قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
كتاب الروض المربع الجزء الثاني
92379 مشاهدة
ما يجوز ذبحه من الهدي خارج حدود الحرم

ففدية الأذى أي: الحلق واللبس ونحوهما كطيب وتغطية رأس، وكل محظور فعله خارج الحرم ودم الإحصار حيث وجد سببه من حل أو حرم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نحر هديه في موضعه بالحديبية وهي من الحل ويجزئ بالحرم أيضا.


نقول: إن هذا يجوز خارج الحدود، ففدية الأذى يعني: كالحلق؛ لما أن كعب بن عجرة آذاه القمل وحلق وهو في الحديبية أطعم في الحديبية .
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته لما حصروا نحروا هديهم في الحديبية وتعرف الآن بالشميسي وهي ليست من الحرم خارج حدوده، وإن كان الآن بعضهم أدخلها، فالصحيح أنها ليست من الحرم ففدية الأذى. إذا حصل عليه أذى مثلا بأن حلق أو قلم وهو خارج الحدود فإنه يطعم هناك حيث وجد سببه، وكذلك لو غطى رأسه وهو في الطريق فيطعم هناك، وكذلك لو لبس مخيطا وهو في الطريق فيطعم هناك، هذا مفهوم كلام الفقهاء؛ ولكن لعل الأرجح أنه لا يطعم إلا في داخل الحرم وكذلك دم الإحصار، دم الإحصار قد ذهب أكثرهم إلى أنه لا يكون إلا في داخل الحرم وذكروا أن رجلا قدم من العراق محرما، وبعدما تجاوز وبعدما وصل ميقات أهل العراق ويسمى الآن الضريبة ذات عرق سقط من بعيره فانكسر فخذه، ولم يستطع أن يركب وبقي هناك في خيمة، ومر به ابن مسعود فقال لرفقته: اذهبوا فإذا وصلتم إلى مكة فاذبحوا عنه ما استيسر من الهدي، وإذا ذبحتموه فليتحلل، وقال له: لا تحلل حتى تتيقن أنهم قد ذبحوا الهدي، وقدر له مثلا ثلاثة أيام.
قال: بعد ثلاثة الأيام تذبح الهدي، يعني: يكونون قد ذبحوه وأنت تتحلل ولم يقل: اذبحوا الهدي في الضريبة التي هي ذات عرق بل أمرهم أن لا يذبحوها إلا في داخل الحدود؛ لعموم قوله: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ فعلى هذا: الأولى أن كل هدي أو إطعام فإنه في داخل الحدود... من ذبحها في ذلك المكان هذا على تقدير أنها ليست من الحرم وإذا قيل: إنها من الحرم فلا حاجة إلى تقدير. نعم.