إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه logo إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
166044 مشاهدة print word pdf
line-top
وجوب الإسراع بالحج

وإذا كان كذلك فنقول: إن الإنسان يغتنم الفرصة المواتية؛ الفرص لا تدوم. فإذا كان لم يحج فريضته فعليه المبادرة. جاء في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم- بادروا بالحج -يعني: الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له بادروا يعني: أسرعوا بالحج، أسرعوا بأداء الفريضة؛ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له؛ فقد يكون الآن غنيا ويفتقر بعد قليل، وقد يكون قويا ثم يمرض، ثم يعجز، أو صحيحا ثم يمرض، وقد يكون الآن فارغا ثم بعد ذلك ينشغل، وقد لا يتأتى له بعد؛ فلأجل ذلك يجب المبادرة. المبادرة بأداء هذه المناسك قبل أن تتغير الأحوال.
كذلك أيضا بعض العلماء يقول: إن له التراخي، وإن له التأخير، ويستدلون بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخر الحج إلى سنة عشر. ونقول: إنه لم يتمكن في السنين الماضية؛ وذلك لأنه توجه في سنة ست، وصده المشركون، وصدوا ما معه من الهدي، وأنزل الله تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ؛ فصدوه سنة ست، ثم صالحهم على أن يعتمر في سنة سبع، ولكن شرطوا ألا يقيم إلا ثلاثة أيام، فوفى لهم، واعتمر سنة سبع، وأقام ثلاثة أيام، ولما انتهت أيامه أمر أصحابه بالرحيل.
كذلك أيضا في سنة ثمان فتح الله عليه البلد الحرام ولكن لم يتفرغ كان منشغلا بالغزو وبالحصار ، وبقسم الغنائم، وباسترجاعها، وفاته الحج، لم يتمكن منه تلك السنة، وإنما اعتمر عمرة من الجعرانة .
وأما في سنة تسع فإنه علم أن المشركين يحجون، وأن لهم عادات سيئة؛ فأرسل أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- ومعه كثير من الصحابة. أرسلهم يحجون، وأمرهم بالمنادات في فجاج مكة وفي المشاعر: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ومن كان له عهد فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فله أربعة أشهر. وأمرهم أن يقرءوا أول سورة التوبة: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ الذي هو أيام الحج. فأخذوا ينادون في فجاج مكة وفي المشاعر: في عرفة وفي منى وفي مزدلفة بهذه الأربع.
ولما كان في سنة عشر، وطهر البيت وعلم أنه لا يحجه أحد من المشركين، وانقطعت عادات المشركين-أذن الله تعالى له فحج سنة عشر، وأخذ يعلِّم الناس مناسكهم، ويقول لهم: خذوا عني مناسككم؛ فلعلي لا ألقاكم بعدها وقع ذلك أن ذلك كان في آخر حياته، لما رجع عاش بعد ذلك نحو اثنين وثمانين يوما، ثم توفاه الله، وأقام المسلمون المشاعر بعده؛ فهكذا سبب تأخيره.
فأنت أيها المسلم، الذي من الله عليك بالصحة وبالغنى وبالقوة وبالأمن وبالقدرة وبالإسلام وبالعقيدة الصحيحة لا تتأخر، ولا تتوانَ.
فيجب الحج على المسلم في عمره مرة واحدة، وما زاد على ذلك فإنه تطوع، ومع ذلك؛ فإن التطوع فيه أجر كبير، هذا التطوع الذي أمرنا به، هذا التطوع الذي فرضه الله تعالى. فرض جنسه، وأمر به فيه أجر كبير، ولو على الأقل أن يحج كل خمس سنين. كل خمس سنين إذا أنعم الله عليك ألا تحرم نفسك من حجة، وأنت تقدر.
جاء في بعض الآثار، أو الأحاديث: ( إن عبدا أنعمت عليه، وأصححت بدنه يغيب عني -أي عن بيتي- خمس سنين لمحروم ). الذي يغيب وهو قادر خمس سنين، وهو قادر وآمن وغني وثري؛ أنه إذا غاب أكثر من خمس سنين، فإنه يعتبر من المحرومين.

line-bottom