شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
آثار المعاصي في طمس المعرفة بالله ووجوب التوبة
...............................................................................
كذلك أيضاً لا شك أن المعاصي لها آثار في طمس المعرفة فهم لما أنهم أشركوا وعظّموا هذه الآلهة التي اتخذوها مع الله، وكذلك أيضاً ألفوا السيئات، وانهمكوا في الذنوب وفي المعاصي كان ذلك من أكبر الأسباب الحائلة بينهم وبين التعقل لهذه الآيات ولهذه الدلالات، ولهذا الذين هداهم الله تعالى، وأقبلوا بقلوبهم، وقرءوا القرآن، واستمعوا له، وأنصتوا استدلوا به على أنه من الله تعالى، واستدلوا به على صدق من جاء به، واستدلوا أيضاً على وحدانية الرب الخالق سبحانه وعلى أنه المستحق للعبادة، وقد دل على ذلك كثرة الذين دخلوا في الإسلام عندما سمعوه، وفهموه.
في هذه الأزمنة الكثير من الدول لا يفهمون القرآن وإذا قرءوه باللغة العربية لم يدروا ما معناه وقد عملت له تراجم ولكن تلك التراجم لا تعبر حقًّا عن بلاغته، وقوة أساليبه، وإنما هي تراجم لمعانيه يفوت معها بلاغته وبيانه وإعجازه الذي أعجز الله به البشر الذين في عهده.
ومع ذلك فإن الكثير منهم اهتدوا بعد أن قرءوه ولو مترجماً. والذين تعلموا معانيه باللغة الفصيحة العربية كانوا أيضاً أسرع إلى تصديقه؛ حتى أن بعضهم لما عرف اللغة العربية وأخذ المصحف وقرأ أول آية في سورة البقرة وهي قوله تعالى: رسم> ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ قرآن> رسم> كلمة لا (ريب فيه) تؤكد أنه حق وصدق، فكان سبب تقبله. أول آية تؤكد أنه لا ريب يعني: لا شك فيه، ولا توقف بل إنه حق وصدق.
فنقول: إن القرآن مليء بالآيات التي تدل على عظمة الخالق سبحانه، وعلى عظمة صفاته، وعلى وجوب تعظيمه سواءً بذكر أسمائه التي سمى بها نفسه وما يستدل بها عليه من صفاته، أو بذكر صفاته التي وصف بها نفسه، أو بذكر أفعاله التي أضافها إلى نفسه أنه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وأنه الفعال لما يريد، وكذلك أيضاً بذكر ما قصه من القصص عن الأمم السابقة وما وقع بهم، وهكذا يتبع ذلك. فمَن تعقل حقًّا هذه النصوص فإنه:
أولاً: يصدق بأنها من الله تعالى.
ثانياً: يعرف عظمة الرب تعالى وجلاله وكبرياءه ويعترف بذلك ويحمده ، كما لو قرأ قول الله تعالى: رسم> فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قرآن> رسم> واعترف بذلك أي كونه له .سطرين من هذا القرآن فيهما هذه العجائب والتعظيم.
وثالثا: يعظم قدر ربه في قلبه ويبقى معظماً لله تعالى ويخلص دعاءه وعبادته لله، ويبتعد عن ما نهى الله عنه، ويحافظ على طاعته وعبادته.
ورابعاً: يصدق بوعده ووعيده، يصدق بأنه وعد من أطاعه بالجنة ومن عصاه بالنار، وأنهما حق؛ أن الجنة حق وأن النار حق، ثم بعد ذلك يجد ويجتهد في طلب الثواب وفي الهرب من العقاب، وبذلك يكون ممن عظم الله تعالى حق تعظيمه. والآن نواصل القراءة.
مسألة>