جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
145761 مشاهدة print word pdf
line-top
شرح بعض الأحاديث الجامعة المتعلقة بالتوحيد

نحب أيضا أن نشرح بعض الأحاديث الجامعة التي ذكرها العلماء، فمن ذلك: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله أو يرسل الله إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد. فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب؛ فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب؛ فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها .
هذا الحديث من الأحاديث الجامعة، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بتطوير خلق الإنسان، أن أول خلق الإنسان هذه النطفة، قال الله تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ وقال تعالى: فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ هذه النطفة هي هذا المني الذي يخرج من بين الصلب والترائب، كما أخبر الله: خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ .
قدر الله تعالى أنه يكون في هذا الرحم، ثم تعلق –المرأة- تعلق الأم بهذا الماء الذي هو هذا الماء الدافق، وإذا علقت بما قدره من هذه الحيوانات التي في هذا الماء وهذه البويضة التي تنزل من الرحم، ثم إذا قدر الله ذلك فإن هذا الماء يبقى في الرحم أربعين ليلة وهو على هذه الحالة، بعد ذلك ينقلب إلى كونه علقة، العلقة قطعة الدم السوداء.
كذلك يبقى هذه المدة أيضًا أربعين يومًا، ثم بعد ذلك يتطور وتنقلب هذه النطفة التي كانت علقةً فتصير مضغة. المضغة قطعة اللحم التي بقدر ما يمضغه الإنسان بقدر ما يمضغه في الفم مضغة، بعد ذلك هذه المضغة يجعلها الله تعالى عظامًا؛ يصورها عظاما هذه العظام تفاصيل جسد الإنسان؛ عظم الرأس، وعظم الرقبة، وعظم الظَّهْرِ، وعظام اليدين، وعظام الرِّجْلَيْنِ.
بعد ذلك يُنْبِتُ الله عليه هذا اللحم، بعد ذلك ينفخ فيه الروح، يرسل الله تعالى إليه الْمَلَك، فيقول: يا رب ذكر أم أنثى؟ فيخبره الله. يا رب مخلقة أو غير مخلقة؟ يعني: هل تم خلقه أم ليست بمخلقة مما تقذفه الرحم؟ فيخبره الله تعالى، ثم يقول: يا رب شقي أم سعيد؟ يَكْتُبُ رزقه؛ غنى أو فقر، ويكتب عمله؛ عمل الأولياء، أو عمل الأعداء؟ يكتب أجله؛ أي مدة حياته. يكتب سعيد أم شقي؟ من أهل الجنة، أو أهل النار؟ كل ذلك يكتبه الملك كتابةً خاصَّةً، ويسمى هذا التقدير الْعُمْرِيَّ.
ذكر العلماء أن التقدير أربعة: التقدير العام، والتقدير العمري، والتقدير السنوي، والتقدير اليومي. فالتقدير العام هو المذكور في حديث: أن الله قال للقلم: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فهذا هو تقدير عام. والتقدير العمري هو يختص بكل إنسان، يُكْتَبُ وهو في الرحم عمله كله، من حين يخرج إلى الدنيا إلى أن يخرج من الدنيا؛ ما سوف يعمله. ومع ذلك فإنه مأمور بأن يعمل.
ولهذا لما قال الصحابة: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل؟ قال: اعملوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لما خلق له، وقرأ قول الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى اعملوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له .
أخبر صلى الله عليه وسلم بأن الإنسان قد علم مقعده من الجنة، ومن النار، علم الله تعالى ذلك قبل أن يَخْلُقَ المخلوقات، وعَلِمَ عدد المخلوقين. علم من سوف يولد، ومن سوف يموت في كل سنة، فالتقدير العام هو الذي كُتِبَ في اللوح المحفوظ، والتقدير العمري هو الذي يُكْتَبُ والإنسان في الرحم، والتقدير السنوي هوالذي يكتب في ليلة القدر؛ يُكْتَبُ ما يكون في تلك السنة من الحوادث كُلِّهَا في الكون كله، على الأرض كلها.
والتقدير اليومي هو حوادث ما يحدث كل يوم، كما في قول تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ .
كذلك أخبر بأن الإنسان لا يتجاوز أجله، إذا كتب الله تعالى عليه في الأزل أنه سعيدٌ، فإنه لا بد أن يموت على عمل السعداء -ولو عاش زمنًا طويلًا وهو على عمل الأشقياء، فيوجد كثير عاشوا حياتهم وهم كفرة، وقبل الموت بساعة أو بساعات هداهم الله تعالى، وأسلموا، وخُتِمَ لهم بخاتمة حسنة.
ذُكِرَ في عهد الصحابة من الأنصار رجل يقال له: الأصيرم كان على دين قومه؛ ما أسلم، فلما جاءت وقعة أُحُد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هل أُسْلِمُ أو أُقَاتِلُ؟ فقال أَسْلِم ثم قَاتِلْ، فَتَشَهَّدَ الشهادتين، ونطق بهما عن يقين، وأخذ سيفه، ودخل معركة القتال، وقُتِلَ،، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عمل قليلا، وأُجِرَ كثيرا أو كما قال. مات بعدما أسلم بساعة، أو بساعات قليلة. لا شك أن هذا ممن سبقت له السعادة، كذلك أيضًا كثير وكثير من الذين يرتدون عند الموت، والعياذ بالله.
ذكر بعض العلماء أن إنسانًا كان من الْعُبَّاد والزُّهَّاد، ثم إنه قُبَيْلَ موته أَحَبَّ؛ يعني عشق إنسانا؛ يعني عشق أو تَمَنَّى عِشْقَ صبي، وعند موته أشرك بالله تعالى بقوله:
وصْـلُكَ أَشْهَــى إلــى فــؤادي
مـن رحمــة الخــالق الجـليل
فَخُتِمَ له بهذه الخاتمة السيئة والعياذ بالله. لا شك أن هذا شرك بالله والعياذ بالله. لا شك أن الإنسان عليه أن يحرص على سؤال الله تعالى حسن الختام، أن يسأل ربه؛ فإن الأعمال بالخواتيم. يُخْتَمُ للإنسان؛ يكون ختام عمله هو الذي يسعد به أو يشقى حسن الخاتمة؛ الأعمال بالخواتيم.
ولا شك أيضًا أن الأمور مقدرة، وأنه لا يكون في الوجود إلا ما أراده الله تعالى، وما قدره وما قضاه في الأزل، فالإنسان عليه أن يرضى بما قدره الله تعالى، فإذا أصابه شيء من المصائب فعليه أن يستسلم ولا يَتَلَوَّم. ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن القوي خيرٌ وأَحَبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كُلٍّ خير. احرص على ما ينفعك .
يعني: ابذل الجهد مع توفيق الله، على ما ينفعك واستعن بالله اعلم أنك لا تقدر إلا إذا أعانك الله، وإذا سَدَّدَكَ: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تَقُلْ: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا؛ ولكن قل: قَدَرُ الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان .
فالإنسان مأمور في هذه الحياة بأن يفعل الأسباب، وأن يتوَقَّى الخطأ، ويبتعد عن أسباب الهلاك، ولكن إذا حصلت عليه نكبة، أو حصلت عليه مصيبة، فماذا يفعل؟ عليه أن يرضى بذلك ويستسلم، ويعلم أن هذا قضاء الله تعالى وقدره، وأن الله لا رَادَّ لقضائه، ولا مُعَقِّبَ لحكمه، فما شاءه كان، وما لم يشأ لم يكن. هذا مختصر ما دل عليه هذا الحديث.

line-bottom