جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
184304 مشاهدة print word pdf
line-top
صفة حملة العرش وعددهم وعظمتهم

...............................................................................


سمعنا في هذه الآثار شيئًا من صفاتهم، وأصح من ذلك الحديث الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: أذن لي أن أحدث عن ملك ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة سنة أو كما قال. يعني: تصوير له أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه وهو الكتف مسيرة. هذه المدة الطويلة. كيف يكون مقدار بقية جسده؟ إذا كان هذه مسيرة ما بين شحمة الأذن والعاتق الذي هو المنكب فكيف ببقيته هذا من حملة العرش.
وورد في صفاتهم ما يدل على عظمتهم ومع ذلك لما خلقهم الله قال: خلقتكم لحمل عرشي. قالوا: كيف نحمل عرشك، وأنت رب العالمين؟ يعني كيف نطيق حمله فقالوا: إنهم يحملونه بالتسبيح لولا أن الله تعالى أعانهم بأن يسبحوه لما قدروا على حمله، والدليل قول هذه الآية: وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وكذلك قوله: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فهم حملة هذا العرش ما يقدرون على حمله إلا أن يعينهم الله تعالى، يستعينون على ذلك بتسبيح الله تعالى وتكبيره.
كذلك ورد أيضًا أنه لا يحصي عدد الملائكة إلا خالقهم، ففي حديث الإسراء لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم قال: أُريت البيت المعمور في السماء السابعة، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه في سماء واحدة كل يوم يدخله من الملائكة سبعون ألف ملك ولا يعودون إليه بقية الدنيا. اليوم الثاني يدخله للصلاة فيه مثلاً سبعون ألفًا غيرهم، وهكذا في اليوم الآخر وما بعده إلى آخر أيام الدنيا من الذي يحصي عددهم، لا يحصي عددهم إلا الله.
ولأجل ذلك لما نزل قول الله تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ وسمع ذلك المشركون الذين يكذبون بالنار، ويكذبون بالبعث فقالوا: يزعم محمد أن الذين يعذبونكم في النار تسعة عشر، وأنتم أكثر القوم أفيعجز كل مائة منكم عن واحد منهم؟ -نعوذ بالله- أنزل الله في آخر الآية وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا إلى قوله: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ استهزءوا وكان ذلك فتنة لهم. استهزءوا بهذا العدد كأنهم يقولون: هذا عدد قليل الذين هم خزنة النار، ونحن أكثر القوم حتى روي عن أبي جهل أنه قال: اكفوني تسعة وأنا أكفيكم عشرة، وكذلك أيضًا روي عن واحد منهم مذكور بنشاطه أنه قال: اكفوني اثنين، وأنا أكفيكم سبعة عشر.
قد اشتهر أن أبا جهل قال: أتدعون محمدًا يسجد أمامكم في المسجد وأنتم ترونه لئن رأيته لأسلخن رأسه يقول: فلما أن سجد جاء بصخرة كبيرة، ولما أقبل بها ذهل وفزع، وجاء مذعورًا خائفًا فقيل له: ماذا رأيت؟ وإذا يداه قد يبستا على تلك الصخرة فأخبر بأنه رأى شيئًا هاله فقال صلى الله عليه وسلم: ذلك ملك أو تلك ملائكة لو جاء لاختطفته .

line-bottom