إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه logo لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
173889 مشاهدة print word pdf
line-top
الله ملك يوم الدين ولا ملك لمن سواه

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال رحمه الله تعالى ذكر شأن ربنا تبارك وتعالى وأمره وقضائه.
قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن فاذويه قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان قال: حدثنا محمد بن يحيى المروزي قال: حدثنا عاصم بن علي قال: حدثنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع، فقال: إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره ثم قرأ أبو عبيدة أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ذكر عبدة السجستاني قال: سألت عمرو بن أبي قيس وكان قدم سجستان في تجارة ما سبحات وجهه قال: جلا كان في أصل أبي الرجاء أولا جلا وجهه فأصبح جلال وجهه.
قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا أبو كريب وأحمد بن إبراهيم الدورقي قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات: إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .
قال: حدثنا محمد بن يحيى المروزي قال: حدثنا عاصم بن علي قال: حدثنا المسعودي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى رضي الله عنه أن موسى عليه السلام قال له قومه: أينام ربك؟ قال: اتقوا الله إن كنتم مؤمنين فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن خذ قارورتين فاملأهما ماء، ثم أمسكهما ففعل فنعس فنام، فسقطتا من يده فانكسرتا فأوحى الله عز وجل إلى موسى إني كذلك أمسك السماوات والأرض أن تزولا ولو نمت لزالتا.
قال: حدثنا إسماعيل بن موسى الحاسب قال: حدثنا جبارة قال: حدثنا علي بن مسهر عن إسماعيل بن أبي خالد عن يحيى بن رافع في قوله عز وجل: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ قال: النعاس.
قال: حدثنا إسماعيل قال: حدثنا جبارة قال: حدثنا مروان بن معاوية عن جويبر عن الضحاك في قوله عز وجل: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ قال: النعاس وَلَا نَوْمٌ قال: الاستثقال.
قال: حدثنا محمود بن محمد الواسطي قال: حدثنا العباس بن عبد العظيم قال: حدثنا عبيد الله قال: حدثنا إسرائيل عن السدي عن أبي مالك رحمه الله قال: إن الأرضيين على حوت والسلسلة في أذن الحوت، والحوت في يد الله تبارك وتعالى، وذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا .
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن شريح قال: حدثنا محمد بن رافع النيسابوري قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال: حدثني عبد الصمد أنه سمع وهب بن منبه رحمه الله تعالى يقول: إن ناسا من بني إسرائيل سألوا نبيهم عن الرب تبارك وتعالى أين يكون في أي البيوت يكون؟ أو نبني له بيتا نعبده فيه أو يبنى له بيتا؟ فأوحى الله عز وجل إليه: إن قومك يسألونك عني أين أكون فيعبدوني، وأي بيت يسعني ولم تسعني السماوات والأرضون؟ فإذا أروادوا مسكني فإني في قلب العفيف الوادع الورع.
قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يد الله بسطى لمسيء الليل ليتوب بالنهار ولمسيء النهار ليتوب بالليل حتى تطلع الشمس من مغربها .
قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا محمد بن حسين بن إبراهيم و أحمد بن منصور قالا: حدثنا معاوية بن هشام قال: حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النار. لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره .
قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا الدورقي قال: حدثنا بهز بن أسد قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا عبيدة يحدث عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تبارك وتعالى يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار حتى تطلع الشمس من مغربها .
قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع: إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، يرفع إليه عمل النهار قبل الليل وعمل الليل قبل النهار، وإن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها .
قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا يوسف القطان قال: حدثنا جرير عن العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النار. لو كشف طبقا أحرق سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره. واضع يده لمسيء الليل ليتوب بالنهار ومسيء النهار ليتوب بالليل حتى تطلع الشمس من مغربها .
قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا يوسف بن موسى قال: حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا سفيان الثوري عن حكيم بن الديلم عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النار. لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره .
قال: حدثنا أبو بكر البرذعي قال: حدثنا سليمان بن سيف الحراني قال: حدثنا أبو علي الحنفي قال: حدثنا عباد المنقري وهو عباد بن ميسرة عن محمد بن المنكدر قال: حدثنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وهو على المنبر: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ حتى بلغ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ فقال: . وذهب ثلاث مرات .
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الجعد قال: حدثنا أبو إبراهيم الترجماني قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن عبيد الله بن مقسم قال: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: يأخذ الجبار سماواته وأرضيه بيده وقبض يده، وجعل يقبضها، ويبسطها ويقول: أنا الجبار، أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ويتميل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن شماله حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل منه حتى إني لأقول: هو ساقط برسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا محمد بن صالح الواسطي عن سليمان بن محمد العمري عن عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على هذا المنبر يعني منبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحكي عن ربه عز وجل وقال: إن الله عز وجل إذا كان يوم القيامة جمع السماوات السبع والأرضيين السبع في قبضته، ثم يقول: أنا الله الرحمن، أنا الملك أنا القدوس أنا المؤمن أنا المهيمن أنا العزيز الجبار، أنا المتكبر أنا الذي بدأت الدنيا لم تك شيئا، أنا الذي أعيدها أين الملوك؟ أين الجبابرة؟ .
قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا يحيى بن يمان عن عمار بن عمر عن الحسن رحمه الله تعالى في قوله عز وجل: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قال: يقبضها وقضيضها كأنها جوزة في يده.
ورواه سفيان عن عمار الدهني عن مسلم البطين قال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ قال: السماوات والأرض قبضة واحدة.
قال: أخبرنا الوليد قال: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية قال: حدثنا المعافى بن سليمان قال: حدثنا محمد بن سلمة قال: حدثنا أبو الواصل عن أبي مليح الأزدي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يطوي الله عز وجل السماوات السبع بما فيهن من الخلائق والأرضيين بما فيهن من الخلائق، يطوي كل ذلك بيمينه فلا يرى من عند الإبهام شيء، ولا يرى من عند الخنصر شيء فيكون ذلك كله في كفه بمنزلة خردلة.
قال: حدثنا عبد الرحمن بن داود قال: حدثنا محمد بن العباس بن الدرفس قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: حدثنا إبراهيم بن أيوب عن الوليد بن مسلم قال: يقيم ربنا عز وجل إذا مات الخلائق مثل عمر الدنيا بعدما يبعث الخلق قال أحمد: قلت لعمر بن عطاء: فأكربني هذا الحديث ثمانية وعشرين ألفا قال: فانظر كم كان قبل أن يخلق الخلق؟ وكم يكون بعدما يبعث الخلق؟
قال: أخبرنا إسحاق بن أحمد حدثنا أبو كريب قال: حدثنا سويد الكلبي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ قال: يُنعت أنه استقبل براحته إلى السماء وقال: أنا العزيز أنا الجبار أنا المتكبر، يمجد نفسه فرجف المنبر حتى ظننا أنه يقع .


هذه أحاديث تدل على العظمة كما هو عنوان الكتاب، وإذا تصور أو تخيل العبد عظمة الله تعالى صغرت عنده الدنيا، وصغر عنده أهلها وعظم قدر ربه في قلبه؛ فيحمله ذلك على أن يخلص العبادة لله وأن يفني نفسه ويمضي أوقاته في تعظيم العظيم وفي إجلاله وفي إكباره، يستحضر أن ربه وتعالى هو الكبير المتعال، وأنه أكبر من كل شيء، وأن المخلوقات مهما عظمت فإنها حقيرة بالنسبة إلى عظمته سبحانه.
قد أخبر الله تعالى بقوله: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ والأرض جميعا. أي: جميع الأراضي سبع أرضين الله أعلم أين هي، وكذلك السماوات سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا كل سماء محيطة بالأرض من كل جهاتها، فهذه المخلوقات السماوات السبع والأرضين السبع يقبضها ربنا سبحانه وتعالى يوم القيامة ويقول:.. كما سمعنا يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ .
ويستدل على ذلك بقوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ أي أنه يقول: لمن الملك اليوم أي في ذلك اليوم يتخلى كل عما يملك فلا أحد يختص بشيء بل كل يتبرأ مما كان يملك. كما ذكر أنه عندما يبعثون يأمر الله الأرض أن تخرج أثقالها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا يعني كنوزها فيمر الإنسان بكنز فيقول: في هذا قطعت يدي أو في هذا عصيت ربي، أو بسبب هذا كفرت أو خالفت ما أمرت به أو وقعت في منكر بسبب هذا وبسبب هذا، والشاهد من ذلك استحضار أن الرب سبحانه أعظم من كل شيء وأن الذين يعبدون غيره ما قدروه حق قدره. الذين يعبدون أنواعا من البشر كالذين يعبدون الأولياء أو السادة أو الشهداء أو الصالحين أو الملائكة، أو نحوهم؛ يعتقدون فيهم أنهم يدبرون الكون، وأنهم يتصرفون في الملك، وأن لهم قوة ولهم قدرة، ولهم تمكن في أخذ ما يريدون، وإعطاء ما يريدون فيعلقون عليهم الآمال ويرجونهم، ويدعونهم مع الله أو من دون الله، ويعتقدون فيهم أنهم ينفعون من دعاهم أو أنهم يضرون من كفر بهم، وأنهم بيدهم شيء من التصرف. ينسون قول الله تعالى: يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ الأمر يومئذ لله وحده.
ينسون أن الله تعالى هو رب الأرباب، ومسبب الأسباب، وعلام الغيوب، ومدبر الخلائق، والمتكفل بأرزاقهم وحده، وهو الذي انفرد بخلق المخلوقات، وبتدبيرها. فإذا كان كذلك فكيف يرفع المخلوق إلى رتبة الخالق؟ يجب على من عرف عظمة الله وأخذ ذلك من الأدلة التي سمعنا أن يعتقد عظمة الخالق، وأن المخلوقين لا يصلون إلى شيء من رتبته ولا يعطون شيئا من حقه.
من عظمته سبحانه أنه يمسك السماوات والأرض أن تزولا. أخبر بذلك. هذه السماوات معلقة في هذا الهواء وكذلك هذه الأرض معلقة كما يشاء. الذي يمسكها حتى لا تضطرب وحتى لا يزول ما عليها هو الخالق وحده، هو الله وحده دون ما سواه. فلو اجتمع الخلق كلهم ليسخروا هذا لما قدروا. لو اجتمعوا على أن يوقفوا سير الشمس أو يسرعوا في سيرها فوق سيرها المعتاد لما قدروا. لو اجتمعوا على أن يرسلوا الرياح إذا سكنت لما قدروا. هو الذي يرسل الرياح كما أخبر بذلك، ولو اجتمعوا على أن ينشئوا السحب التي ينشئها الله تعالى، وتحمل الماء الكثير وتمطر إذا شاء على من يشاء. لو اجتمعوا لما قدروا على أن يغيروا سيرها إذا سارت، وكذلك إذا أرسل الله الرياح الشديدة العاصفة التي قد تقلع الأشجار، وتهدم الدور، وتقلب الحجارة الكبيرة، ولا يقف في طريقها شيء. مَن الذي يمسكها أو يردها إذا أرسلها سبحانه وتعالى؟ أخبر بأنه يمسك السماوات والأرض أن تزولا يعني أن تزول من مكانها بل هي ثابتة كما ثبتها وكما خلقها سبحانه وتعالى.
ورد في الحديث الذي سمعنا وتكرر قوله صلى الله عليه وسلم، قول الصحابة: قام فينا الرسول صلى الله عليه وسلم بأربع فقال: إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام؛ يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور أو النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .
أخبر في هذا بأنه تعالى هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، لا ينام كنوم المخلوق؛ وذلك لأن المخلوق يرهقه التعب، ويرهقه العمل فجعل الله له النوم ليريح جسده، ليريح نفسه وقتا من الأوقات حتى يكون بعد ذلك قد استعاد قوته ونشاطه، فأما الرب سبحانه فإنه الحي القيوم، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، لا ينبغي له أن ينام.
سمعنا أيضا القصة التي ذكرت عن موسى أنه قال: يا رب هل تنام؟ فقال: يا موسى خذ زجاجتين، وقم طوال الليل. يقولون: إنه أخذ الزجاجتين وقام قائما طوال النهار وهو ممسك كل واحدة بيده ولكن سرعان ما نعس، ولما نعس اصطفقت الزجاجتان فانضربت كل واحدة منهما بالأخرى فتكسرتا فقال الله: يا موسى إني لا أنام.
لو نام الرب تعالى لاختلت هذه المخلوقات التي هو يمسكها، لاضطربت السماوات والأرض التي يمسكها بقوته، وكذلك الأرض وكذلك الأفلاك والنجوم والشمس والقمر، وما أشبهها هو الذي يمسكها كما يشاء.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من النوم يقرأ قول الله تعالى: الحمد لله الذي يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ يستفتح نهاره بهذه الآية ونحوها التي يتذكر فيها عظمة ربه، وأنه الذي يمسك هذه المخلوقات، وأخبر بأنه يخفض القسط ويرفعه.
القسط هو العدل أو قيل: إنه الميزان يخفضه، ويرفعه أو قيل: إنه التصرف بالخلق بمعنى أنه يرفع من يشاء، ويخفض من يشاء فيعطي هذا، ويمنع هذا ويفقر ويغني، ويميت ويحي، ويمرض ويشفي يخفض قوما، ويرفع آخرين، ويغير الأحوال من حال إلى حال كل ذلك من تصرفه في هذا الكون وحده. يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل. الأعمال التي يعملها العباد ترفع إليه في حينها لا يتأخر مع أنه عالم بها قبل أن ترفع، ولكن ترفع حتى ترصد للعاملين عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل.
كذلك أخبر صلى الله عليه وسلم بأن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل وهذا البسط كما هو نؤمن به بمعنى أننا نعتقد أنه يبسط يده، يحث على التوبة قبل الليل ليتوب المسيء في النهار، ويبسط يده بالليل ليتوب المسيء قبل النهار. هكذا يحث عباده على التوبة. أخبر بأن حجابه النور، احتجب عن عباده بهذا النور.
قد أخبر الله تعالى بأنه نور في قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .
وكذلك أخبر النبي صلى الله عليه سلم لما سئل هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نورا، أو نور أنى أراه يقول في هذا الحديث: لو كشفه لأحرقت سبحات وجه ما انتهى إليه بصره من خلقه احتجب عن عباده بهذا النور، الذي هو نور لا يستطيع أن يمثل أحد أمامه. لو كشف هذا النور لأحرقت سبحات وجهه جلال وجه وعظمة وجه ما انتهى إليه بصره من خلقه من الأجرام الكبيرة والصغيرة، ولكنه سبحانه حليم كما يحلم عن عباده ويعفو عنهم.
نكمل ذلك إن شاء الله في الأسبوع الأتي.
س: مر في الكتاب ذكر أن حجاب الله جل وعلا النور، وورد بلفظ آخر أن حجابه النار فما هو الجمع بين ذلك؟ معروف أن الأصل أن النور من ضوء النار، هذا هو الأصل المعروف أنه لا يكون نور إلا من ضوء النار عادة، ولذلك قال تعالى: يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ فلا مانع من أن يكون يعني نورا، ولكن لشدة إضاءته يكون فيه حرارة شديدة، ولذلك قال: لو كشفه لأحرقت سبحات وجه ما انتهى إليه بصره من خلقه أي أن من شدة ذلك النور قد يحرق حتى الجمادات وما أشبهها.

line-bottom