من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
143275 مشاهدة
خلق الله للإنسان وأفعاله

...............................................................................


الإنسان ليس الذي هو يخلق أفعاله ليس هو الذي يخلق أولاده ليس هو الذي يخلق ذريته، لو كان كذلك لحرص على أن يكون أولاده مثلاً كلهم ذكوراً مثلاً، أو على أن يكون حسناً خلقهم، ولم يك فيهم مشوه ولم يك فيهم ناقص الخلق، ولم يك فيهم دميماً بل الله تعالى هو الذي يخلقهم يقول الله تعالى يقول: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ويقول تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ .
كذلك أيضاً بالنسبة إلى بقية المخلوقات معلوم مثلاً أن الله تعالى ألهمها ما يحصل به هذا التوالد. أي: جعل للذكور مثلاً شهوة في الذكور والفحول ، شهوة تدفعها إلى هذا الاتصال الجنسي بإناثها وكل يميل إلى جنسة، فمثلاً بهيمة الأنعام يميل بعضها إلى بعض فلا تجد الذكر من المعز ينزو على الأنثى من الضأن ولا بالعكس، وكذلك أيضاً لا تجد الذكر من الإبل ينزو على الأنثى من البقر، وكذلك العكس. الذي ألهمها هو الذي أودع فيها هذه الفطرة أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى لماذا؟ ليحصل ما قدره الله من هذا التوالد الذي قدر خلقه، وقدر إيجاده.
لا شك أن هذا من آيات الله الدالة على عظمته سبحانه وتعالى، فإذا عرفنا أنه قدَّر إيجادها في هذا الوجود فهو الذي أيضًا قدر الموت عليها قدر الموت على جنس الإنسان بأسباب محسوسة أو بغير أسباب فلو شاء لجعل الإنسان إنسانًا واحدًا لا يتغير ولكن جعله يتغير من كونه رضيعاً إلى كونه فطيمًا إلى كونه شابًا إلى يافعًا إلى كهلاً إلى شيخًا إلى هرِمًا إلى أن يكون ممن يرد إلى أرذل العمر، وهكذا أيضًا قدر للحيوانات أعمارًا لا تتجاوزها، وهكذا أيضًا بقية المخلوقات قدر لها حدودًا.
لا شك أن هذا كله إذا تأمله العاقل عرف بذلك عظمة الخالق، وأنه ما خلق إلا لحكمة وأنه الذي يستحق أن يعبد وحده لا شريك له، وهكذا أيضاً إذا تأملنا كلام الله الذي أنزله وجعله هدى وبيانًا وشفاءً نعرف من كل آية دلالة عظيمة على عظم الخالق سبحانه وتعالى وعلى أنه المتصف بصفات الكمال، والمنزه عن النقائص في الأقوال والأفعال، فنتأمل مثلاً...