الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه logo قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
shape
كتاب الروض المربع الجزء الثاني
106520 مشاهدة print word pdf
line-top
المراد بالهدي والأضحية

بسم الله الرحمن الرحيم.
قال الشارح -رحمه الله تعالى- باب الهدي والأضحية والعقيقة الهدي: ما يهدى للحرم من نعم وغيرها، سمي بذلك؛ لأنه يهدى إلى الله سبحانه وتعالى.
والأضحية- بضم الهمزة وكسرها- واحدة الأضاحي، ويقال: ضحية، وأجمع المسلمون على مشروعيتهما.


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
مناسبة ذكره هنا أن الهدي من توابع الحج؛ لقوله تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ولقوله: وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ولما ذكروا الهدي ذكروا معه الأضحية لاتفاقهما في كثير من الأحكام، وبعض العلماء يؤخر الأضحية، ويجعلها مع الأطعمة والصيد في آخر الكتاب قبيل كتاب الأيمان والنذور؛ كما فعل ذلك صاحب المغني وغيره، ولكن مناسبتها في هذا الباب أولى؛ وذاك إلا أن الهدي من تمام الحج ويستعمل كثيرا.
ذكر الله الهدي في قوله تعالى في سورة المائدة: لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وفي قوله تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ وفي قوله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ ثلاثة مواضع في سورة المائدة ذكر الله فيها الهدي، وذكره في سورة البقرة في موضعين في قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وفي قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وذكره في سورة الفتح.
قال الله تعالى في سورة الفتح: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وكان الهدي معروفا قبل الإسلام. فمن زار مكة غالبا فإنه يهدي، يسوق معه هديا إما من الإبل أو من البقر أو من الغنم، يسوقه كهدي إلى البيت فإذا كان معتمرا وانتهى من عمرته ذبحه عند المروة وقسم لحمه على مساكين الحرم وإذا كان محرما بالحج ورمى الجمرة ذبحه بمنى وقسمه على الحجاج.
تارة يهدي قليلا وتارة يهدي كثيرا، هذه عادتهم، الأغنياء والأثرياء منهم، والكثير لا يهدون، الذين لا يجدون شيئا، والذين يحجون وهم فقراء يأكلون من لحوم هذا الهدي.
ومشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم توجه سنة ست ومعه هدي، الذي معه وحده سبعون بدنة، ومع أصحابه أيضا هدي آخر يمكن أن يكون أكثر من السبعين أو المائة، ولما وصلوا إلى الحديبية صدهم المشركون عن البيت صدوهم عن أن يبلغ الهدي محِله، وعند ذلك نحروا الهدي في الحديبية وقسموا لحمه على الحاضرين، وحلقوا رءوسهم وتحللوا؛ وذلك هو المراد من قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ أي أنكم حصركم المشركون، ومنعوكم من الوصول إلى البيت فاذبحوا هديكم الذي تيسر لكم وبذلك تتحللون.
كذلك قوله: وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ يعني أنهم صدوكم وصدوا الهدي وعكفوه حتى لا يبلغ محله، ولما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة القابلة في السنة السابعة ساق معه هديا أيضا، ونحره بمكة بعدما أنهى عمرته، ولما حج أبو بكر سنة تسع أرسل معه النبي صلى الله عليه وسلم هديا يخص النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكروا أنه غنم، ولما حج هو سنة عشر ساق معه من المدينة سبعين بدنة، وجاء علي من اليمن بثلاثين فأصبحت مائة بدنة التي تخص النبي صلى الله عليه وسلم، وأشرك عليا معه. هذه هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه علي وكان عادتهم أنهم إذا ساقوه؛ ساقوه من بلادهم. يقتطع الرجل من إبله مثلا عشرا أو عشرين أو أقل أو أكثر، ثم يسوقها. ومن علاماتها: أنهم يشعرونها والإشعار أن يشق صفحة سنامه الأيمن حتى يسيل الدم، ثم يبل منه صوفة بالدم ويعقد تلك الصوفة في ذورة السنام، ثم يمسح الدم الذي يسيل، يكون هذا الإشعار ميزة لها على أنها هدي. ومن علاماتها أيضا: القلائد وهي أنهم يربطون في رقابها قلائد؛ علامة أيضا لها؛ إما حبال وإما خيوط متينة، وأحيانا يربطون في القلادة نعلين تتدلى في رقبة البعير أو البقر علامة على أنها هدي؛ حتى لا يتعرض لها إذا ضلت من صاحبها.
وهو الذي أمر الله باحترامه، ولكونه قياما للناس قال تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ يعني: يحترمونها، وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ يعني: يحترمونه وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ أي: يحترمون الهدي فلا يتعرضون له. لا بركوب ولا بحلب ولا بذبح ولا بتملك ولا بسرقة؛ يعتقدون أن من تعرض للهدي استحق العقوبة السماوية، هذا وهم مشركون، هذا العمل كان عادتهم قبل الإسلام.
كذلك قوله تعالى: لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ لا تحلوا الهدي يعني: لا تستحلوا سرقته وأخذه قبل أن يبلغ محله، ولا تستحلوا القلائد أي: تأخذوا القلائد المعلقة في رقاب الدواب، تأخذوها قبل أن تبلغ محلها؛ لأنها ميزة وعلامة على هذه الدواب التي أهديت إلى الله تعالى. يفعلون ذلك احتراما للمكان؛ المكان المقدس الذي هو مكة لها قداستها قبل الإسلام، ولها مكانتها في الإسلام.
مثلا من قداستها أنها تقصد من أماكن بعيدة؛ لأجل أن تؤدى فيها هذه المناسك؛ الطواف والسعي والوقوف إلى آخره، ومن قداستها: أنه يهدى إليها هذا الهدي هديا بالغ الكعبة يهدى إليها، فإذا وصل إلى محلِّه ذبح وقسم على أهل مكة من باب التوسعة عليهم والرحمة بهم؛ لأنهم جيران بيت الله تعالى؛ فهذا دليل على أن هذه الشعيرة التي هي الهدي من شعائر الله تعالى.
وقد ذكر الله ذلك وأطال فيه في سورة الحج في قوله تعالى: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ إلى قوله: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ إلى آخر الآيات. دليل على أن أكثر ما يهدون البدن؛ لأنها أكثر لحما وأشهر وأغلى وأنفس عند أهلها، وذلك هو حقيقة الهدي. نعم.

line-bottom