إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. logo    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
174282 مشاهدة print word pdf
line-top
تفكر السلف والأئمة رحمهم الله

...............................................................................


كثير من السلف يحثون على ذلك في ذلك قولهم: تفكر ساعة خير من إحياء ليلة كما مر بنا، أو تفكر ساعة أو تفكر ليلة خير من قيام ستين ليلة أو ستين عاما، ولعلهم يريدون أن هذا التفكر الذي هو تعقل فيما خلق له الإنسان يكسبه عبادة قلبية، ولذلك يشاهد أن كثيرا منهم ينشغل بالتفكر فيكون سكوته تفكرا، وهذا هو الذي ينبغي أن يكون عليه كل مسلم؛ إذا كان صامتا فيجعل صمته تفكرا، ولكن الكثير يكون تفكره وحديث نفسه في أمور دنية في شهواته وفي دنياه وفي ملذاته، وفي حوادثه وما جرى له، وما عرض له فيمضي عليه وقت طويل وهو صامت، وإذا نظر لم يزدد من هذا الصمت شيئا ينفعه، بل يقطع سكوته بهذه الأحاديث التي هي وساوس نفس، وحديث يمضي أو يمر على قلبه، وأما السكوت التي ينفع التفكر فيه فهو التفكر في عواقب الأمور، فإنه التفكر الذي يفيد من تفكر، فيُنقل عن السلف كما مر بنا عن سفيان الثوري و مالك بن دينار وغيرهم من الأئمة أنهم يمضون ليلة وهم يتفكرون في أي شيء؟ منهم من يتفكر في النار ويتذكر ما فيها.
إذا أعطي ماء ليتوضأ به وجده شديد البرد تذكر زمهرير جهنم، وأخذ يفكر في شدة بردها وفي شدة ألمها، فيطول تفكيره يقضي ليله وهو في هذا التأمل والتفكر حتى وجدوا يده كما مر بنا مبسوطة في ذلك الماء الشديد البرد حتى فاته قيام تلك الليلة، وقد كان يقوم واعتبر أن جلوسه وتفكره عبادة، وأنه أفضل من صلاته لو صلى وهو غافل. لو صلى وهو ساه غافل لم يزدد بصلاته درجات، فإذا جلس يتفكر في الدار الآخرة وفي النار وما بعدها وألمها فإن قلبه يتعظ وأنه يعتبر ويعمل الأعمال الصالحة التي تنجيه من ذلك العذاب .

line-bottom