جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
shape
كتاب الروض المربع الجزء الثاني
112386 مشاهدة print word pdf
line-top
صفة نحر الإبل

بسم الله الرحمن الرحيم.
قال الشارح -رحمه الله تعالى- والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى فيطعنها بالحربة أو نحوها في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر؛ لفعله عليه الصلاة والسلام، وفعل أصحابه كما رواه أبو داود عن عبد الرحمن بن صادق .


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
قد تقدم أن الهدي والأضحية يشتركان في كثير من الأحكام، ويفترقان في بعض الأحكام فالهدي: ما يهدى إلى الحرم من بهيمة الأنعام ويساق من خارج الحرم يقتطع الرجل من ماله، من غنمه أو من إبله أو بقره قطيعا كخمس أو عشر أو ثلاث ويقلدها ويشعر الإبل ويسوقها إلى مكة وأما الأضحية: فإنها الذبيحة التي تذبح في يوم العيد لإظهار السنة، وهي تصلح في كل مكان، الهدي يختص بمكة وأما الأضحية فتصح في كل البلاد الإسلامية.
وأما كيفية نحرها أو ذبحها: فالسنة نحر الإبل وذبح البقر والغنم النحر هو طعنها في أصل العنق فيما بين الرقبة والصدر، في أصل العنق يسمى نحرا؛ وذلك لأن هذا في الأصل هو النحر من كل شيء، وبه فسر قوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ أي: صلِّ صلاة العيد، وانحر هديك أو ذبائحك التي تذبحها كأضحية أو نحوها، فالنحر يختص بالإبل أو يغلب أن يكون في الإبل، أن يطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، وتكون قائمة معقولة يدها اليسرى. كونها قائمة قد يكون فيه شيء من الصعوبة؛ لأنها تحتاج إلى إمساك.
النبي صلى الله عليه وسلم صُفت له الهدي ومعه حربة صغيرة قصيرة، فأخذ يطعن هذه حتى تسقط، ثم هذه وطفقن يزدلفن إليه؛ يتدافعن إليه حتى نحر ثلاثا وستين بيده وأعطى عليا فنحر ما بقي، وأخذوا كونها قائمة واقفة من الآية الكريمة في سورة الحج: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ فذكر أنها صواف، أنهم يصفونها صفا، ثم يأتي إلى هذه فينحرها فتسقط وهذه ينحرها فتسقط وهكذا، فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا يعني: سقطت بعد نحرها، فهنالك يقول: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فالحاصل أنه يستدل بهذه الآية على أنها تذبح وهي قائمة. وقد يقال: إنها بحاجة إلى من يمسكها. معروف أن الإبل فيها قوة ومناعة ونشاط فتحتاج إلى مجموعة يمسكونها:
فأولا: تعقل يدها اليسرى، ترتفع حتى تصير معقولة قائمة على ثلاث.
وثانيا: بحاجة إلى من يمسك رجليها بحبال مثلا، وكذلك يدها الباقية وكذلك رأسها، يمسك ويلوى على جنبها، والذين يمسكونها لا بد أن يكونوا ثلاثة أو أربعة، وقد يحتاجون إلى أن يمسكوها بحبال منيعة أو قوية؛ لأنها إذا أحست بالطعن فلا بد أنها تهرب وتتفلت وتحاول الانفلات، فإذا لم تكن ممسوكة فربما تهرب ولا يستطيعون إمساكها إلا بعد حين؛ فلأجل ذلك قالوا: يجوز أن تنحر وهي باركة إذا خشوا أنها تتفلت، وأكثر من ينحرها الآن ينحرونها وهي باركة ويمسكون رأسها ويطعنونها في أصل العنق حتى تموت.
ثم بعد ذلك يشرعون في سلخها ثم تقطيعها، ونحر غير الهدي في هذه البلاد وفي كثير من البلاد قد يتولى النحر أناس ليس في قلوبهم رحمة أو يريدون ما هو الأسهل عليهم، فسمعت أنهم في أماكن النحر هنا يأخذ أحدهم عمودا كبيرة كعمود الخيمة، ثم يضربها به على وسط الرأس ضربات حتى تدوخ وتسقط فيذبحها وهي ساقطة على هذه الحال، وهذا لا يجوز؛ وذلك لأن فيه تعذيبا، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان، وأمر بأن لا تُعذب حتى عند الذبح وأمر بالإحسان: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة فكونهم يضربون البعير مثلا أو الثور هذا الضرب حتى يدوخ في رأسه أو في جنبه أو نحو ذلك؛ هذا تعذيب بعيد عن الإحسان. في إمكانهم أن يمسكوا رأسه ثم بعد ذلك فيذبحونه كما أمروا. نعم.

line-bottom