شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
فضل التفكر في آيات الله عز وجل ومخلوقاته
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين. قال رحمه الله تعالى: ما ذكر من الفضل في المتفكر في ذلك.
قال: حدثنا جعفر بن عبد الله بن الصباح اسم> قال: حدثنا محمد بن حاتم المؤدب اسم> قال: حدثنا عمار بن محمد اسم> عن ليث اسم> عن سعيد بن جبير اسم> عن ابن عباس اسم> رضي الله عنهما قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة
قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن زكريا اسم> قال: حدثنا عثمان بن عبد الله القرشي اسم> قال: حدثنا إسحاق بن نجيح الملطي اسم> قال: حدثنا عطاء الخراساني اسم> عن أبي هريرة اسم> رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رسم> فكرة ساعة خير من عبادة ستين سنة رسم> .
قال: حدثنا الحسن بن هارون بن سليمان اسم> قال: حدثنا أحمد الدورقي اسم> قال: حدثنا محمد بن كثير اسم> عن أبي إسحاق اسم> عن عطاء بن السائب اسم> عن سعيد بن جبير اسم> عن ابن عباس اسم> رضي الله عنهما قال: ركعتان مقتصدتان فيهما تذكر خير من قيام ليلة والقلب ساهٍ.
قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حماد اسم> قال: حدثنا علي بن المنذر اسم> قال: حدثنا ابن فضيل اسم> قال: حدثنا الأعمش اسم> عن عمرو بن مرة اسم> عن سالم بن أبي الجعد اسم> قال: سألت أم الدرداء اسم> رضي الله عنهما ما كان أفضل عمل أبي الدرداء اسم> فقالت: التذكر.
قال: أخبرنا المروزي اسم> قال: حدثنا عاصم بن علي اسم> قال: حدثنا المسعودي اسم> عن عون بن عبد الله اسم> قال: قيل لأم الدرداء اسم> رضي الله عنهما ما كان أكثر عمل أبي الدرداء اسم> رضي الله عنه قالت: التفكر.
قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس اسم> قال: حدثنا سلمة اسم> قال: حدثنا سهل بن عاصم اسم> قال: سمعت فضيلا اسم> يقول: كلام المؤمن حكم وصمته تفكر ونظره عبرة إذا كنت كذلك لم تزل في العبادة، ثم قرأ: رسم> وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ قرآن> رسم> .
قال: حدثنا محمد بن يحيى المروزي اسم> قال: حدثنا إسحاق بن المنذر اسم> قال: حدثنا يحيى بن المتوكل أبو عقيل اسم> عن عمرو بن قيس الملائي اسم> قال: بلغني أن تفكر ساعة خير من عمل دهر من الدهر.
قال: أخبرنا أبو يعلى اسم> قال: حدثنا عباس النرسي اسم> قال: حدثنا يزيد بن زريع اسم> عن سعيد اسم> عن قتادة اسم> رضي الله عنه رسم> إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قرآن> رسم> قال: المعتبرين.
قال: حدثنا الوليد بن أبان اسم> قال: حدثنا أبو حاتم اسم> قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري اسم> قال: سمعت عبد العزيز بن عمير اسم> يقول: إن صنفا من الطير تجوعوا أربعين صباحا، ثم طاروا في الهواء فلما رجعوا إلى الطير كانوا يعرفون بعد بريح المسك قال أحمد اسم> رحمه الله تعالى: هذا مثل ضربوه للناس إذا زهدوا تفكروا، وطارت قلوبهم في ملكوت السماء فيرجعون ويثنى عليهم.
قال: حدثنا الوليد اسم> قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن نصر اسم> قال: حدثنا أبو حجر اسم> قال: حدثنا كنانة بن جبالة اسم> عن عثمان بن عطاء اسم> عن أبيه أن أبا بكر اسم> رضي الله عنه ذكر ذات يوم وفكر في يوم القيامة والموازين والجنة حيث أزلفت، وفي النار حين أبرزت وصفوف الملائكة وطي السماوات والأرض ونسف الجبال وتكوير الشمس وانتثار الكواكب، فقال: وددت أني كنت خضرا من هذه الخضراء، تأتى علي بهيمة فتأكلني وأني لم أخلق فنزلت هذه الآية: رسم> وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ قرآن> رسم> .
قال: حدثنا أحمد بن عمر اسم> قال: حدثنا عبد الله بن محمد اسم> قال: حدثني سلمة اسم> قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري اسم> قال: سمعت أبا سليمان اسم> يقول: خرج مالك بن دينار اسم> رحمه الله بالليل إلى قاعة الدار وترك أصحابه في البيت، وأقام إلى الفجر قائما في وسط الدار، فقال لهم: إني كنت في وسط الدار خطر ببالي أهل النار فلم يزالوا يعرضون علي بسلاسلهم وأغلالهم حتى الصباح.
قال: حدثنا أحمد بن عمر اسم> قال: حدثنا عبد الله اسم> قال: حدثني محمد بن حسين اسم> قال: حدثني سليمان أبو أيوب اسم> قال: قام زبيد اسم> ذات ليلة للتهجد فعمد إلى مطهرة له، فغسل يده ثم أدخلها في المطهرة، فوجد الماء فيها باردا شديدا كاد أن يجمد، فذكر الزمهرير ويده في المطهرة فلم يخرجها منها حتى أصبح، فجاءت الجارية وهو على ذلك من الحال، فقالت: ما شأنك لم تصل الليلة كما كنت تصلي، قال: ويحك إني أدخلت يدي في هذه المطهرة فاشتد علي برد الماء، فذكرت به الزمهرير، فوالله ما شعرت بشدة برده علي حتى وقفت علي. انظري لا تخبري بهذا أحدا ما دمت حيا. قال: فما علم بذلك أحد حتى مات رحمة الله تعالى.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن اسم> قال: حدثنا أحمد بن سعيد اسم> قال: حدثنا ابن وهب اسم> قال: أخبرني عبد الله بن عياش اسم> عن يزيد بن قوذر اسم> عن كعب اسم> رضي الله عنه قال: من أراد أن يبلغ شرف الآخرة فليكثر التفكر يكن عالما.
قال: حدثني الصلت بن حكيم اسم> عن جعفر بن سليمان اسم> عن رجل من أهل صنعاء أظنه عبد الصمد اسم> أو وهب بن منبه اسم> رحمه الله قال: الصمت فهم للفكرة، والفكرة مفتاح للمنطق والقول بالحق دليل على الجنة قال وهب بن منبه اسم> رحمه الله: ما طالت فكرة امرئ قط إلا فهم، وما فهم امرؤ قط إلا علم وما علم امرؤ قط إلا عمل.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن اسم> قال: حدثنا أبو الربيع اسم> قال: حدثنا حجاج بن رشدين اسم> قال: كنا نجالس عبد الرحمن بن شريح اسم> عشاء لا ينطق فيها بحرف مفكرا حتى يقوم فقال له رجل يوما: ألا تتكلم؟ فقال: قد تكلمت وتكلمت فلم أنتفع ولم ينتفع بكلامي، وقال ذات يوم: كم تكرر هذه المواعظ على هذه القلوب وليس فيها حراك، فكيف من أهملها قال: وأطال السكوت يوما فقال: العجب كل العجب عن يوم يقص فيه للشاة الجماء من الشاة القرناء فعلمنا أنه كان مفكرا في ذكر يوم القيامة.
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يعقوب اسم> قال: حدثنا أحمد بن منصور زاج اسم> قال: حدثنا عبد الرحيم بن الحسن الصفار اسم> قال ابن عيينة اسم> رحمه الله في قول الله عز وجل: رسم> سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ قرآن> رسم> قال: أنزع عنهم فهم القرآن فأصرفهم عن آياتي.
قال: حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي اسم> وإبراهيم بن محمد بن الحارث اسم> قالا: حدثنا أحمد بن أبي الحواري اسم> قال: حدثنا أبو عصمة اسم> قال: سمعت أبا زيد اسم> يقول: رأيت سفيان الثوري اسم> رحمه الله وقد طاف وصلى خلف المقام ركعتين ورفع رأسه، فنظر إلى السماء وانقلب مغشيا عليه، قال: فخرج حبش زمزم فحملوه وأدخلوه وصبوا عليه الماء حتى أفاق، فحدثت به أبا سليمان اسم> فقال: ليس النظر أقلبه إنما أقلبه الفكر.
حدثنا أحمد بن روح اسم> قال: حدثنا عبد الله بن خبيق اسم> عن يوسف بن أسباط اسم> قال: كان سفيان الثوري اسم> رحمه الله طويل الفكرة، وكان يفور الدم من حزنه وفكرته.
قال: حدثنا أبو بكر بن معدان اسم> قال: حدثنا عبد الله بن خبيق اسم> قال: قال يوسف بن أسباط اسم> قال لي سفيان الثوري اسم> رحمه الله وقد صليت العشاء الآخرة: ناولني المطهرة أتوضأ فناولته فأخذها بيمينه ووضع يساره على خده ثم قمت ونمت، فلما طلع الفجر أتيته فقلت: يا أبا عبد الله اسم> طلع الفجر، فإذا المطهرة بيمينه ويساره على خده فقال: لم أزل منذ ناولتني المطهرة أفكر في أمر الآخرة إلى الساعة .
سمعنا هذه الآثار أولا في فضل التفكر، وثانيا في كيفية تفكر السلف والأئمة رحمهم الله. ذكروا أن تفكر ساعة خير من إحياء ليلة أو من عبادة سنة أو من عبادة ستين سنة، ولا شك أن هذا خاص بمن تفكره يزيده علما وعملا، وخاص بأهل العقول الذين يتفكرون فكرا يدلهم على قوة المعرفة. ذكروا في الآيات التي في الأنعام الوصايا العشر قوله تعالى: رسم> قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ قرآن> رسم> إلى قوله: رسم> ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ قرآن> رسم> إلى قوله: رسم> ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ قرآن> رسم> ثم قال: رسم> وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا قرآن> رسم> إلى قوله: رسم> ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ قرآن> رسم> .
فأخبر في الآية الأولى بأن العلة هي العقل، وليس المراد العقل الدنيوي أو العقل المعيشي بل العقل الأخروي؛ العقل الذي إذا رزقه الإنسان تفكر في عاقبة أمره، وعرف كيف يعبد ربه وعرف الحكمة في خلقه وإيجاده، وعرف ما بين يديه وما خلفه، وعرف ما هو مقبل عليه، فإذا رزق هذا العقل فإن الله تعالى يوفقه للتذكر فيتذكر ما نظر، ويتذكر ما هو مستقبل ويقطع وقته في الذكر وفي التذكر وفي التأمل وفي التعقل، فإذا رزقه الله تعالى هذا التذكر انتقل إلى العمل وهو التقوى رسم> لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ قرآن> رسم> أي: يثمر هذا التذكر. يثمر العقل تذكرا ويثمر التذكر تقوى لله تعالى فتكون هذه هي نتيجة هذا العمل.
مسألة>