شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
كثرة من ينكرون الخالق سبحانه
...............................................................................
كثر الذين ينكرون الخالق سبحانه ويسندون الأمور إلى الطبائع وإلى العادات. في هذا العصر قد كثر ما تمكن أمثال هؤلاء ممن يسلكون طريق الدهريين والشيوعيين، وكذلك الذين يقتصرون على أمورهم المعيشية وشهواتهم البهيمية ولا يتفكرون ولا ينظرون فيما خلقوا له ولا فيما أمروا به، ويعتقدون أنهم ما خلقوا إلا لأجل أن يأكلوا ويشربوا ويتناولوا هذه المشتهيات والملذات الدنيوية، ولا يفكرون في أمر وراء ذلك، ولا يفكرون فيما بين أيديهم وفيما خلفهم. ولا شك أن هؤلاء أقرب شبها بالبهائم قال الله تعالى: رسم> وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ قرآن> رسم> .
معلوم أن الله تعالى أعطاهم أسماعا وأبصارا وألسنة وأفئدة ولكن لما لم ينتفعوا بها كانوا كأنهم محرومون منها أي: من نفعها ويقول تعالى في آية أخرى: رسم> وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ قرآن> رسم> لما أن جحدوا بآيات الله ما نفعتهم هذه الحواس التي أعطاهم الله، وفضلهم بها على غيرهم وجعلهم يعقلون ويفهمون.
فلما كانوا كذلك صاروا أقرب إلى أن يكونوا من الذين فقدوا هذه العقول، ففقدها قد يكون خيرا لهم. يكثر في القرآن الأمر بالتفكر في آيات الله بل يكثر ذكر هذه الآيات وبيان دلالتها على عظمة الله. ذكروا أنها لما نزل قول الله تعالى: رسم> وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ قرآن> رسم> قال المشركون: ما الدليل على أنه إله واحد رسم> أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا قرآن> رسم> نزلت بعدها الآية التي فيها التفكر، وفيها آيات الله رسم> إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قرآن> رسم> .
ذكر الله هذه الآيات: رسم> إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ قرآن> رسم> أي: سبع آيات. تكفي واحدة منها للدلالة على أن الذي خلقها هو الإله الحق.
وكذلك أيضا كثيرا ما يذكر الله تعالى هذه الآيات ويأمر أو يخبر بأنها آيات، ففي سورة الروم يقول الله تعالى: رسم> وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ قرآن> رسم> أي: من الأدلة التي نصبها على نفسه دالة على عظمته رسم> وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ قرآن> رسم> رسم> وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ قرآن> رسم> رسم> وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قرآن> رسم> رسم> وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ قرآن> رسم> أي: من الأدلة التي يستدل بها على عظمته رسم> وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ قرآن> رسم> يعني: أن هذه من الدلالات التي يستدل بها على عظمته سبحانه.
وكذلك لما يذكِّر بعظمته في السورة التي بعدها قال: رسم> خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ قرآن> رسم> ذكر هذه الأدلة ثم قال: رسم> هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ قرآن> رسم> هل خلقوا شيئا من ذلك؟ ليس لهم خلق بل هم مخلوقون.
مسألة>