القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير logo الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
184335 مشاهدة print word pdf
line-top
الأرض وما فيها من معادن من آيات الله

...............................................................................


وهكذا أيضا جعل الأرض لينة تنبت، ولو كانت الأرض صخرية ما انتفعوا بها ولهلكوا، وكذلك لو جعلها كلها من نوع واحد كصخر مثلا أو نحوه لما عاشت عليها دابة ولا إنسان، ولكن جعلها لينة تنبت، وهذه النباتات التي تنبت على ظهر الأرض فيها أيضا عبرة وموعظة حيث أخبر الله تعالى بأن اللقاح واحد وأن الأم واحدة في قوله تعالى: يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ فاللقاح الذي هو الماء واحد، والأم التي هي الأرض واحدة؛ ولكن أخبر بأن هذه النباتات مختلفة الزهور والطعوم والألوان والروائح والطبائع والأشكال والأغراض والأنواع. منها ما هو طعام لنوع الإنسان، ومنها ما هو علف للحيوانات، ومنها ما هو طعام للطيور أو للسباع.

وكذلك أيضا الحيوانات تختلف، فمنها ما يأكل هذا ومنها ما يأكل هذا، فجعل الله تعالى لها هذا القوت بهذا النبات. لا شك أنه آية وعبرة؛ ولذلك قال تعالى: فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ وفي آية أخرى: مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ أي: يبهج الناظرين إذا نظر إليها العاقل اعتبر بها وتذكر. كل ذلك داخل في قوله تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ثم جعل فيها أيضا معادن لتخرج ما ينتفعون به، وما يتمتعون به؛ إما أن تكون تلك المعادن نابتة في الأرض خلقها الله فيها من حين خلقت الأرض، وإما أن تكون متولدة كما يتولد النبات أودعها هذه المعادن كثيرة الأنواع، لا يحصيها إلا الله تعالى. منها ما هو نفيس مثل معدن الذهب، يستخرج من الأرض بمعنى أنه يوجد في أطراف أو في بعض الأرض هذا النوع، وهذا المعدن فيستخرج ويسبك منه هذا الذهب الذي هو أغلى وأنفس ما يدخر وما يجعل في أمان، وأثمانا للسلع التي تمتلك مع أنه لا يمكن أن ينتفع به بعينه، ولكن جعل الله له رغبة في قلوب الناس، وجعل له هذا الغلاء وهذه الرغبة مع أنه ليس مطعوما ولا مأكولا ولا مشروبا ولا ملبوسا حديد أو شبه حديد يستخرج من جوف الأرض، ثم تكون له القيمة العظيمة الرفيعة التي تدفع النفوس إلى التهالك عليه وإلى الحرص على اقتنائه وقد ذكره الحريري في مقاماته بوصف الذم في قوله:
تبـا لـه مـن خـادع ممـاذق
أصفـر ذي وجـهين كالمنــافق
يبـدو بـوصفين لعيـن الراشق
زينــة معشـوق ولـون عاشق
لـولاه لم تقطع يمين الســارق
ولا بـدت مظـلمـة مـن فاسـق
ولا اشـمأز بـاخل مـن طـارق
ولا شكى الممطول مطـل العائــق
وشـر مـا فيـه مـن الخـلائق
أن ليس يغني عنك في المضــائق
إلا إذا فــر فـــرار الآبــق
.................................
يعني أنه رفيع في النفوس، ومع ذلك فإنه تحصل منه هذه الآفات التي تدفع النفوس إلى مثل هذه الآفات التي ذمهم لأجلها، ولكن الله تعالى جعل له هذه القيمة. يستخرج من جوف الأرض. جعل في الأرض أماكن يستخرج منها هذا الذهب، ولما كانت له هذه النفاسة صار أيضا في الجنة، ولهذا قال في وصف أهل الجنة: يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ فلما كان الحلي الذهب من أرفع قيم ما يتحلى به جعل الله لأهل الجنة حلية ذهب فيها؛ لكونه من أرفع ما يتحلى به وأغلاه وأعزه في النفوس، وإن كان لا يؤكل ولا يشرب.
هذا النوع يستخرج من جوف الأرض، ومثله أيضا بقية المعادن فمثلا معدن الفضة، الفضة البيضاء التي هي أيضا مما يستخرج من جوف الأرض، وينتفع به أي: يجعل قيما للسلع وأثمانا للممتلكات، وأيضا الحديد كما هو معروف يستخرج من الأرض ثم يصفى ويسبك، ويضرب وتكون له هذه القيمة وهذه النفاسة الرفيعة.
كذلك أيضا ما ورد أيضا ما يستخرج أيضا من جوف الأرض من بقية أنواع المعادن التي ينتفع بها، ولو عدمت لتضرر الناس، فمثلا معادن النحاس التي هي أواني ومعادن الحديد ومعادن الصفر ونحوه، وكذلك أيضا معادن الرصاص وما أشبهه، وهكذا أيضا المعادن الحجرية كالكحل والملح والجص وما أشبهه. كل هذه تستخرج من الأرض، وهكذا أيضا ما يستخرج من البحار حيث إن هذا البحر أيضا ينبت فيه نباتات عزيزة رفيعة الثمن قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إن هذه الحلية التي تستخرج من البحر مثل اللؤلؤ والجوهر، وهو أعز ما يستخرج من البحر، والزمرد والعقيان وما أشبهه. كل هذه تنبت بإذن الله في جوف البحر وتستخرج، ويكون لها ثمن رفيع لا يعرفه ولا يغالي فيه إلا أهله الذين يعرفون نفاسته نقول: إن هذه الآيات من آيات الله. إذا تفكر فيها العاقل واعتبر عرف قدرة الخالق سبحانه وتعالى، وهكذا هذا كله داخل في قوله تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ .
وقد ذكرنا أن ابن القيم رحمه الله تكلم عليها في كتابه التبيان في أقسام القرآن، لما تكلم على القسم الذي في هذه السورة وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا إلى قوله تعالى: فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ كان من جملة ما تكلم عليه هذه الآية وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وكذلك أيضا على ما بعدها في قوله: وَفِي أَنْفُسِكُمْ وأطال النفس في الكلام على هذه الجملة: وَفِي أَنْفُسِكُمْ وله أيضا ولغيره كلام كثير حول هذه الآيات وهذه العبر التي يعتبر بها المؤمنون ويتفكرون فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ .
نواصل القراءة.

line-bottom