأزمنة، أصبحت عشرة أيام أو خمسة أيام؛ فإذا كانت مع نسوة ثقات، وفي حافلة تميز الرجال عن النساء وتجعل حاجزا، وكان هناك أيضا خيام مخصصة للنساء، ولا يحصل اختلاط بالرجال، ولا يحصل شيء من المحظورات، ولم تجد محرما فلعل ذلك يعفى عنها للحاجة.
س: تقول: هل الولد البالغ من العمر اثنتي عشرة سنة يعتبر محرما؟
الصحيح: أنه يعتبر في هذه الأزمنة؛ لقصر المسافة، ولأنه مظنة البلوغ، والنبي -عليه السلام- قال: وفرقوا بينهم لعشر، فرقوا بينهم في المضاجع ؛ لأنه إذا بلغ العشر قارب البلوغ.
س: وهل يجوز للمرأة أن تسافر للعلاج بدون محرم؟ وهل...
لا يجوز ذلك إلا للضرورة إذا كان هناك ضرورة شديدة، وكان السفر مع صحبة نساء موثوقات، لعل ذلك جائز.
س: جزاك الله خيرا. يقول هذا: صليت صلاة الظهر أمام الجماعة، وفي نهاية الركعة الثانية تيقنت أنني على غير طهارة، ولكنني واصلت حتى نهاية الصلاة ولم ألغ الجماعة، وعند وجوب صلاة العصر صليت مع الجماعة بنية الظهر ثم صليت العصر منفردا، هل علي شيء أنا أو جماعة المسجد؟ والله يحفظكم والسلام.
كأنه هو إمامهم، وتذكر: فعله خطأ؛ الواجب أنه إذا تذكر انصرف، وأمرهم بأن يتموا صلاتهم أو يبنوا، واستخلف واحدا منهم هذا هو الواجب؛ وذلك لأنه إذا تذكر بطلت صلاته، وإذا بطلت صلاته وجب عليه تركها، وإذا استمر فيها فقد صلى صلاة باطلة، وإذا بطلت صلاته بطلت صلاة من خلفه كلهم؛ لأن صلاتهم مرتبطة بصلاته، فنقول: عليك أن تبلغهم أن يعيدوا تلك الصلاة؛ حيث إنها بطلت لبطلان صلاة إمامهم.
س: جزاك الله خيرا. يقول: هل يجوز للحاج السفر إلى جدة أيام منى وليالي التشريق، مع أنه سيسافر إلى جدة لزيارة قريب من هناك، أم أنه لا بد له من البقاء في منى ؟
الأصل: أن الحجاج يبقون في منى لكن أصبحت جدة كأنها متصلة بمكة ؛ الفرق بينهما يسير، فعلى هذا إذا بدا له في الصباح ووصل لمدة ساعة أو ساعتين أو ثلاث ساعات ورجع فهو كما لو ذهب إلى مكة لقضاء شغل، أو ذهب إلى البيت للطواف أو للصلاة أو ما أشبه ذلك يعفى عن ذلك، ولكن لا تطول مدته، يحرص على أن يرجع ساعة ما ينتهي من الزيارة.
س: لكن الليل يا شيخ؟
ولا يجوز أن يبيت هناك، يعني: ينام هناك.
س: جزاك الله خيرا. هل طواف القدوم بالنسبة للمفرد يعتبر طواف الإفاضة أم أنه سنة؟
لا شك أنه سنة، ولا يكفي عن طواف الإفاضة، لكن إذا سعى بعده أجزأه سعيه عن سعي الحج .
س: هذه تسأل تقول: ما حكم كشف الأقدام واليدين في الصلاة ؟ فإن كان لا يجوز، فما حكم الصلاة التي قد فاتت من أوقات كثيرة؟ أفتوني في هذا الأمر. جزاكم الله خير الجزاء.
على المرأة أن تستر جميع بدنها إلا الوجه في الصلاة، رخص بعض العلماء في الكفين، ورخص بعضهم في القدمين بالنسبة إلى كبيرة السن. فما سبق من كونها كشفت قدميها ويديها، عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وفي المستقبل لا بد أنها تستر يديها وتستر قدميها.
س: جزاك الله خيرا . بسم الله الرحمن الرحيمالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يا شيخ: أنا أمّ أرجو الدعاء لي ولأولادي بالصلاح ودخول الجنة، والالتزام على الدين، وجزاك الله خيرا.
الالتزام -والحمد لله- سبله يسيرة، وكل مسلم مطالب بأن يتمسك بالشريعة رجلا أو امرأة، وأن يحرص على العمل الصالح الذي يكون وسيلة إلى تمسكه وثباته على الإسلام وعلى أعمال الإسلام.
س: جزاك الله خيرا. السؤال هنا يقول: ذهبت إلى مكة لأخذ عمرة، وهناك حصل مداعبة، فنزل مني مذي قبل العمرة وأنا محرم في مكة فماذا يجب علي؟
يحرم على المحرم أن يتكلم بما فيه شيء من المداعبة ونحوها؛ لقوله تعالى: فَلَا رَفَثَ وفي هذه الحال حيث إنه داعب امرأته مثلا، وتكلم معها وأثار الشهوة إلى أن حصل منه هذا المذي فنرى عليه دم؛ أي أن يذبح شاة لمساكين الحرم نعم.
س: جزاك الله خيرا .هذه سائلة تقول: بسم الله الرحمن الرحيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إذا دخلت المرأة مصلى النساء والإمام قد رفع من الركوع في آخر ركعة من الصلاة، فهل تصلي معه أو تصلي وحدها؟ أفتونا مأجورين.
تصلي معه وتتم بعدما يسلم، ولو ما أدركت إلا آخر ركعة أو السجدات وما أشبهها؛ رجاء أن يحصل لها شيء من فضل الجماعة.
س: بسم الله الرحمن الرحيم فضيلة الشيخ، هل من أراد أن يضحي يجب على أفراد عائلته ألا يقصروا ولا يمتشطوا ولا يقلموا أظافرهم؟ أرجو إفادتي . وجزاكم الله خيرا.
لا يجب ذلك، إنما هو الذي يدفع الثمن يتشبه بالمحرمين؛ بحيث إنه إذا دخل العشر لا يحلق ولا يقلم، قبل دخول العشر بيوم، في آخر الشهر، يقص أظفاره ويقص شاربه ويتعاهد شعره؛ حتى يبقى في العشر لا يأخذ شيئا من شعره. نعم.
س: هذه تقول: أنا امرأة كبيرة في السن، وعندي شاب يبلغ من العمر خمسا وعشرين سنة إذا أراد الصلاة جمع الصلاة مثل المغرب والعشاء، وكسول في القيام لصلاة الفجر، ماذا أفعل وأنا كبيرة في السن؟ وأرجو الدعاء له وجزاكم الله خيرا.
نسأل الله له، ولشباب المسلمين الهداية والتوفيق، ولا شك أن هذا وصف كثير في شباب هذا الزمان هداهم الله؛ فننصحه وننصح الشباب:
أولا: أن يمرنوا أنفسهم على العبادة وعلى المبادرة إلى الصلاة؛ فإن من مرن نفسه اعتاد عليها وسهلت عليه.
ثانيا: أن يكون معهم همة وانتباه للصلاة حتى إذا دخل وقتها فزعت قلوبهم واهتموا بها وأدوها كما ينبغي.
ثالثا: أن يتركوا الأسباب التي تدفعهم إلى هذا الكسل، فننصح الشاب هذا وغيره بأن لا يسهروا أول الليل، كالذين يسهرون إلى نصف الليل أو إلى ثلثيه، ثم يثقل عليهم أداء الصلاة جماعة، صلاة الصبح ونحوها. وكذلك ننصحهم بأن لا يصحبوا رفقاء السوء الذين يكسلونهم عن الصلاة ويهونون أمرها عندهم، فلعلهم يتأثرون بذلك. نعم.
س: بسم الله الرحمن الرحيم، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: ما حكم لبس الخيط والحلقة إذا اعتقد الإنسان أنها تجلب النفع أو تدفع الضر ؟
ذكر حكم ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وذكر أنه شرك، قال: بعض من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما؛ لرفع البلاء أو دفعه، واستدل بأحاديث مذكورة هناك كحديث: عمران بن حصين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا في يده حلقة من صفر، قال: ما هذا؟ قال: من الواهنة . قال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا؛ فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا. وكذلك حديث: من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له وحديث: من تعلق شيئا وكل إليه من تعلق تميمة فقد أشرك ؛ فمن اعتقد في هذا الاعتقاد فعليه التوبة، وعليه نزعها.
أما إذا لبسها لغرض؛ كلبس الساعة في الذراع لمعرفة الوقت، أو لبس المرأة للأسورة التي تسمى غوائش؛ لأجل التحلي أو في الأصابع التي هي خواتم، أو لبس الرجل خاتم في إصبعه؛ لأجل أنه خاتم ويحتاج إليه فلا يدخل في ذلك.
س: جزاك الله خيرا. ما حكم الذهاب إلى السحرة بقصد الرقية وطلب الشفاء ؟
لا يجوز ذلك، السائل والسامعون كلهم يعرفون ذلك؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- .
ثم نقول: لا شك أن السحرة مشركون؛ لأنهم يعبدون الشياطين، فلا يجوز أن يصدقوا، ولا يجوز الذهاب إليهم.
س: جزاك الله خيرا. هذه تقول: أنا حججت -ولله الحمد- ولكن أجهل بعض السنن والمستحبات في الحج، رغم أن الإنسان يحج مرة واحدة في العمر، فهل إذا حججت مرة أخرى، ففعلت السنن في الحج تجزئ عن الحجة الأولى؟ جزاكم الله خيرا.
يحصل بها أجر؛ فإن الحجة التامة يحصل بها الثواب المرتب عليها: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه نعم.
س: يقول: لي خال متوفى منذ سنة أراه بعض الأحيان بالمنام، فهل يعني هذا شيئا؟
لا يعني شيئا؛ الغالب أنه يكون من حديث النفس، كون الإنسان يحدث نفسه في اليقظة بأمر من الأمور، ثم بعد ذلك يتمثل له ذلك الذي حدث نفسه به.
س: يقول: أنا رجل قد اقترضت من المصرف العقاري مبلغا من المال فهل يجب علي الحج؟
يجب إذا كنت لم تحج وقدرت على ذلك، وهذا الدين الذي هو لـلبنك العقاري لا يمنعك من الحج؛ لأنهم قد رهنوا منزلك، وأنت مأمور بأن تعطيهم أقساطهم السنوية التي يأمرونها؛ يطلبونها. نعم.
س: جزاك الله كل خيرا. هذه تقول: إنها امرأة أسلمت -ولله الحمد- قبل أشهر، هل يجوز أن تغير اسمها؟ أو يجب عليها ذلك؟
إذا كان الاسم شعاره من شعائر النصارى ونحوهم استحسن أن يغير، أما إذا كان من الأسماء التي لا محظور فيها فلا يلزم.
س: هذه تقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إذا كان الزوج لا ينفق على زوجته النفقة المطلوبة، وإذا طالبته قال: ما عندي شيء، ومع ذلك هو يطالبها بكل حقوقها، فما حكم ذلك؟ وبماذا تنصحونها؟ جزاكم الله خيرا.
لا يجوز له ذلك؛ فإن النفقة مقابل حقوقه عليها، فعليها حق أن تمكنه من نفسها، وعليه حق أن يقوم بحاجاتها؛ قال الله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ؛ فعليه نفقتها وعليه كسوتها بالمعروف.
س: السؤال الأخير: أثناء طواف الإفاضة أخرج ريحا، ونظرا للزحمة أكمل الطواف، هذا في العام الماضي فماذا عليه الآن؟ جزاك الله خيرا.
فواجب عليه أنه إذا انتقض وضوؤه أن يجدد الوضوء، ويكمل الطواف. ففي هذه الحال: إن كان طاف طواف الوداع بطهارة، فلعل طواف الوداع يكفي عن طواف الإفاضة.
س: هذا يقول: هل جدة ميقات لمن يقطع البحر الأحمر عرضا قادما من السودان مثلا، وما هي أقوال أهل العلم في ذلك؟
الأقرب أن جدة ميقات لأهل السودان ؛ وذلك لأنهم لا يمرون عن طريق البحر ولا عن طريق الجو بشيء من المواقيت ولا يحاذونها؛ فيكون أقرب مكان يحرمون منه هو ميناء جدة هذا هو الأصل. أما الذين يأتون من جهة الشمال فيحرمون من رابغ والذين من جهة الجنوب يحرمون إذا حاذوا ميقات أهل اليمن .
س: جزاك الله خيرا. هل يجوز تأخير رمي الجمرات إلى اليوم الثالث عشر؟ وهل يجوز جمع طواف الإفاضة مع طواف الوداع بالنسبة للمفرد؟
يورد أن رعاة الإبل في العهد النبوي؛ الذين يرعون المطايا يشق عليهم أن يأتوا للرمي؛ فأسقط عنهم الرمي في كل يوم، وأمرهم أن يرموا في اليوم الثاني عشر جمرات اليومين الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر إذا تأخروا، وإذا تعجلوا رموها في اليوم الثاني عشر، وعليهم أن يرتبوها، فيرموا جمرات اليوم الحادي عشر مرتبة، ويبدءون بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى، ثم يرجع فيرمي الأولى الصغرى عن اليوم الثاني عشر، ثم الوسطى ثم الكبرى، ثم يرجع ويرمي الثلاث هكذا عن اليوم الثالث عشر.
ويجوز كذلك للضعفة العاجزين عن الزحام أن يرموها في اليوم الثالث عشر مرتبة كذلك. كذلك أيضا إذا شق عليه أن يطوف طواف الإفاضة في اليوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر وطاف عند خروجه كفاه طواف واحد ونواه عن الاثنين: عن الإفاضة وعن الوداع.
س: جزاك الله خيرا. تقول: امرأة حجت، وأخرت طواف الإفاضة مع طواف الوداع، لكنها لبست البرقع ولبست فوقه شيلة فما صحة الحج؟
لا حرج عليها، إذا كانت قد رمت وقصرت فقد تحللت؛ حل لها كل شيء إلا الزوج، فلباس البرقع والقفاز وما أشبه، والطيب يحل بعد التحلل الأول؛ إذا رمى وحلق حل له كل شيء إلا النساء.
س: يقول: عندي بيت مؤجر، وإيجاره مصرفي أنا وأولادي الشهري، هل عليه زكاة؟ وما مقدارها؟
ليس عليه زكاة إذا كنت تستلم الإيجار وتنفقه قبل تمام السنة، أما إذا كان يتوفر منه نصاب، يتوفر ويدور عليه الحول فإنك تخرج منه الزكاة التي هي ربع العشر.
س: هذا يقول سؤالي هو: أن الله سبحانه قدر على أخي بحادث، وصار ضحية الحادث وفاة هندي غير مسلم، فما الواجب على أخي من المال ومن الصيام هل يصوم أم لا؟ علما أن نسبة الحادث على أخي خمس وسبعون في المائة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.
نعم. عليه دية، وعليه كفارة؛ إن كان مسيحيا فديته خمسون ألف. نصف دية المسلم، دية الكتابي نصف دية المسلم.
وأما إن كان بوذيا أو هندوسيا ففيه الدية؛ لكونه معاهدا، له عهد وله أمان، ولكن ديته قليلة، ديته نحو أربعة أخماس السدس. سدس دية المسلم، أو قريب منها .
فـأما الصيام فإن فيه الكفارة؛ عتق رقبة، فإذا لم يجد يصوم شهرين متتابعين. نعم.
س: هذا يقول: هل يجوز لي أن أذهب بالشغالة معي إذا أردت أداء العمرة، خاصة أنه لا يوجد أحد من الأقارب لي في الخرج؛ حتى أرسلها عندهم أم ماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيرا.
إذا كان معكم نساء وذهبت مع النساء متسترة في وسط النساء فهذا يعتبر من الضروريات. نعم .
س: يقول: ما حكم التصوير بالكاميرا والفيديو ؟
نرى أنه جائز للحاجة كتصوير ما يسمى ببطاقة أحوال؛ أو جواز أو ما أشبه ذلك.
س: السؤال الأخير: تقول: هل لبس الذهب والحناء في اليد أثناء الحج جائز أم لا؟
تتجنب المرأة المحرمة تتجنب الزينة: الحناء وما أشبه؛ قد يعتبر فيه شيء من الزينة وشيء من الجمال، إذا تحللت التحلل الأول جاز ذلك.
جزاكم الله خيرًا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، -والله أعلم وصلى الله على محمد - وأن يجعل اجتماعنا مرحوما.

line-bottom