تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
128446 مشاهدة
عدم تحمل المخلوقات رؤية الله

...............................................................................


في بعض الروايات أنه ما تجلى من ذاته سبحانه للجبل إلا الشيء القليل حتى قُدِّر بأنملة. تجلى من ذاته وكشف من ذاته للجبل هذا القدر القليل؛ فاندك الجبل من أثر هيبته، وعظمته، ونوره. فهذا في هذه الحياة الدنيا. أنه لو كشف هذا النور لاحترق ما يصل إليه نوره من خلقه، وقد ذكر في هذه الآثار أن هذه الحجب منها حجاب من نور، وحجاب من نار، وغيرها من الحجب. وهذه الحجب التي احتجب الله تعالى بها من النور، بمعنى أنها تمنع الأنظار أن تصل إليه .
في صحيح مسلم عن أبي ذر أنه قال: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنى أراه أي: لا يمكن أني أراه لما دونه من النور أو بما احتجب به من النور، وفي رواية: رأيت نورًا أي: رأى النور، ولكن لا يدل على أنه رأى ذات الرب تعالى، فإنه سبحانه من عظمته لا يبرز لشيء في الدنيا إلا اندك، واضمحل كما حصل ذلك للجبل. ومعلوم أيضًا أن هذه الحجب مخلوقة ومع ذلك هذه عظمتها.
الحجاب الواحد سمكه مسيرة خمسمائة سنة فكيف بسبعين حجابًا، وكيف بسبعين ألفًا من الحجب، خلقها الله تعالى.
أين تلك الحجب؟ وأين تصل إليه؟ وقد ذكر الله تعالى أن نور السماوات والأرض من نوره. قرأ بعضهم قول الله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فقال. قرأها: الله نوَّرَ السماوات والأرض، ولكن القراءة المشهورة: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ؛ يعنى أن ما في السماوات وما في الأرض من النور فإنه من نور الله الذي خلقه. سمى الله تعالى القمر نورًا، وكذلك الشمس سماها أيضًا نورًا وضياء. والذي خلق بها هذا النور فهو مخلوق من جملة الأنوار. مع ذلك هذه الشمس التي هي مخلوقة لا يستطيع أحدنا أن ينظر إليها، إذا حدق نظره إليها أصابه شعاع من شعاعها تأثر تأثيرًا على بصره.