الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
147493 مشاهدة
السبب في عدم تعرف الكثيرين على الله

...............................................................................


وإذا قيل: لماذا الخلق الكثير لم يعرفوه ولم يعترفوا بحقه، ولم يعبدوه حق عبادته مع أنه تعرَّف إلى عباده بهذه المخلوقات التي نصبها دالة على عظمته؟ فالجواب أنه تعالى أخبر بأن الكثير من عباده لا يتفكرون ولا ينظرون، ولا يعتبرون فيما بين أيديهم وفيما خلفهم، وأنه سلط عليهم ما أذهب بصائرهم، وذلك بأنه خلق الخلق وجعل منهم قسمًا للنار وقسمًا للجنة قال الله تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ .
فهؤلاء الذين ينظرون في آيات الله تعالى، وينظرون في مخلوقاته، ويسمعون كلامه يتلى عليهم، وكذلك أيضًا لهم عقول ولهم أفهام؛ لكن عقولهم وأفهامهم عقول معيشية دنيوية. لا يتفكرون إلا في أمورهم الدنية، في أمور الدنيا؛ لذلك صدهم نقص عقولهم عن أن يتفكروا في المخلوقات، وإلا فلو تفكروا في أدنى المخلوقات إليهم أو في أنفسهم لعرفوا عظمة من خلقهم، لو تفكروا في خلق أنفسهم لعرفوا عظمة الخالق الذي أوجد الإنسان على هذه الخلقة هذه الكيفية، وكذلك لو تفكروا في المخلوقات صغيرها وكبيرها لعرفوا أيضًا أنه سبحانه هو الذي أوجدها وأنه أهل أن يعبد. ثم من حكمة الله تعالى أنه سلط الأعداء الذين يصدون عن سبيل الله، وإلا لو لم يكن هناك أعداء يصدونهم عن السبيل لما حصل هذا الإعراض وهذا الابتعاد من كثير من العباد.