جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
173872 مشاهدة print word pdf
line-top
ثمرة معرفة عظمة الخالق سبحانه

...............................................................................


بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كما عرفنا أن موضوع الكتاب كتاب العظمة أي: عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وفائدة ذلك إذا عرف العبد عظمة الخالق صغر الخلق في قلبه. جميع الخلق يصغر قدرهم في قلب المؤمن الذي يستحضر عظمة الله تعالى، ولذلك يقال: لو عقل المشركون الذين عبدوا الأشجار والأحجار والذين عبدوا القبور والأولياء وعظموهم، والذين عظموا المخلوقات، وصرفوا لها شيئا من العبادة التي هي حق الله، لو عقلوا لما فعلوا بل إن فعلهم هذا الذي هو تعظيم المخلوقات دليل على نقص العقول معهم وعلى ضعف المعلومات.
وإلا فلو تفكر المخلوقون، لو تفكر الناس كلهم في هذا الكون الذي هو جزء يسير من خلق الله تعالى لما عظموا غيره؛ وذلك لأن العاقل يفكر في هذه الأجرام العلوية والأجرام السفلية.
يفكر في هذه الأرض التي هذه عظمتها، ويستحضر أنها خلق يسير من خلق الله تعالى، وكذلك أيضا الأجرام العلوية الشمس والقمر والنجوم وما أشبهها فخلقها عظيم، ولكن الخالق أعظم، فهي مخلوقة ولكنها يسيرة وصغيرة وحقيرة إلى جانب عظمة الخالق.
ولأجل ذلك ذكروا أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ختم كتاب التوحيد بباب قول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ثم ذكر الأدلة على ذلك في هذه الآية يقول تعالى: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ الأرض مع سعتها قبضة الخالق تعالى. السماوات السبع مطويات بيمينه.
كذلك الأحاديث التي ذكرها في ذلك الباب؛ ذكر أن الله تعالى يقبض السماوات أو يضع السماوات على إصبع والأرضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع ثم يهزهن ويقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟
ملوك الأرض في ذلك اليوم يكونون أذلة كالمماليك، قد تخلوا عن ملكهم، وهم في الدنيا ملوك، قد ملك بعضهم الأرض شرقها وغربها، حتى حكي عن بعض ملوك بني العباس إذا مرت السحابة يقول: أمطري في أي بقعة من الأرض، فإن خراجك سوف يأتيني.
هذا أحد الملوك ومع ذلك في ذلك اليوم لا يملك أحدهم لنفسه نفعا ولا ضرا. لا شك أن هذا دليل على عظمة الخالق الذي هذه عظمته، وقد دل على ذلك الكثير من الآيات ومن الأحاديث، فمثل قول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ جاءت هذه الآية في ثلاث سور: في سورة الأنعام وسورة الحج وسورة الزمر إنكارا على المشركين الذين عظموا الأصنام، عظموا المخلوقات التي لا تنفع ولا تضر، وصرفوا لها خالص العبادة فيقال: إنكم ما عرفتم عظمة ربكم، ما قدرتم الخالق حق قدره، ما استحضرتم عظمة الله التي من استحضرها صغرت عنده الدنيا، صغرت عنده الدنيا وما عليها.

لا شك أن الخالق سبحانه وتعالى أعظم من أن يتصوره المخلوقون أو يُدركوا كنهه وعظمته. ذكر الشيخ ابن عبد الوهاب في هذا الباب عن ابن عباس قال: ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم. أي: مثل حبة خردل، يقبضها العبد في كفه ماذا تشغل حبة الخردل؟ أصغر من حبة الدخن أو نحوها. ماذا تشغل؟ بل ماذا يشغل ألف حبة يضعها في يده؟ لا شك أن هذا إشارة إلى صغر المخلوقات وحقارتها بالنسبة إلى عظمة الخالق سبحانه وتعالى، والدليل على ذلك أفعاله سبحانه وتعالى فإنها دليل على عظمته، وكذلك مخلوقاته.
في كتاب ثلاثة الأصول يقول: إذا قيل لك: من ربك فقل: ربي الله الذي رباني، وربى جميع العالمين بنعمه وهو معبودي ليس لي معبود سواه، ويستدل بقول الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ويذكر العلماء في هذه الآية رَبِّ الْعَالَمِينَ أن العالم كل ما سوى الله يدخل في ذلك الجماد والمتحرك الأحياء والأموات كلهم من العالمين، وقال بعضهم: إن الله خلق ألف عالم؛ ألف! الإنس عالم واحد، نوع الإنسان عالم واحد، فهذا العالم منه ما هو على هذه الأرض ومنه ما هو في البحر دواب البحر عالم لا يحصيهم إلا الله، الله تعالى هو عالمهم العالم بهم، قد علم عددهم ولا يكون شيء ولا يخلق إلا بعلمه وبإرادته وبتقديره.

line-bottom