إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
127609 مشاهدة
ذكر كيفية إحياء الموتى

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال رحمه الله تعالى: حدثنا الوليد بن أبان قال: حدثنا أبو سعيد الكسائي قال: حدثنا منجاب قال: حدثنا بشر عن أبي روح عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ قال: والطير الذي أخذ وز وطاووس وديك ورأل يعني: الأسود الكبير من كل جنس واحد فذبحهن فقطع رؤوسهن قال: فوضعها تحت قدمه ثم نتف ريشها فلم يبق منها شيئا فذراه في الريح، ثم أخذ كل طائر فشقه نصفين وهو قول الله عز وجل لإبراهيم فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ يقول: فخذ إليك أربعة من الطير فصرهن إليك يقول: فشققهن قال: فأخذ نصفين مختلفين، ثم أتى أربعة أجبل فجعل على كل جبل نصفين مختلفين وهو قوله تعالى: اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا يعني: هذا ثم تنحى ورءوسها تحت قدمه، فدعا بالاسم الأعظم فرجع كل نصف إلى نصفه وكل ريش إلى طائره، ثم أقبلت تطير بغير رؤوس حتى انتهت إلى قدمه تريد رءوسها أعناقها فلما رآها وما تفعل رفع قدمه فوضع كل طائر منها عنقه في رأسه فعادت كما كانت فقال إبراهيم -عليه السلام- حين رأى ذلك: وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ يقول: مقتدر على ما يشاء حكيم يقول: محكم لما أراد؛ إذ فعل هذا وأرانيه من آياته وذلك أن إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم تسليما كثيرا مر برجل ميت، قال: زعموا أنه حبشي على ساحل البحر فرأى دواب البحر تخرج فتأكل منه، وسباع الأرض تأتيه فتأكل منه، والطير تقع عليه فتأكل منه فقال إبراهيم -عليه السلام- عند ذلك: ربِّ: هذه دواب البحر تأكل من هذا، وسباع الأرض، والطير، ثم تميت هذه فتبلى، ثم تحييها بعد البلى فأرني كيف تحيي الموتى؟
قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا عبد الله محمد بن زكريا قال: حدثنا سلمة قال: حدثنا إبراهيم بن خالد الصنعاني قال: حدثنا عمر بن عبد الرحمن عن وهب بن منبه و رباح بن زيد عن أبي الهذيل عن وهب بن منبه -رحمه الله تعالى- قال: انقلب أرميا إلى بيت المقدس وهي خربة، ثم اجتنى تينا فجعله في مكتل وجعل في قلة له ماء، ثم ربط حماره إلى جنبه قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ عند ذلك فلبث مائة عام، ثم إن الله تبارك وتعالى رد ما بقي من سبي بني إسرائيل من حيث سباهم بختنصر فقال: من غبب أسيرا ثلاثا أو مالا له فقد حل ماله ونفسه حتى يتراجعوا إلى بلادهم بعد سبعين سنة، ثم استبنوا البيت، والقرية حتى عادت كما كانت فلما فرغوا منها بعث الله عز وجل أرميا -عليه السلام- فجعلت العظام تعاد بعضها إلى بعض حتى عاد كما كان، ثم أوحى الله عز وجل إليه: كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ فنظر إلى التين في مكتله لم يتغير، ونظر إلى الماء في القلة لم يتغير طعمه، ولم ينقص منه شيء، ومكث الحمار مائة سنة مربوطا لم يأكل، ولم يشرب فقال عند ذلك: أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
قال: حدثنا أحمد بن محمد إبراهيم قال: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال: حدثنا عبد المنعم بن إدريس بن سنان عن أبيه عن وهب بن منبه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أول شيء خلق الله عز وجل العرش من نور، ثم الكرسي، ثم لوحا محفوظا من درة بيضاء دفتاه من ياقوتة حمراء؛ قلمه نور وكتابه نور. ينظر الله عز وجل فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق في كل نظرة، ويحيي، ويميت، ويعز، ويذل، ويرفع أقواما، ويخفض أقواما، ويفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وخلق قلما من نور طوله خمسمائة عام، وعرضه خمسمائة عام قبل أن يخلق الخلق، وقال للقلم: اكتب. قال القلم: وما أكتب يا رب؟ قال: اكتب علمي في خلقي إلى أن تقوم الساعة فجرى القلم بما هو كائن في علم الله إلى يوم القيامة. إن كتاب ذلك العلم على الله يسير هين وسنة القلم مشقوقة ينبع منه المداد.
وذكر وهب -رحمه الله تعالى- أن الله عز وجل خلق العرش والكرسي من نوره، وخلق البيت المعمور من درة جوفاء فالعرش ملتصق بالكرسي.
والملائكة في جوف الكرسي، وذكر وهب رحمه الله أن حول العرش أربعة أنهار؛ نهر من نور يتلألأ ونهر يجري هو أشد بياضا من اللبن، في أسفله اللؤلؤ والدر والياقوت والزمرد والمرجان يرى من شدة صفائه وبياضه، ومنه تأخذ أنهار الجنة كلها، ونهر من ثلج أبيض تلتمع منه الأبصار، ونهر من ماء، والملائكة في تلك الأنهار يسبحون الله عز وجل، وللعرش ألسنة بعدد الخلق كلهم أضعافا فهو يسبح الله ويذكره بتلك الألسنة كلها.
قال وهب -رحمه الله تعالى- وللكرسي أربع قوائم كل قائمة أطول من السماوات، والأرض، وجميع الدنيا في جوف الكرسي مثل حبة خردل في كف أحدكم.
قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا ابن البراء قال: حدثنا عبد المنعم عن أبيه عن وهب عن كعب -رحمه الله تعالى- أن حول الكرسي سبعين ألف صف من الملائكة صف خلف صف يدورون حول العرش يقبل هؤلاء ويدبر هؤلاء، فإذا استقبل بعضهم بعضا هلل هؤلاء وكبر هؤلاء ومن ورائهم سبعون ألف قيام أيديهم إلى أعناقهم قد وضعوها على عواتقهم، فإذا سمعوا تهليل أولئك وتكبيرهم رفعوا أصواتهم، فقالوا: سبحانك وبحمدك، أنت الله الذي لا إله غيرك، أنت الأكبر ذخر الخلق؛ الخلق كلهم لك، ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة قد وضعوا اليد اليمنى على اليسرى على نحورهم من رؤوسهم إلى أقدامهم شعر ووبر وزغب وريش. ليس منها شعرة ولا وبرة ولا زغبة ولا ريشة ولا عظم ولا مفصل ولا قصبة ولا عصبة ولا جلد ولا لحم إلا وهو يسبح الله عز وجل ويحمده بلون من التسبيح والتحميد لا تسبحه الأخرى به، ما بين حاجبي الملك منهم مسيرة ثلاثمائة عام وما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة أربعمائة عام، وما بين كتفي أحدهم مسيرة خمسمائة عام، وما بين ثديي أحدهم مثل ذلك، ومن قدمه إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام، وما بين كعبه إلى ركبته مسيرة مائتي عام، وما بين ركبتيه إلى أصل فخذه مسيرة خمسين ومائتي عام، وما بين فخذه إلى أضلاع جنبيه مسيرة ثلاثمائة عام، وما بين ضلعين من أضلاعه مسيرة مائتي عام وما بين كفه إلى مرفقه مسيرة مائتي عام وما بين مرفقه إلى أصل منكبيه مسيرة ثلاثمائة عام وكفاه. لو أذن الله عز وجل له أن يقبض بإحداهما على جبال الدنيا فعل وبالأخرى على أرض الدنيا كلها فعل.
قال: حدثنا الحسن بن علي بن نصر قال: حدثنا محمد بن إسماعيل السلمي قال: حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا أبو صفوان الأموي عن يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن كعب الأحبار -رحمه الله تعالى- قال: قال الله عز وجل: أنا الله فوق عبادي وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على العرش أدبر أمر عبادي لا يخفى علي شيء من أمر عبادي في سمائي، وأرضي وإن حجبوا عني فلا يغيب عنهم علمي وإلي مرجع كل خلقي فأنبئهم بما خفي عليهم من علمي؛ أغفر لمن شئت منهم بمغفرتي، وأعذب من شئت منهم بعقابي.
قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا محمد بن موسى القطان قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا أبي قال: سمعت محمد بن حجادة عن سلمة بن كهيل عن عمارة بن عمير عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: الكرسي موضع القدمين له أطيط كأطيط الرحل.
قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا محمد بن الحسين إبراهيم بن أشكب قال: حدثنا سريج بن النعمان قال: حدثنا فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن في الجنة مائة درجة أعدها الله تعالى للمجاهدين في سبيله. ما بين كل درجتين كما بين السماء، والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ؛ فإنه وسط الجنة وفوقه عرش الرحمن تبارك وتعالى ومنه تفجر أنهار الجنة .
قال: حدثنا الوليد بن أبان قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن مرثد قال: حدثنا أحمد بن أبي حمدان الهيتي قال: حدثنا عمرو بن جرير عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي -رحمه الله تعالى- قال النبي -صلى الله عليه وسلم- العرش من ياقوتة حمراء، وإن ملكا من الملائكة نظر إليه وإلى عظمه فأوحى الله عز وجل إليه: إني قد جعلت فيك قوة سبعين ألف ملك لكل ملك سبعون ألف جناح فطر فطار الملك بما فيه من القوة والأجنحة ما شاء الله أن يطير فوقف فنظر فكأنه لم يسر .
قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا أسيد بن عاصم قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا سفيان عن ليث عن مجاهد -رحمه الله تعالى- في قول الله عز وجل: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قال: ما موضع كرسيه من العرش إلا مثل حلقة في أرض فلاة.
قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا أحمد بن مهدي قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا معتمر عن الليث عن مجاهد -رحمه الله تعالى- قال: ما أخذت السماوات والأرض من العرش إلا كما تأخذ الحلقة من أرض الفلاة.
قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا الحسن بن أيوب القزويني قال: حدثنا سلمة قال: حدثنا إبراهيم بن الحكم قال: حدثني أبي عن عكرمة -رحمه الله تعالى- قال: فالشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزءا من نور الستر.
قال: حدثنا أحمد بن جعفر الحمال قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن السعدي قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع -رحمه الله تعالى- وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ هو العرش وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ هو الماء الأعلى الذي تحت العرش.
قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا محمد بن إدريس قال: حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن أشعث بن عبد الله التميمي و عن عبد العزيز بن عمر أو عمران الشك من ابن العياش أن أبا ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتدري ما الكرسي؟ فقلت: لا قال: ما السماوات والأرض وما فيهن في الكرسي إلا كحلقة ألقاها مُلقٍ في أرض فلاة، وما الكرسي في العرش إلا كحلقة ألقاها مُلْقٍ في أرض فلاة، وما العرش في الماء إلا كحلقة ألقاها مُلْقٍ في أرض فلاة, وما الماء في الريح إلا كحلقة ألقاها مُلْقٍ في أرض فلاة، وما جميع ذلك في قبضة الله عز وجل إلا كالحبة، وأصغر من الحبة في كف أحدكم وذلك قول الله تعالى: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن مصعب قال: حدثنا عبد الجبار بن العلاء قال: حدثنا مروان بن معاوية عن محمد بن أبي ذئب المدني عن عبد الله بن محمد بن عمرو بن حاطب الجمحي عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السلمي قال: لما قفل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غزوة تبوك أتاه وفد من بني فزارة فقالوا: يا رسول الله ادع ربك أن يغنينا واشفع لنا إلى ربك وليشفع ربك إليك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويلك هذا أنا شفعت إلى ربي فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه؟ لا إله إلا الله العظيم وسع كرسيه السماوات والأرض، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد .
قال: حدثنا الوليد بن أبان قال: حدثنا أبو حاتم قال: حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا ابن المبارك قال: حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي عيسى قال: إن ملكا لما استوى الرب على عرشه سجد لم يرفع رأسه ولا يرفع رأسه حتى تقوم الساعة فيقول يوم القيامة: لم أعبدك حق عبادتك إلا أني لم أشرك بك شيئا ولم أتخذ من دونك وليا.
قال جدي رضي الله عنه: قرأت على أبي يعقوب يوسف بن داود عن محمد بن يوسف التميمي قال: حدثني محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن آبائه: أن رجلين من كندة أصابا في جبل لهم يقال له: بربر بعض ألواح موسى -عليه السلام- وإذا في الألواح: بسم الله الرحمن الرحيم. هو أول الأولين وآخر الآخرين، ثم إن الله تبارك وتعالى خلق قبل كل شيء القلم فكتب مقادير كل شيء ثم خلق الكرسي، ثم خلق الهواء والظلمات سبعة آلاف سنة ولم يكن نور إلا نور ربنا تبارك وتعالى، وخلق فيها ملائكة بلا أجنحة وكانوا ملائكة مقدسين، وكان قولهم يومئذ التقديس فكانوا مخلوقين مقدسين بلا اسم سموا، ثم بقي بعد ذلك تبارك وتعالى بلا شمس ولا قمر سبعة آلاف سنة, واحتجب بنوره عن الملائكة، ثم خلق من بعد الكرسي عرشه على الماء وخلق حوله الملائكة يسبحون بحمده ويرعدون من خيفته قال: فعند ذلك أمر البحرين فاصطكا؛ بحر الحياة وبحر لجي فلم يزالا يصطكان حتى خرج من بينهما زبد فلم يزالا حتى خرج من ذلك الزبد نار؛ فأوحى الله عز وجل عند ذلك إلى النار فأخرجت الزبد فصيرته أرضا، وارتفع من النار دخان فسمكها سماء، فكان مقدار خلقهن ستة أيام فقال لهن: اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وسبع أرضين ثم استوى فوق السماوات وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ثم خلق في كل سماء ملائكة يسبحون بالبركات؛ فقدر ربنا تبارك وتعالى لكل ملائكة من التسبيح رزقا بمقدار ما شاء؛ لأنه حيث خلقهم الله تعالى فضل بعضهم على بعض درجات، وذلك قوله فيما أنزل من كتابه: وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا .
قال ثم خلق ربنا تبارك وتعالى الدنيا سبعة آلاف سنة من قبل أن يخلق فيها آدم فكان فيها أمم كثيرة من الجن وغيرهم يعبدونه في الأرض، فعند ذلك بعث الله عز وجل إلى جميع تلك الأمم إبليس -لعنه الله- قاضيا يقضي بين تلك الأمم لا يزول عن حكومة الله شيئا ليلا ولا نهارا؛ فلبث بذلك ألف سنة فعند ذلك سمي حكما، وأوحى الله عز وجل إليه باسمه فلم يكن عرف شيئًا من الخلق غيره، فدخله من ذلك الكبر فاستعظم وتكبر؛ فعند ذلك عتا عن أمر ربه، فطغى وأطغى أهل مملكته، فألقى بينهم العداوة والبغضاء والبأس فاقتتلوا عند ذلك ألفي سنة؛ حتى جعلت خيولهم تخوض في دمائهم، وذلك قوله عز وجل في كتابه: أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ وذلك قول الملائكة لربهم في ذلك حين سخط عليهم: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ يعنون الدماء؛ فعند ذلك بعث الله عز وجل نارا من النار الموقدة فعذبهم بها.
قال: فلما رأى الخبيث ما نزل بهم من العذاب عرج عند ذلك إلى السماء فأقام عند الملائكة، فجعل يعبد الله عبادة مجتهد لم يعبده شيء من خلقه بمثل تلك العبادة. قال: فلم يزل يعبد الله في السماء أربعة آلاف سنة، وكان ربنا تبارك وتعالى قد أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم فسجدوا أجمعين غيره تكبَّر، واستعظم أن يطيع أو يسجد كما سجدت الملائكة، فقال: ما منعك ألا تسجد لبشر خلقته بيدي قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ وعبدتك أربعة آلاف سنة، ثم تأمرني أن أسجد لبشر خلقته من حمإ مسنون. قال: يا عبدي فإني لست أقبل من عبادتك شيئا إلا بالطاعة لعبدي هذا وبالسجود له قال: رب أعفني عن هذا، وأنا أضاعف لك العبادة بكل وجه ترضاه إلى أن يسمع من في السماوات والأرض، فقال له: إني لست أقبل منك يا عبدي من عبادتك شيئا إلا بالطاعة لعبدي هذا، أو بالسجود له فعند ذلك أبى أن يفعل، فأمره ربه عز وجل بالخروج منها، وأمر ملائكته أن يرجموه، فعند ذلك سمي المرجوم، وذلك قوله فيما أنزل من كتابه: فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ .
قال: حدثنا ابن الجارود قال: حدثنا محمد بن عيسى الزجاج قال: حدثنا عامر بن إبراهيم عن الخطاب بن جعفر عن أبي المغيرة عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلا أتاه فسأله عن هذه الآية اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ يسأله ثلاث مرات فلم يرد عليه شيئًا حتى إذا خف عنه الناس قال له الرجل: ما يمنعك أن تجيبني؟ قال: ما يؤمنك إن أخبرتك أن تكفر قال: أخبرنى. قال: سماء تحت أرض وأرض فوق سماء و. بعضها فوق بعض يدور الأمر بينهن كما يدور هذا الجرذان الذي يدور بالغزن عليه.
قال: حدثنا محمد بن أحمد عن عمرو قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثنا الحسن بن عمرو عن حسين بن حماد عن أبيه قال: خلق الله عز وجل العرش من زمردة خضراء وخلق له أربع قوائم من ياقوتة حمراء من نور وخلق له ألف لسان وخلق في الأرض ألف أمة كل أمة تسبح الله بلسان من ألسنة العرش.
قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب قال: حدثنا إبراهيم بن الوليد الجشاش قال: حدثنا غسان بن مالك قال: حدثنا عنبسة قال: حدثنا علاق بن أبي مسلم عن محمد بن علي ابن الحنفية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكرسي لؤلؤ، والقلم لؤلؤ، وطول القلم سبعمائة سنة وطول الكرسي حيث لا يعلمه العالمون .
قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا أبو طاهر قال: حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الدمشقي قال: حدثنا أبي عن جدي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر رضي الله عنه قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس وحده فقال: يا أبا ذر ما السماوات السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة .
قال: حدثنا الوليد قال: حدثني حسين بن معدان قال: حدثنا عبد الله بن رجاء قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة قال: أتت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة فعظم الرب عز وجل وقال: إن كرسيه وسع السماوات والأرض، وإنه يقعد عليه فما يفضل منه قيد أربع أصابع مد أصابعه الأربع وأن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله .
قال: حدثنا الوليد قال: حدثني حسين بن علي الطبري قال: حدثنا عبد الله بن أبي زياد قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه.
قال: حدثنا أبو يحيى الرازي عبد الرحمن بن محمد قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر عن الربيع -رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ فلما خلق الله السماوات والأرض قسم ذلك الماء قسمين الذي كان عليه عرشه فجعل نصفه تحت العرش وهو البحر المسجور فلا تذهب منه قطرة حتى ينفخ في الصور، فإذا نفخ في الصور أنزل ماء مثل الطل على الأرض فتنبت منه أجسام من هو مبعوث من الجن والإنس فهو الذي يقول الله عز وجل: يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ إلى قوله: كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ قال: فينبتون كما تنبت الحبَّة ثم قال في آية أخرى: كَذَلِكَ النُّشُورُ ثم قال في آية أخرى: كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى قال: وجعل النصف الآخر تحت الأرض السفلى قال: وهو مكتوب في الكتاب الأول يسمى اليم.


نلاحظ من هذه الآثار، وهذه الأحاديث عظمة هذه المخلوقات، ولا شك أن عظمتها دليل على عظمة من أوجدها وخلقها، ولذلك تقدم لنا آثار. تفكروا في المخلوق ولا تتفكروا في الخالق.
فإنا إذا تفكرنا ونظرنا في المخلوقات التي بين أيدينا عرفنا عظمتها، وعجائب خلقها، وإيجادها، وما فيها من العبر، وعرفنا كيف أنشئت. أنشأها الله على غير مثال سبق يدل ذلك على أن الذي أنشأها قادر على كل شيء، وأنه خالق كل شيء؛ وعلى هذا فيستحق العبادة وحده، ويستحق التعظيم وحده سمعنا في هذه الآثار.