إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين
282276 مشاهدة
واجب المجتمع تجاه أولئك الأشخاص الذين يسيئون أمن المجتمع

السؤال: س442
ما واجب المجتمع المسلم تجاه أولئك الأشخاص الذين يسيئون أمن المجتمع، ويسعون إلى ترويع الآمنين، ويحاولون زعزعة أمن واستقرار المجتمع المسلم؟ وما واجب المسلم تجاه من يدرك خطره وضرره على المجتمع ، وأنه أحد أسباب هذه المشاكل، وأنه يسعى للخراب والتدمير، وفرقة المسلمين؟
الجواب:-
لا شك أن المسلم المؤمن يحمله إيمانه على النصح لله ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم، ويعرف أنه مدين لمجتمعه المسلم بالمحبة، والإخلاص في المعاملة ، ويمنعه ويحجزه عن الإضرار والإساءة وإيصال الشر إلى المجتمع المسلم الذي له الحق عليه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .
والمعنى أن الإيمان يحمله على محبة إخوته والحرص على إيصال الخير إليهم، وكف الشر عنهم، فمتى بدر من أحدهم ما يخل بأمن البلاد، أو يزعزع الاستقرار، فإن ذلك دليل ضعف إيمانه، وقلة احترامه للمسلمين، وامتلاء قلبه بالحقد والضغن على بلاده وأهلها، وهذه الصفة تخرجه عن الإخوة الدينية، وتبعده عن أن يكون محل ثقة وأمانة، متى وصل المواطن إلى هذه الحال السيئة فإن المسلمين جميعا يمقتونه ويبغضونه، وينددون بفعله الشنيع، ويحذرون من الركون إلى قوله، ومن الثقة بالقرب منه، حيث أنه يعتبر عضوا أشل، وذلك أن الله تعالى عقد الأخوة بين المسلمين، وذكرهم بذلك في قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ وقوله فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا .
وأكد ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يسلمه، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه وكذلك جاءت السنة بشرعية الأسباب التي توطد هذه الأخوة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: للمسلم على المسلم ست تسلم عليه إذا لقيته وتجيبه إذا دعاك، وتشمته إذا عطس، وتعوده إذا مرض، وتتبع جنازته إذا مات، وتحب له ما تحب لنفسك .
فانظر إلى هذه التوجيهات النبوية التي جاءت بها هذه الشريعة، فيما يتعامل به المسلم مع إخوته، وهكذا جاء أيضا الإسلام بعموم الإحسان، والأمر به ، حتى لغير المسلم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ولما أمر بالإحسان إلى الجيران جعل للجار الذمي حقا من حقوق الجوار.
وكل هذه التوجيهات تبين أن هذا الدين جاء بتأكيد المودة والإخاء، وحذر مما ينافي ذلك من محاولة الإضرار ومن زعزعة الإستقرار، وأن من ضار مسلما ضاره الله، ومن شق على مسلم شق الله عليه وأن من غش فليس من المسلمين فيجب على أفراد أهل الإسلام أن يعرفوا حقوق إخوانهم والمجاورين لهم وأن يحذروا كل الحذر من إيقاع السوء بإخوانهم، وأن ينصحوا لدولتهم وولاة أمرهم، بالتحذير من كل من عرف عنه السوء والفساد حتى يأخذوا على أيدي أولئك المفسدين، ويقضوا عليهم، حتى ينقطع دابر الفساد وأهله، والله الموفق والمعين.