اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
205168 مشاهدة print word pdf
line-top
من صرف قلبه عن التفكر فإنه كالأعمى قال تعالى: ونحشره يوم القيامة أعمى

...............................................................................


وهكذا يتفكر كل عاقل، فأما من صرف قلبه عن التفكر فإنه بمنزلة الأعمى كما سمعنا في قوله تعالى: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا ليس المراد طمس العينين بحيث لا يبصر شيئا، ولكن المراد بالأعمى عمى البصيرة، وهو الذي لا يتفكر ولا يتعقل ولا ينظر فيما خلق له، ولا يتأمل فيما بين أيديه ولا فيما خلفه، فكأنه مسلوب البصر، بل قد يكون الأعمى الذي لا يبصر خيرا منه، وذلك لأن من سلب البصر، ولكنه رزق بصيرة فإنه ينفعه عقله وتنفعه بصيرته، فيتفكر ويتعقل ويتدبر ولو كان لا يرى شيئا مما حوله. فالبصيرة التي هي نور في القلب يقذفه الله تعالى في البصائر هو الذي يحصل بهذا النور التعقل في آيات الله تعالى، والبصيرة في أمره فيقال: إن العمى عمى البصيرة وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا .
وقد فسر الإمام أحمد قول الله تعالى: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا فقال: إن العمى هاهنا عمى البصيرة. يعني: أعمى عن حجته، وذلك لأنه في الدنيا كأنه أعمى حيث لم ينتفع بعينيه لم ينظر بها نظر عبرة، ولم يتفكر فيما بين يديه وما خلفه، ولم يتأمل في الآيات، ولم يكن من أهل التفكر الذين يعتبرون بالآيات. يقول الله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فُسر المتوسمون بأنهم المتأملون والمتعقلون، الذين يعرفون سمات كل شيء. كل شيء عليه سمة يعني وسما لا يظهر هذا الوسم وهذه السمة إلا لأهل العقول، الذين يتأملون ويتفكرون. فأما من لم يتفكر فإنه بمنزلة من حرم هذه الحواس ولهذا يقول الله تعالى عن بعض الأمم الذين أهلكهم قال: وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ .
لهم سمع وأبصار وأفئدة ولكن ما نفعتهم هذه الجوارح حيث أنهم لم يستعملوها في طاعة الله ولم يتفكروا بها في آيات الله، فإذا رأيت الذي ينتبه لما بين يديه ولما خلفه من الآيات الكونية وعجائب المخلوقات عرفت أنه من المتوسمين، وأما إذا رأيت المعرض عن هذه الآيات والمشتغل بالشهوات، فإنك تعرف أنه من أهل العمى عمى البصيرة فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ .

line-bottom