إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
127642 مشاهدة
عجائب المخلوقات تدل على عظمة الخالق

...............................................................................


فهذه مخلوقاته التي خلقها اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ خلقها أعظم من خلق الإنسان كما قال تعالى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ أي أنهم لو تفكروا في خلق هذه الأرض وعظمتها واتساعها، وما فيها من المخلوقات، وما فيها من البحار والمهاد والأودية والجبال والتلال والرمال وما أشبهها؛ لعرفوا أن الذي خلقها أكبر من كل شيء، وأن خلقها أعظم من خلق الناس، فيعترفوا لمن خلق هذه أنه الإله الحق، وأن إلهية ما سواه باطلة فينيبوا إليه؛ ولذلك يقول تعالى في هذه السورة سورة الزمر: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ وصف نفسه بأنه خالق كل شيء، وأن المخلوقات حقيرة بالنسبة إلى عظمته، ولذلك قال: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ .
كذلك أيضا وصف يوم القيامة بقوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثم قال: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ويكون هذا في الآخرة عندما يأتي الله تعالى لفصل القضاء بين عباده.
وكذلك أيضا في الدنيا، فكل ما في الدنيا من الأنوار فإنه من نور الله تعالى وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا فكل ما فيها من نور فهو من نور الله تعالى، ولذلك يقول تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ويقول النبي صلى الله عليه سلم: إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام؛ يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجه ما انتهى إليه بصره من خلقه أي: احتجب عن عباده بهذا النور.
ولما سئل النبي صلى الله عليه سلم هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه؟ أي كيف أراه؟ أي دونه الأنوار التي إذا كشفها احترق ما أدركه بصره من خلقه، وكذلك أيضا لما طلب موسى عليه السلام الرؤية أن يرى ربه بقوله: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قال الله تعالى: لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا لما أن الرب تعالى تجلى للجبل العظيم اندك الجبل من عظمة الله تعالى. لا شك أن هذا دليل على عظمة الخالق تعالى، فهو احتجب عن خلقه بهذه الأنوار.
وجاء هذا على وجهه في الحديث الآخر أنه صلى الله عليه وسلم لما ذكر الجنة قال: جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن رداء الكبرياء، ومثل ما ذكر في الحديث القدسي: العظمة إزاري والكبرياء ردائي أي: جعل هذا الرداء على وجهه وهو الكبرياء.
وكلما فكر العباد في عظمة مخلوقات الله تعالى استحضروا أن الخالق أعظم من كل شيء. فإنا إذا نظرنا في هذه الأرض التي هي من أصغر مخلوقات الله، وتفكرنا أيضا في الأفلاك العلوية، السماوات التي هي محيطة بالأرض، وكذلك الأفلاك أي: الشمس والقمر والنجوم وما فيها، كل ذلك يدل على عظمة من أوجدها وخلقها، فيأخذ المؤمن ذكرى وعبرة على أن الذي خلقها هو أهل أن يعبد وأن يوحد، وهو الإله الحق كما في هذه الآية التي سمعنا قول الله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ثم أتبعها بالآيات البينات التي تدل على إلهيته وهي قوله: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلى آخر الآيات إلى قوله: لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فالذين يتفكرون في هذه المخلوقات يعرفون بها أنها مخلوقات، وأن من خلقها هو أعظم من كل شيء، وأنه أهل أنْ يعظم وأنْ يعبد وحده.