جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
184547 مشاهدة print word pdf
line-top
الملائكة خلق عظيم يدل على عظمة الله

...............................................................................


وبعد أن خلق الله تعالى العرش، وخلق الملائكة الذين يحملونه، وحملوه بما أقدرهم الله عليه، وكذلك أيضًا خلق ما حوله من الملائكة وما فى السماوات أيضًا من الملائكة الذين لا يحصي عددهم إلا الله كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد السماوات مع سعتها مليئة بالملائكة الذين يعبدون الله تعالى ويحمدونه ويطيعونه، فهم ملء السماوات لا يحصيهم إلا الله يقول تعالى: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ .
ورد في حديث أنه -صلى الله عليه وسلم- لما عرج به يقول: رأيت البيت المعمور الذي ذكر في سورة الطور وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وإذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألفًا، ثم لا يعودون إليه يعني من الملائكة. قيل: إنهم من سماء واحدة؛ كل يوم يدخلون هذا البيت يتعبدون فيه سبعون ألفًا، ثم يأتي في اليوم الثاني غيرهم، وهكذا ما دامت الدنيا لا يعودون إليه إلى يوم القيامة.
لا شك أن هذا دليل على كثرة عددهم، ذكروا أنها لما نزلت الآية في سورة المدثر في قوله تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ قيل: إن المراد أنهم تسعة عشر ألفًا، وإذا قيل: إنهم تسعة عشر ملكًا، فإنه قد ذكر من عظمتهم أن الملك الواحد يقبض مائة ألف ويلقي بهم في قبضته لا يعلم عظمة هذه إلا الذي خلقهم.
والمشركون كذبوا بذلك أو سخروا منه وقالوا: يزعم محمد أن الذين يعذبونكم في النار تسعة عشر، وأنتم أكثر القوم أفلا تغلبونهم؟ حتى قال أحدهم: أنا أكفيكم عشرة واكفوني تسعة. وذلك على وجه السخرية عند ذلك قال الله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا إلى قوله وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ .
فالحاصل أن هذا يعني ما روي من عظمة خلق أحدهم أنه دليل على عظمة من خلقهم وعلى قدرته على كل شيء.
ورد لما أن بعض المشركين سمعوا قول الله تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فقالوا: هذه هي الجنة فأين النار، إذا كانت الجنة عرضها كعرض السماء والأرض؟ فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله قادر على أن يجعلها في أية مكان، ولا يحصي أو لا يحيط بعظمتها إلا الذي خلقها.
وعلى هذا نأخذ من هذا كله عظمة من أوجد هذه المخلوقات، وأنه تعالى موصوف بصفات العظمة، وموصوف بأنه عليم بكل شيء، وأنه سميع، وأنه بصير، وأنه قوي، علمه لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر وبصره أنه يرى أو يبصر جريان الماء في عروق الشجر، وأنه يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة السوداء في ظلمة الليل؛ وذلك لأنها مخلوقة وهو الخالق لها. ثم وصف الله تعالى نفسه بأنه قريب وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ وما ذكر من قربه لا ينافي ما ذكر من علوه فهو سبحانه علي في دنوه قريب في علوه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
والقصد من هذا كله أن يستحضر المسلم عظمة الله تعالى وأن يحتقر الدنيا وما عليها وأن يستصغر نفسه وألا يتكبر على ربه وألا يتعاظم عن عبادة الله تعالى، وأن يتواضع لله ويعبده حق العبادة وينيب إليه ويتوب إليه ولا يخرج عن طاعته، وأن يستحضر أن الله تعالى يراه وأنه هو الذي أنعم عليه وأنه محيط به وأنه لا يخرج عن قبضته شيء من المخلوقات بل كلهم في قبضته وتحت تصرفه وتقديره متى يكون؟ ذلك كله بحامل له على أن يدين لله تعالى بالتعظيم ويعظمه حق العظمة ويعبده وحده ولا يعبد معه غيره. وهذا هو القصد من ذكر الآثار التي تدل على عظمة الخالق سبحانه والتي أخبر بهذه الآثار والتي أخبر الله تعالى عنها في كتابه وأخبر بها نبيه -صلى الله عليه وسلم- من كونه سبحانه يقبض السماوات والأرض، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ويقول: لمن الملك اليوم لله الواحد القهار، إن هذا القصد من ذلك كله الإنابة إليه والرغبة فيما لديه وتعظيمه حق العظمة، واحتقار المخلوقات، واحتقار الدنيا بأسرها ومن عليها بالنسبة إلى عظمته سبحانه.
الآن نواصل القراءة....

line-bottom